رسالة البابا فرنسيس للأكاديميّات الحبريّة للآداب الجميلة والفنون، ومضمونها؟
وكتب في هذا السّياق، بحسب "فاتيكان نيوز": "لقد استضافت الجلسة العامّة الحاليّة الأكاديميّة الحبريّة للآداب الجميلة والفنون، وهي أقدم المؤسّسات الممثّلة في المجلس. وقد التمس الرّئيس، البروفيسور بيو بالدي، والأكاديميّون، في هذه النّسخة من الجائزة، مقترحات الّذين يهتمّون بالهندسة المعماريّة المقدّسة، وبالتّالي بالتّخطيط والإعداد والتّكيُّف اللّيتورجيّ وترميم وإعادة استخدام الفسحات المخصّصة للعبادة مع الأخذ بعين الاعتبار المُتطلِّبات الجديدة واللّغة المعماريّة المعاصرة.
إنَّ الموضوع مهمّ للغاية وآنيّ، إذ أنّه لا يزال حيًّا على الدّوام، وغالبًا ما يكون حيويًّا أيضًا، النّقاش حول مقترحات تجديد الهندسة المعماريّة المقدّسة الّتي لديها المهمّة الشّاقّة في خلق، لاسيّما في الأحياء الجديدة، سواء في ضواحي المدن أو في مراكز حضريّة صغيرة، فُسحات مناسبة يمكن للجماعة المسيحيّة أن تحتفل فيها باللّيتورجية بحسب تعاليم المجمع الفاتيكانيّ الثّاني. نحن نعلم جيّدًا مدى أهمّيّة البيئة الاحتفالية في تعزيز الصّلاة وحسِّ الشّركة: إنَّ المكان، والنّور، والصّوتيّات، والألوان، والصّور، والرّموز، والتّجهيزات والأدوات اللّيتورجيّة جميع هذه الأمور تشكّل العناصر الأساسيّة لذلك الواقع ولذلك الحدث، البشريّ والإلهيّ في الوقت عينه، والّذي هو اللّيتورجيا.
لهذا السّبب، أريد أن أشير إلى الرّسالة الرّسوليّة الأخيرة "Desiderio desideravi"، المكرّسة تحديدًا للتّنشئة اللّيتورجيّة لشعب الله، من أجل تسليط الضّوء على جانبين يمكنهما أن ينطبقا أيضًا على المشاكل المعماريّة والفنّيّة. في المقام الأوّل، من الضّروريّ أن نستعيد اللّغة الرّمزيّة ونكون قادرين على فهمها. إنَّ فقدان القدرة على فهم القيمة الرّمزيّة للجسد ولكلّ مخلوق يجعل اللّغة الرّمزيّة للّيتورجيا بعيدة تقريبًا عن متناول الإنسان المعاصر. ومع ذلك، لا يتعلّق الأمر بالتّخلّي عن هذه اللّغة: لا يمكننا أن نتخلّى عنها لأنّها اللّغة الّتي اختارها الثّالوث الأقدس لكي يبلغنا في جسد الكلمة. وإنّما يتعلّق الأمر باستعادة القدرة على وضع وفهم رموز اللّيتورجيا.
جانب أساسيّ آخر هو جانب إلهام الإبداع الفنّيّ والمعماريّ، والّذي ينبع في الرّؤية المسيحيّة تحديدًا من الحياة اللّيتورجيّة، ومن عمل الرّوح وليس فقط من الذّاتيّة البشريّة: لذلك "من الضّروريّ– تتابع الرّسالة الرّسوليّة– أن نعرف "كيف يعمل الرّوح القدس في كلّ احتفال: يجب على فنّ الاحتفال أن يكون منسجمًا مع عمل الرّوح. بهذه الطّريقة فقط سيكون خاليًا من الذّاتيّة [...] وفخامات الثّقافات [...]. إنَّ التّقنيّة تكفي للحرفيّ. أمّا بالنّسبة للفنّان، فبالإضافة إلى المعرفة التّقنيّة، هو يحتاج للإلهام، الّذي يكوِّن شكلاً إيجابيًّا للامتلاك: لأنَّ الفنّان، الحقيقيّ، لا يملك فنًّا، وإنّما الفنَّ قد تملّكه".
بقبول الاقتراحات الّتي صاغتها الأكاديميّات الحبريّة لجائزة هذه النّسخة، يسعدني أن أمنح، بالميداليّة الذّهبيّة للحبريّة، جائزة الأكاديميّات الحبريّة لإستوديو OPPS، من أجل إعادة التّرتيب والتّكييف اللّيتورجيّ لكابلة مؤسّسة القدّيسَين فرنسيس الأسيزيّ وكاثرين السّيانيّة في روما. ومن دواعي سروري كذلك أن أمنح الميداليّة الفضّيّة للحبريّة للمهندس فيديريكا فرينو، عن مشروع كنيسة القدّيس توما الجديدة في بونتيديرا.
أتمنّى لكلّ فرد منكم التزامًا مثمرًا في مجالات البحث والخدمة الخاصّة به، وإذ أوكلكم إلى الحماية الوالديّة لمريم العذراء، هيكل وتابوت العهد الجديد، أتّكل على صلواتكم، وأمنح لكم ولجميع الحاضرين فيض البركة الرّسوليّة".