الفاتيكان
08 أيلول 2021, 06:30

رسالة مشتركة للبابا فرنسيس وبرتلماوس وويلبي من أجل حماية الخليقة

تيلي لوميار/ نورسات
مع انطلاقة الاحتفال بزمن الخليقة، من الأوّل من سبتمبر/ أيلول في اليوم العالميّ للصّلاة من أجل العناية بالخليقة وحتّى الرّابع من ت1/ أكتوبر عيد مار فرنسيس الأسيزيّ، وجّه البابا فرنسيس رسالة مشتركة مع البطريرك المسكونيّ برتلماوس ورئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي، من أجل حماية الخليقة شدّدوا فيها على أنّ "العناية بخليقة الله هي مهمّة روحيّة تتطلّب جواب التزام. إنّها لحظة حرجة"، وأنّه عليها يعتمد مستقبل الأطفال ومستقبل البيت المشترك.

وجاء في نصّ الرّسالة بحسب "فاتيكان نيوز": "لأكثر من عام، عانينا جميعًا من الآثار المدمّرة لوباء عالميّ- جميعنا، سواء كنّا فقراء أو أثرياء، ضعفاء أو أقوياء. كان البعض محميًّا أو ضعيفًا أكثر من البعض الآخر، لكن العدوى السّريعة الانتشار قد عنت أنّنا قد اعتمدنا على بعضنا البعض في جهودنا لكي نبقى آمنين. لقد أدركنا أنّه في مواجهة هذه الكارثة العالميّة، لا أحد في أمان إلى أن يصبح الجميع آمنًا، وأنّ أفعالنا تؤثّر حقًّا على الآخرين، وأنّ ما نقوم به اليوم يؤثّر على ما سيحدث غدًا. هذه ليست دروسًا جديدة، لكن كان علينا مواجهتها من جديد. فلا نضيِّعنَّ إذًا هذه اللّحظة. علينا أن نقرّر أيّ نوع من العالم نريد أن نتركه للأجيال القادمة. يقول لنا الله: "اخْتَرِ الحَيَاةَ لِكَي تَحيَا أَنتَ وَنَسْلُكَ". علينا أن نختار أن نعيش بشكل مختلف؛ علينا أن نختار الحياة.

يحتفل العديد من المسيحيّين في شهر أيلول سبتمبر بزمن الخليقة، فرصة للصّلاة والعناية بخليقة الله. بينما يستعدّ قادة العالم للاجتماع في تشرين الثّاني نوفمبر في غلاسكو للتّداول بشأن مستقبل كوكبنا، نحن نصلّي من أجلهم ونفكّر في الخيارات الّتي يجب علينا اتّخاذها جميعًا. وبناءً على ذلك، بصفتنا قادة لكنائسنا، ندعو الجميع، بغضّ النّظر عن معتقداتهم أو رؤيتهم للعالم، لكي يسعوا للإصغاء إلى صرخة الأرض وصرخة الفقراء، ويفحصوا سلوكهم ويتعهّدوا بتقديم تضحيات ذات معنى من أجل الأرض الّتي أعطانا الله إيّاها. في تقليدنا المسيحيّ المشترك، يقدّم الكتاب المقدّس والقدّيسون وجهات نظر منيرة لكي نفهم حقائق الحاضر والوعد بشيء أكبر ممّا نراه في الوقت الحاضر. يمثّل مفهوم الوكالة- المسؤوليّة الفرديّة والجماعيّة عن العطيّة الّتي منحنا الله إيّاها- نقطة انطلاق حيويّة للاستدامة الاجتماعيّة والاقتصاديّة والبيئيّة. نقرأ في العهد الجديد عن الرّجل الغنيّ الجاهل الّذي خزّن ثروة كبيرة من الحبوب بينما نسي نهايته المحدودة. ونتعلّم عن الابن الضّالّ الّذي أخذ ميراثه مبكرًا، فقط ليهدره وينتهي به الأمر جائعًا. لقد تمَّ تحذيرنا من تبنِّي خيارات قصيرة المدى وغير مكلفة لكي نبني على الرّمال، بدلاً من أن نبني على الصّخر بيتنا المشترك لكي يقاوم العواصف. تدعونا هذه القصص لكي نتبنّى نظرة أوسع ونتعرّف على مكانتنا في تاريخ البشريّة. لكنّنا اتّخذنا الاتّجاه المعاكس. لقد قمنا بتعظيم مصالحنا على حساب الأجيال القادمة. من خلال التّركيز على ثروتنا، نجد أنّ المدّخرات الطّويلة الأجل، بما في ذلك جود الطّبيعة، يتمّ استنفادها من أجل فوائد قصيرة الأجل. لقد كشفت التّكنولوجيا عن إمكانيّات جديدة للتّقدّم وإنّما أيضًا لتراكم ثروات مُفرط، ويتصرّف الكثير منّا بطرق تظهر القليل من الاهتمام بالآخرين أو بمحدوديّة الكوكب. إنَّ الطّبيعة مرنة ولكنّها حسّاسة. ونحن نشهد على عواقب رفضنا لحمايتها والحفاظ عليها. والآن، في هذه اللّحظة، لدينا فرصة للتّوبة، والالتفاف بعزم، والتّوجّه في الاتّجاه المعاكس. علينا أن نبحث عن السّخاء والإنصاف في الطّرق الّتي نعيش فيها ونعمل ونستخدم المال، بدلاً من المكاسب الأنانيّة.

