الأراضي المقدّسة
21 كانون الأول 2015, 14:56

رسالة الميلاد 2015 الأب بييرباتيستا بيتسابالا حارس الأرض المقدسة

إننا نعيش أزمنة صعبة تتعاقب عليها المآسي ويسودها العنف الذي يملاْنا خوفا وجزعا. فوصف نهاية الأزمنة كما ورد في ليتورجية فترة ما قبل زمن المجيء، يبدو وكأنه صدى لأخبار زماننا الحاضر، الذي جعل من الصعب علينا أن ننتظر الميلاد بفرح، وعيد، وحياة. يبدو وكأن الخوف يسيطر على سلوكياتنا، وحتى على أبسط أعمالنا اليومية. لدينا خوف من الآخر، وكأننا فقدنا الجرأة على تصديقه. ولأننا لم نعد نَثِق بأحد، أصبحنا نتعرّض لتجربة الإنغلاق على ذواتنا في دوائرنا الصغيرة. إننا نخاف من المسلم، ومن اليهودي، ومن الشرقي أو الغربي، حيثما وجدنا. أصبح "الآخر" عدوا لنا وأصبح لدينا اعتقاد بأنّ "الآخر" ضدّنا، وأنه يهددنا ويسلب منا الرجاء بعالم آمن، ومستقبلٍ أفضل.

في سوريا، كما في العراقِ والأرضِ المقدسة، وفي الشرقِ كما في الغرب، يبدو أن قوة العنفِ هي السبيل الوحيد الذي يمكنه مواجهة العنف الذي يتسلط علينا. 

إن انتظار الميلاد، في مثل هذه الظروف، يستجوب إيماننا ويُظهر الحاجة إلى رجاء أكبر. هذه هي المشاعر التي رافقت كل مَن شاركَ في احتفالِ إضاءةِ شجرة الميلاد وتكريس المغارة في بيت لحم. ففي أثناء الاحتفال سمعنا صوتَ صفارات الإنذارٍ، وتلك إشارة على المواجهات والصدامات الدائرة. وقتها شعرنا بعدم الانسجام مع الوضع القائم، وتخيلنا أننا خارج دائرة الزمن والتاريخ.

يقول لنا الإنجيل إنّ ملءَ الزمان قد تمّ في وقت صعب، عندما أخذ يوحنا في البَريَّةِ يدعو الناس ليُعِدّوا طريق الربّ، مُعلناً معمودية التوبة. ولعل أجواءَ الفرح والأضواء والألوان من الأمور المهمّة للاحتفال بعيد الميلاد، وهي أجواء تقودنا إلى التفكير بمزيد من الصدق بالمعنى الأصيل لهذا العيد: اللهُ هو الذي يدخل زماننا وتاريخنا اليوم. 
يقول لنا الميلاد بأنَّ اللهَ يحب الحياة، بل هو الحياة بذاتها. هذه الحقيقة هي الحافز الحاسم والخيّر لبقائتا على هذه الأرض. وقد حان الوقت لنبحث عن حوافز أصيلة، ومبررات للاستمرار في الحياة وعيش الأمل، مبرارات وحوافز تبقى وتصمد، ولا تتاثر بذبذبات مرحلة قلقنا وفرحنا، وتكون هي المقياس الصحيح، ويكون لها أفق حقيقي. هذا هو زمن البحث عن الأسئلة، والأجوبة، والتوجهات لنجد "المشرق" من جديد. 

الميلاد يدعوننا إلى هذا "المَشرق"، الذي هو المسيح الإنسان والإله. 

يقول لنا الميلاد بأن حياتنا هي زمن مجيء. فنحن نسير نحو مستقبلٍ قد يكون مأساويّاً ومُرهِقاً، لكننا - بالتاكيد- سنلتقي بالمسيح. يقول لنا الميلاد بأن المستقبل الذي نقلق بشأنه كثيراً يبدأ الآن وقد بدأ قبلا : يسوع وُلِدَ، ومات، وقام. 

نحن لا نسير نحو العدم والمجهول، والظلمة، نحن نسير نحو أمرٍ قد تمّ فعلا ولا يزالُ باقياً ويتحقَّقُ في كل لحظة، ونحن لا قدرة لنا على تدميره حتى ولو أردنا ذلك. 
نحن نسير نحو لقاء.
ويصبح هذا الوقت العصيب جيدا إذا أعاد لنا إدراكُنا بأنه الساعةُ المُؤاتية لهذا اللقاء، وإذا جعلنا نشعر بالحاجة إلى شيء ما يتجاوز ذواتنا، وجعلنا أكثر إنتباهاً إلى من هم بجانبنا، لأن المستقبلَ الذي نسيرُ نحوَهُ يمكن أن يكون فقط تَتِمَّة لكل علاقة نعتني بها الآنَ وهنا، بالرغم من الظروف المأساوية التي نعيشها.

تمنياتنا بهذه السنة انً نسيرَ بثقة على هذا الدرب المفتوح في بَرِّيَّةِ حياتنا، ونحو ذلك المستقبل الخيّر الذي له "وجه وحيد"، وهو وجه الآب الرحيم الذي ينتظرنا اليوم وكل يوم بوفاء وإخلاص. 
عيد ميلاد سعيد!


المصدر : المركز المسيحي للإعلام