رسالة عامّة للبطريرك برتلماوس في عيد آباء المجمع المسكونيّ الأوّل
وفي هذه الرّسالة جاء بحسب ما نشر "فاتيكان نيوز": "إرث مشترك لكلّ العالم المسيحيّ، يدعو إلى "العودة إلى الينابيع، أيّ إلى الأحكام القانونيّة الأصليّة للكنيسة غير المنقسمة". وهو أيضًا "تعبير عن الطّبيعة السّينودسيّة للكنيسة، وذروة "مجمعيّتها الأولى" المرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتّحقّق الإفخارستيّ للحياة الكنسيّة، وكذلك بالممارسة المتمثّلة في الاجتماع معًا لاتّخاذ قرارات "باتّفاق مشترك" بشأن القضايا الجارية". وهو، بطبيعة الحال، "محطّة أساسيّة في تكوين الهويّة العقائديّة"، لأنّها قدّمت "شهادة روحيّة للإيمان الحقيقيّ بالكلمة الإلهيّ، الأزليّ، والمساوي للآب في الجوهر". كلّ هذا وأكثر كان وما يزال يمثّله المجمع المسكونيّ الأوّل في نيقية، الّذي كرّس له بطريرك القسطنطينيّة برتلماوس- بمناسبة عيد القدّيسين الآباء لذلك المجمع (الّذي تحتفل به الكنيسة الأرثوذكسيّة يوم الأحد ١ حزيران)- رسالة عامّة سلّط فيها الضّوء على أهمّيّة تمجيد ذكرى مرور ١٧٠٠ سنة على انعقاده.
إزاء الهرطقة الآريوسيّة، صاغت الكنيسة في نيقية "جوهر إيمانها الّذي يُعاش بدون انقطاع". ويذكّر برتلماوس بجوهر هذا الإيمان: "الابن وكلمة الله الأزليّ، "المساوي للآب في الجوهر [...] إله حقّ من إله حقّ"، يخلّص البشريّة من عبوديّة العدوّ من خلال تجسّده، ويفتح لنا طريق التألّه بالنّعمة". إنّ قانون الإيمان النّيقاويّ يعلن عن "الاقتناع الرّاسخ بأنّ الانحراف الهرطوقيّ الجاري يشكّل إنكارًا لإمكانيّة الخلاص البشريّ". إنّه اعتراف إيمان. وكان يقين الآباء أنّه "لم يُضف شيئًا إلى إيمان الرّسل، وأنّ قانون نيقية المسكونيّ حقًّا يتضمّن إعلانًا لتقليد الكنيسة الكاثوليكيّة المشترَك". وقد استخدم آباء المجمع مصطلح "الجوهر" الفلسفيّ (جوهر واحد) للتّعبير عن الإيمان بألوهيّة الكلمة الّتي أنكرها آريوس.
غير أنّ هناك مسألة أخرى ذات أهمّيّة حيويّة دعا المجمع سنة ٣٢٥ لحلّها من أجل "تعزيز الوحدة الكنسيّة في الممارسة اللّيتورجيّة"، وهي مسألة الاحتفال بعيد الفصح المجيد. وهي مسألة عزيزة على قلب البطريرك المسكونيّ، إذ أعادها الاحتفال ذكرى مرور ١٧٠٠ سنة على انعقاد مجمع نيقية إلى الواجهة: فالكنيسة تصلّي لكي يعود المسيحيّون في جميع أنحاء العالم، وفقًا لقرارات نيقية، للاحتفال بقيامة الرّبّ في يوم واحد. إنّ اتّخاذ مثل هذا القرار- يكتب برتلماوس- "سيشكّل دليلًا ورمزًا لتقدّم حقيقيّ في النّضال من أجل التّعايش المسكونيّ والتّفاهم المتبادل من خلال الحوار اللّاهوتيّ و"حوار الحياة"، كشهادة ملموسة على الاحترام العمليّ لما ورثناه من الكنيسة غير المنقسمة". وهو هدف مشترك بينه وبين البابا فرنسيس الّذي سلَّطت "وفاته، الّتي حدثت مباشرة بعد أن احتفلت المسيحيّة جمعاء بعيد الفصح" الضّوء "على مسؤوليّتنا في المضيّ قدمًا في هذا الاتّجاه بدون تردّد".
ويتابع بطريرك القسطنطينيّة برتلماوس قائلًا إن ذكرى مرور ١٧٠٠ سنة على انعقاد مجمع نيقية "تذكّر المسيحيّة بتقاليد الكنيسة القديمة، وبقيمة النّضال المشترك ضدّ التّصوّرات الخاطئة للإيمان المسيحيّ، وبالرّسالة الموكلة إلى المؤمنين في الإسهام في تكثير "الثّمار الصّالحة" للحياة في المسيح، بحسب المسيح، وموجّهة نحو المسيح في العالم". إنّها رسالة مستمرّة وآنيّة، ويجب أن تُستخلص منها "الأبعاد الخلاصيّة والانعاكاسات الأنثروبولوجيّة لمصطلح "هوموأوسيوس" (أيّ "المساوي في الجوهر")، والعلاقة الّتي لا تنفصم بين الكريستولوجيا والأنثروبولوجيا في زمن يتّسم بالارتباك الأنثروبولوجيّ وبجهود مكثّفة لتسليط الضّوء على مفهوم "ما بعد الإنسان" كأفق مفتوح ونظرة مؤلِّهة لتطوّر الإنسان، بدعم من العلم والتّكنولوجيا". وإزاء الطّريق المسدود في الرّؤية المعاصرة لـ"الإنسان-الإله"، يطرح برتلماوس مبدأ "الواقع الإلهيّ- الإنسانيّ". والإشارة إلى "روح نيقية" تمثّل "دعوة للعودة إلى الجوانب الأساسيّة لإيماننا، الّذي يتمحور حول خلاص البشريّة في المسيح".
ويرى البطريرك المسكونيّ أنّه على اللّاهوت أن "يكشف البعد الخلاصيّ للعقيدة وتفسيرها بأبعاد وجوديّة، تتطلّب إلى جانب المشاركة في الحدث الكنسيّ، حساسيّة واهتمامًا صادقًا بالكائن البشريّ ومغامرة حرّيّته". ومن هذا المنطلق، يجب أن يرافق إعلان الإيمان بالكلمة الإلهيّ المتجسّد، جواب ملموس على كلمته الخلاصيّة: "وصيّتي هي: أحبُّوا بعضكم بعضًا كما أحببتُكم"."