وتُضيف الرّسالة المشتركة من أجل حماية الخليقة تتحدّث أزمة المناخ الحاليّة كثيرًا عن هويّتنا والطّريقة الّتي ننظر بها إلى خليقة الله ونتعامل معها. نحن نقف أمام عدالة قاسية: إنَّ فقدان التّنوّع البيولوجيّ، والتّدهور البيئيّ وتغيّر المناخ هي النّتائج الحتميّة لأفعالنا، لأنّنا استهلكنا بجشع موارد الأرض أكثر ممّا يمكن للكوكب أن يتحمّل. لكنّنا نواجه أيضًا ظلمًا عميقًا: لأنّ الأشخاص الّذين يتحمّلون العواقب كارثيّة لهذه الانتهاكات هم الأشخاص الأشدَّ فقرًا على هذا الكوكب وهم الأقلّ مسؤوليّة عن التّسبّب فيها. نحن نخدم إلهًا عادلاً، يفرح في الخلق ويخلق كلّ شخص على صورة الله، ولكنّه يسمع أيضًا صراخ الفقراء. وبناءً على ذلك، هناك دعوة فطريّة في داخلنا لكي نجيب بحزن عندما نرى مثل هذا الظّلم المدمّر. واليوم، نحن ندفع الثّمن. تكشف لنا الأحوال الجوّيّة القاسية والكوارث الطّبيعيّة الّتي حدثت خلال الأشهر الأخيرة، بقوّة كبيرة وبتكلفة بشريّة كبيرة، أنّ تغيّر المناخ ليس تحدّيًا مستقبليًّا فحسب، بل هو مسألة بقاء على قيد الحياة عاجلة وملحّة. تهدّد الفيضانات المنتشرة والحرائق والجفاف قارّات بأكملها. ومستوى سطح البحر يرتفع ويجبر جماعات بأسرها على الانتقال؛ تجتاح الأعاصير مناطق بأكملها، وتدمّر الأرواح وسبل العيش. أصبحت المياه نادرة والإمدادات الغذائيّة غير آمنة، الأمر الّذي يسبّب النّزاعات ونزوح ملايين الأشخاص. لقد رأينا ذلك في الأماكن الّتي يعتمد فيها الأشخاص على أملاك زراعيّة صغيرة. ونراه اليوم في البلدان الصّناعيّة حيث لا تستطيع البنى التّحتيّة المتطوّرة حتّى أن تمنع دمارًا خارجًا عن المألوف. غدًا قد يكون أسوأ. وسيواجه أطفال ومراهقو اليوم عواقب وخيمة ما لم نتحمّل المسؤوليّة الآن، بصفتنا "رفاق عمل مع الله"، لكي نحافظ على عالمنا. غالبًا ما نسمع عن شباب يدركون أنّ مستقبلهم في خطر. ولذلك علينا من أجلهم، أن نختار أن نأكل ونسافر وننفق ونستثمر ونعيش بشكل مختلف، مفكِّرين ليس فقط في الفوائد والمكاسب الفوريّة وإنّما أيضًا في الفوائد المستقبليّة. لنندم عن خطايا جيلنا. ولنقف إلى جنب إخوتنا وأخواتنا الصّغار في جميع أنحاء العالم في صلاة ملتزمة وعمل متفانٍ من أجل مستقبل يتوافق أكثر من أيّ وقت مضى مع وعود الله.

