الأراضي المقدّسة
24 كانون الأول 2019, 10:30

رسالة الميلاد لرئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا

تيلي لوميار/ نورسات
وجّه المدبّر الرّسولي للبطريركيّة اللّاتينيّة رئيس الأساقفة بييرباتيستا بيتسابالا رسالة الميلاد لهذا العام، جاء فيها نقلاً عن موقع البطريركيّة:

""فَلَمَّا انصَرَفَ الملائِكَةُ عَنهُم إلى السَّماء، قالَ الرُّعاةُ بَعضُهُم لِبَعض: هَلُمَّ بِنا إلى بَيتَ لَحم، فَنَرَى ما حَدَثَ، ذاكَ الّذي أَخبَرَنا بِه الرّبّ. وجاؤوا مُسرعين، فوَجَدوا مريمَ ويوسُفَ والطِّفلَ مُضجعًا في المِذوَد” (لوقا 2: 15–16).

أناجيل عيد الميلاد، مثل أناجيل عيد الفصح، مليئة بالحركة. ولادة يسوع ومجيئه بيننا، في الواقع أثارت سلسلة من التّحرّكات المتوالية: مريم ويوسف، ثمّ الملائكة فالرّعاة فالمجوس… كلّهم يتحرّكون وينتقلون من مكان إلى آخر. كلّ ذلك بسبب ولادة، عاديّة على ما يبدو، لطفل في بيت لحم في ذلك الوقت.

كان على الرّعاة أن يتحرّكوا، لكي يعرفوا ما أعلنه الرّبّ لهم من خلال الملائكة. قالوا: "لِنَذهَب إلى بَيتَ لَحم…". فقط هكذا، استطاعوا أن يروا وأن يعرفوا، أيّ أن يختبروا ما بشرّهم به الملائكة.

والدّعوة موجّهة إلينا اليوم أيضًا. لنذهب وننظر، فنعرف.

"وإلَيكُم هذِه العَلامة: سَتَجِدون طِفلًا مُقمَّطًا مُضْجَعًا في مِذوَد" (لوقا 2: 12)ونحن ماذا تقول لنا الإشارة إلى بيت لحم؟

ماذا تقول لنا علامة بيت لحم؟ لو وُجِّهَ هذا الطّلب إلى جماعتنا الكنسيّة اليوم، بماذا وكيف يجب أن نجيب؟

ماذا عرفنا ورأينا في هذه السّنة الّتي تنتهي وماذا ننتظر من السّنة المقبلة؟

إن كنّا نبحث عن الأمل في قضايانا البشريّة الصّغيرة فقط، لوجدنا أنّنا أنجزنا الشّيء القليل. وإذا أردنا أن نلتمس الأمل فقط في إطار شؤوننا الإنسانيّة الصّغيرة، لوجدنا الفسحة ضيّقة ولم يبق لنا الشّيء الكثير لنعمله.

ننظر إلى هشاشة الحياة السّياسيّة، الّتي نراها تزداد بعدًا عن الحياة الواقعيّة للنّاس، والظّاهر أنّها أعجز من أن تواجه بصورة منتظمة القضايا الهائلة الاجتماعيّة والاقتصاديّة في منطقتنا. في هذا السّياق، من الصّعب تقديم أيّة آفاق فيها أمل للصّراع الإسرائيليّ الفلسطينيّ الّذي يثقل حياة أغلبيّة مؤمنينا. نرى عددًا من الحلول تطاير فوق رؤوسنا ولكنّنا لا نرى قطّ أيّ حلّ يرسو ويتحقّق في الواقع.

