مصر
09 كانون الثاني 2023, 13:30

رسالة الميلاد للبابا تواضروس الثّاني

تيلي لوميار/ نورسات
لمناسبة احتفال الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة بعيد الميلاد المجيد، وجّه بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني رسالة ميلاديّة جاء في نصّها نقلاً عن موقع "الأقباط اليوم":

"أهنّئكم جميعًا بعيد الميلاد المجيد وبداية عام جديد 2023، وأودّ أن أرسل كلّ التّهنئة من أرض مصر إلى كلّ الأبرشيّات والكنائس القبطيّة الموجودة في كلّ المسكونة: في أفريقيا وآسيا وأوروبا وأستراليا وأميركا الشّماليّة وأميركا الجنوبيّة. أودّ أن أهنّئكم جميعًا باسم المجمع المقدّس للكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة وباسم كلّ الأقباط الّذين في مصر. نهنّئ الجميع بعيد الميلاد المجيد بحسب التّقويم الشّرقيّ، وبحسب السّنة القبطيّة؛ سنة الشّهداء والّذي نحتفل به يوم 29 كيهك من كلّ عام.

في عيد الميلاد نتقابل مع مواقف كثيرة، ولكن من أشهر المواقف الموجودة في هذا العيد أنّنا ننادي بحسب النّبوّة أنّ بيت لحم ليست الصّغرى في يهوذا (ميخا 5: 2). بيت لحم قرية صغيرة مغمورة غير معروفة بالمرّة، ولكنّها صارت أشهر قرية في العالم، وصارت تفتخر بميلاد السّيّد المسيح على أرضها وفي هذا المزود الصّغير. وكلمة "الصّغرى" تلفت نظرنا إلى الأشياء الصّغيرة في قصّة الميلاد.

أوّلاً: أنّنا نتقابل مع النّجم، والنّجم كما نعلم أنّه في السّماء يبدو صغيرًا جدًّا بحسب رؤيتنا على الأرض. ولكن نجم الميلاد كان له أكثر من صفة. إنّه يتحرّك ثمّ يتوقّف عندما يتوقّف المجوس للرّاحة في أثناء رحلتهم الطّويلة. كان النّجم مرشدًا وهاديًا للمجوس الّذين أتوا من بلاد المشرق لكي ما يقدموا هداياهم الذّهب واللّبان والمرّ. لكن ما يهمّنا في هذا الأمر وجود النّجم الّذي يرفع نظرنا إلى السّماء. إنّه يشير إلى الحياة السّماويّة. كأنّ قصّة الميلاد تبدو بهذا النّجم وهي ترسل رسالة نحو الّذين على الأرض أن تكون حياتهم سماويّة. والحياة السّماويّة حياة مضيئة، ونحتاجها على الأرض كثيرًا. فالأرض تمتلئ بالخطية والشّرّ والمفاسد الكثيرة. عندما يرتفع الإنسان إلى فوق محلّقًا كالنّجم يصير منيرًا. هذه هي الحياة السّماويّة. القدّيس يوحنّا ذهبيّ الفمّ له عبارة رائعة يقول: "أن تكون شمسًا أو قمرًا أو حتّى نجمًا، المهمّ أن تكون في السّماء." فالشّمس ترمز للإنسان المشهور جدًّا، والقمر للأقلّ شهرة، والنّجم للإنسان المغمور مثل نجم الميلاد أو مثل قرية بيت لحم. المهمّ أن يعيش الإنسان حياته في السّماء.

الأمر الثّاني: والّذي نراه في مواقف الميلاد ومشاهد الميلاد حسب التّقليد القديم هو شجرة الميلاد؛ شجرة الميلاد شجرة دائمة الخضرة تذكّرنا بالمزمور الأوّل الّذي نصلّيه كفاتحة للمزامير عندما نقول عن الإنسان الّذي يسير في طريق الله إنّه "يكون كالشّجرة المغروسة على مجاري المياه الّتي تعطي ثمرها في حينه وورقها لا يندثر وكلّ ما يصنعه ينجح" (مزمور 1: 3). الشّجرة ترسل لنا رسالة أن تكون حياتك مثمرة؛ حياتك طول العام مثمرة بالفضيلة ومثمرة بالسّيرة الحسنة، أو مثمرة بالعلاقات الطّيّبة نحو كلّ إنسان، وأيضًا شجرة الميلاد شجرة ثابتة في الأرض تعلّمنا الثّبات والنّموّ. كما أنّها دائمًا ترمز إلى السّماء فهي ترنو إلى السّماء من عام إلى عام، وعندما تنمو ترفع رقيّها وقلبها إلى السّماء.

الأمر الثّالث: في رسائل الميلاد العديدة نتقابل مع قرية بيت لحم. عندما ذهب القدّيس يوسف النّجّار مع أمّنا القدّيسة مريم ولم يجدا مكانًا في بيت لحم بسبب الإحصاء والتّعداد الّذي كان موجودًا في ذلك الوقت. نرى أنّ بيت لحم كلّها كانت مزدحمة، ليس فيها مكان، ولكن صاحب البيت أشار عليهما بوجود المزود. لم نكن نعلم أنّ المزود يمكن أن يكون مكانًا للضّيافة. فهو للحيوانات فقط، ولكن أشار عليهما بوجود المزود، وتجنّب أن يقول لهما: ليس عندي مكان. هنا ظهرت صورة الإنسان الخادم، أو الحياة الخادمة. الحياة الخادمة الّتي تخدم الآخرين يجب أن تتجنّب أن تقول: ليس عندي، أو لا يوجد، أو كلمة لا. هو أوجد هذا المزود، ونحن نطلق عليه مزود، ولكنّه حظيرة للحيوانات، للثّور وللحمار ولبعض الحيوانات الأخرى. وهذا المزود صار مكانًا دافئًا منيرًا لامعًا مشهورًا في العالم كلّه. وصارت هناك خدمة قدّمها صاحب البيت ولا نعرف اسمه، ولكنّه قدّمها بمحبّة وحلّ مشكلة. الخادم هو الّذي يستطيع أن يحلّ مشكلة ويتجنّب دائمًا أن يرفض طلبًا لخدمة الآخرين أو مساعدة الآخرين. ولذلك صارت بيت لحم ليست الصّغرى في يهوذا، إنّها صارت مشهورة في العالم كلّه.

هذه هي رسائل الميلاد، النّجم يرمز الى الحياة السّماويّة، والشّجرة ترمز إلى الحياة المثمرة، والمزود يرمز إلى الحياة الخادمة. هذه الرّسائل أودّ أن أقدّمها إلى الجميع في كلّ كنيسة وفي كلّ أبرشيّة، ولكلّ الآباء الأساقفة والآباء المطارنة والآباء الكهنة ومجالس الكنائس والشّمامسة، ولكلّ الشّعب ومنهم الشّباب والأطفال في كلّ كنيسة وفي كلّ مكان يتواجد فيه الأقباط وهم يحتفلون بعيد الميلاد في هذا اليوم. تحيّاتي ومحبّتي لكم جميعًا من أرض مصر، من أرض القدّيس مار مرقس كاروز بلادنا العزيزة. أهنّئكم جميعًا وأرجو لكم كلّ خير في العام الجديد".