خلال فترة الوباء، تعلّمنا كم نحن ضعفاء. تآكلت أنظمتنا الاجتماعيّة، ووجدنا أنّنا لا نستطيع السّيطرة على كلّ شيء. وبالتّالي علينا أن نعترف بأنّ الطّرق الّتي نستخدم بها المال وننظّم بها مجتمعاتنا لم تفِد الجميع. نجد أنفسنا ضعفاء وقلقين، غارقين في سلسلة من الأزمات الصّحّيّة والبيئيّة والغذائيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وكلّها مترابطة بشكل وثيق. تقدّم لنا هذه الأزمات خيارًا. نحن في وضع فريد إمّا لمواجهتها بقصر النّظر والرّبح أو باغتنام ذلك كفرصة للارتداد والتّحوّل. إذا فكّرنا في البشريّة كعائلة وعملنا معًا من أجل مستقبل يقوم على الخير العامّ، فسنجد أنّنا نعيش في عالم مختلف تمامًا. معًا يمكننا أن نتشارك رؤية حياة يزدهر فيها الجميع. معًا يمكننا أن نختار أن نتصرّف بمحبّة وعدالة ورحمة. معًا يمكننا أن نسير نحو مجتمع أكثر إنصافًا يضع في المحور الأشخاص الأكثر ضعفًا. لكن هذا الأمر يتضمّن إجراء تغييرات. على كلّ واحد منّا، كلٌّ بمفرده، أن يتحمّل مسؤوليّة الطّرق الّتي نستخدم بها مواردنا. هذا المسار يتطلّب تعاونًا أوثق بين جميع الكنائس في التزامها بالعناية بالخليقة. معًا، كجماعات وكنائس ومدن وأمم، علينا أن نغيِّر المسار ونكتشف طرقًا جديدة لكي نعمل معًا من أجل كسر الحواجز التّقليديّة بين الشّعوب، ووقف التّنافس على الموارد والبدء في التّعاون. وبالتّالي للّذين لديهم مسؤوليّات بعيدة المدى- رئاسة إدارات أو إدارة شركات أو توظيف الأشخاص أو استثمار الأموال- نقول: اختاروا الأرباح الّتي تركّز على الأشخاص؛ قوموا بتضحيات قصيرة الأجل من أجل حماية مستقبلنا؛ كونوا قادة في التّحوّل إلى اقتصادات عادلة ومستدامة، لأنّه "مَن أُعطِيَ كثيرًا يُطلَبُ مِنهُ الكَثير.

هذه هي المرّة الأولى الّتي نشعر فيها نحن الثّلاثة أنّنا مضطرّون للتّعامل معًا مع الضّرورة الملحّة للاستدامة البيئيّة، وتأثيرها على الفقر المستمرّ، وأهمّيّة التّعاون العالميّ. معًا، نيابة عن جماعاتنا، نناشد قلوب وعقول جميع المسيحيّين وجميع المؤمنين وجميع الأشخاص ذوي الإرادة الصّالحة. نصلّي من أجل قادتنا الّذين سيجتمعون في غلاسكو ليقرّروا مستقبل كوكبنا وشعبه. مرّة أخرى، نتذكّر الكتاب المقدّس: "اخْتَرِ الحَيَاةَ لِكَي تَحيَا أَنتَ وَنَسْلُكَ". إنَّ اختيار الحياة يعني القيام بتضحيات وعيش ضبط النّفس. يمكننا جميعًا- أينما كنّا- أن نلعب دورًا في تغيير استجابتنا الجماعيّة للتّهديد غير المسبوق المتمثّل في تغيّر المناخ والتّدهور البيئيّ. إنّ العناية بخليقة الله هي مهمّة روحيّة تتطلّب جواب التزام. إنّها لحظة حرجة. ومستقبل أطفالنا ومستقبل بيتنا المشترك يعتمدان عليها."