وصول أعداد متزايدة من الحجّاج من أنحاء العالم يحمل ابتسامة لعائلات كثيرة تستطيع أن تجد بمجيئهم عملًا وطمأنينة. ما عدا هذا، ففي معظم مناطق أبرشيّتنا يبقى العمل المشكلة الرّئيسيّة للكثيرين من عائلاتنا. كما نشهد أيضًا تردّي الظّروف المعيشيّة للكثير من العمّال الأجانب والوافدين. فكرة الهجرة أصبحت تجربة ملازمة للكثيرين منّا. ويمكن إن استمرّ طويلًا مع هذه اللّائحة من الصّعوبات. باختصار، يبدو أنّ كلّ شيء يقول لنا إنّ الحديث عن الأمل هو خطاب نظريّ، وابتعاد عن الواقع الحقيقيّ في أرضنا.

لكن، لنتذكّر أنّ زمن يسوع لم يكن أفضل من زمننا. كان هناك الاحتلال الرّومانيّ، كان هناك هيرودس، كانت هناك مراكز سلطة مختلفة… بالإيجاز يبدو أنّ الإنسان لم يتبدّل كثيرًا اليوم بالنّسبة إلى ذلك الزّمن.

ومع ذلك نقول: الويل لنا إن استسلمنا. ليست هذه رسالة ميلاد يسوع المسيح. ولد يسوع المسيح ولم يَمْحُ أيّ مأساة سياسيّة أو اجتماعيّة أو اقتصاديّة في زمنه. لم يأت يسوع لإحداث ثورة في البُنى الاجتماعيّة في عصره. لم يرد أن يستولي على السّلطة، بل على قلب الإنسان. هكذا غيَّر العالم.

يذهب فكري وشكري إلى الكثيرين من الرّجال والنّساء الّذين يضحون اليوم أيضًا بحياتهم وبقلبهم مجّانًا، بحبّ وصمت ومن دون ضجيج.

إلى الوالدين الّذين، على الرّغم من العديد من الصّعوبات، كان لديهم الشّجاعة للنّظر إلى المستقبل وإعطاء الأمل لأطفالهم. إلى العديد من العمّال والمتطوّعين الّذين يبذلون أنفسهم في المستشفيات، وفي دور المسنّين، وفي دور المعوَّقين. إلى شبابنا الّذين لا يستسلمون بل يحلمون بمستقبل أفضل. إلى كلّ الّذين يعملون من أجل العدالة وكرامة جميع النّاس. إلى كهنتنا، إلى الرّهبان والرّاهبات، الّذين، على الرّغم من الوحدة وسوء التّفاهم في بعض الأحيان، لا يزالون يقدّمون حياتهم لمجتمعاتهم. لأولئك الّذين، باختصار، فهموا أنّ كونهم مسيحيّين يعني إعطاء الحياة، والمحبّة مجّانًا، دون انتظار أيّ شيء لأنفسهم، لأنّ لديهم بالفعل كلّ شيء. إنّهم أناس لديهم أمل كبير في قلوبهم، ورغبة صادقة وعميقة تحملهم خارجًا بعيدًا عن أنفسهم ليكونوا متنبّهين للآخرين. بمثل هذا الأمل فقط، الّذي يضعه الرّوح القدس فينا سنتمكّن من تغيير العالم.

بعد زيارة معظم الرّعايا والجماعات الرّهبانيّة، يجب أن أقول إنّه حتّى اليوم وعلى الرّغم من كلّ حدودنا، ما زال هناك أناس يبذلون ويحبّون. هذا لا يزال يحدث. بين تناقضاتنا العديدة، في الواقع، التقيت في كلّ مكان أناسًا سعداء، كرّسوا أنفسهم بثبات لخدمة أسرهم وجماعاتهم وواقع حياتهم.

إنّهم أمل كنيستنا. بهم وفيهم نحتفل بالميلاد الحقيقيّ.

نرجو أن يستمرّ مثالهم وحياتهم في تغيير قلوب الكثيرين. أنا متأكّد من أنّه فقط بهذه الطّريقة يمكننا أن نجعل هذه الأرض المقدّسة المعذّبة، يمكننا أن نجعلها سعيدة.

عيد ميلاد مجيد وسنة جديدة مباركة!".