الفاتيكان
13 كانون الأول 2024, 06:40

رسالة البابا بمناسبة اليوم العالميّ للسلام: "كلّنا مديونون لله"

تيلي لوميار/ نورسات
في رسالته بمناسبة اليوم العالميّ الثامن والخمسين للسلام الذي يحتفل به في 1 كانون الثاني/يناير، يتأمّل البابا فرنسيس في الموضوع الرئيس ليوبيل الرجاء المقبل ويكرّر نداءه الملح للإعفاء من الديون، مذكّرًا بأنّنا جميعًا "مديونون" لله ولبعضنا البعض، كتبت "فاتيكان نيوز".

 

ظلّ الرجاء موضوعًا ثابتًا في رسائل البابا فرنسيس كلّها في مناسبة اليوم العالميّ للسلام. وينطبق هذا بشكل كبير على رسالته بمناسبة اليوم العالميّ الثامن والخمسين للسلام، في اليوم الأوّل من كانون الثاني/يناير 2025، حيث تبدأ الكنيسة يوبيل الرجاء وسط مجموعة غير مسبوقة من التحدّيات التي تواجه العالم اليوم.

تتكرّس رسالة هذا العام لموضوع "اغفر لنا خطايانا: امنحنا سلامك"، ما يؤكّد المعنى العميق لتقليد اليوبيل الذي يذكّرنا بأنّنا جميعًا "مديونون" لله، الذي يغفر خطايانا برحمته ومحبّته اللامتناهية ويدعونا إلى مسامحة أولئك الذين يسيئون إلينا.

مشيرًا إلى أنّ اليوبيل في التقليد اليهوديّ كان عامًا خاصًّا للمغفرة الشاملة للخطايا والديون التي تحرّر المضطهَدين، يشير البابا إلى أنّ سنة النعمة الخاصّة هذه، في يومنا هذا، "هي حدث يلهمنا للسعي إلى إقامة عدالة الله المحرِّرة في عالمنا"، التي تشوبه المظالم والتحدّيات "المنهجيّة" التي أطلق عليها القدّيس يوحنّا بولس الثاني "هياكل الخطيئة".

يستشهد البابا بالمعاملة اللاإنسانية التي يتعرّض لها المهاجرون، والتدهور البيئيّ، و "الارتباك الناجم عن عمد بسبب المعلومات المضلِّلة، ورفض الانخراط في أي شكل من أشكال الحوار، والموارد الهائلة التي تنفق على صناعة الحرب".

كتب البابا: "يجب أن يشعر كلّ واحد منّا بطريقة ما بالمسؤوليّة عن الدمار الذي تعرّضت له الأرض، بيتنا المشترك، بدءًا من تلك الأفعال التي تغذّي الصراعات التي تنهش بعائلتنا البشريّة حاليًّا.  

ويقول إنّ هذه التحدّيات "المترابطة" لا تتطلّب "أعمالًا خيريّة متفرّقة" ولكن "تغييرات ثقافيّة وهيكليّة" "لكسر قيود الظلم وإعلان عدالة الله.

في إشارة إلى القدّيس باسيليوس القيصريّ، يذكّرنا البابا بأنّ ما ندّعي أنّه ملكنا هو، في الواقع، هبة من الله، ولذلك فإنّ موارد الأرض مخصّصة لصالح البشريّة جمعاء، "وليس فقط لقلّة محظوظة".

من خلال إغفال علاقتنا مع الله، يقول البابا، تمسي التفاعلات البشريّة ملوَّثة بمنطق الاستغلال والاضطهاد، "حيث تصنع القوّة الصواب".  

يعكس هذا ديناميكيّات النُخَب في زمن يسوع، التي ازدهرت على معاناة الفقراء وتجد صدى في عالم اليوم المعولَم، الذي يُديم المظالم كما يتّضح من أزمة الديون التي تحبس الدول الفقيرة في جنوب الكرة الأرضيّة في حلقة مفرغة من التبعيّة وعدم المساواة.

في الواقع، يلاحظ البابا، "بات الدين الخارجيّ وسيلة للسيطرة حيث تقوم بعض الحكومات والمؤسّسات الماليّة الخاصّة في البلدان الغنيّة باستغلال الموارد البشريّة والطبيعيّة للبلدان الفقيرة بلا ضمير ومن دون تمييز، لمجرّد تلبية متطلّبات أسواقها الخاصّة".

بالإضافة إلى ذلك، "تجد الشعوب المختلفة، المثقلة بالفعل بالديون الدوليّة، نفسها مضطرّة لتحمّل عبء "الدين البيئيّ" الذي تتسبّب به البلدان الأكثر تقدّمًا".

وبروح هذه السنة اليوبيليّة، يكرّر البابا فرنسيس مناشدته للمجتمع الدوليّ للعمل من أجل الإعفاء من الديون الخارجّية اعترافًا بالديون البيئية القائمة بين شمال هذا العالم وجنوبه. ويؤكّد أنّ "هذا نداء من أجل التضامن، ولكن قبل كلّ شيء من أجل العدالة".

كتب البابا: "سيحدث التغيير الثقافيّ والهيكليّ المطلوب عندما ندرك أخيرًا أنّنا جميعًا أبناء الآب الواحد وبناته، وأنّنا جميعًا مديونون له ولكنّنا أيضًا بحاجة إلى بعضنا البعض، بروح من المسؤوليّة المشترَكة والمتنوّعة".

كطريق للرجاء في خلال سنة اليوبيل، يقدّم البابا فرنسيس ثلاثة مقترحات، مع الأخذ في الاعتبار أنّنا "مديونون تمّ إعفاؤهم من ديونهم".

أوّلًا، يجدّد النداء الذي أطلقه القدّيس يوحنّا بولس الثاني بمناسبة اليوبيل الكبير لعام 2000 للنظر في تخفيضات كبيرة أو إلغاء كامل للديون الدوليّة للبلدان "التي لا تستطيع سداد المبلغ المستحقّ عليها"، أيضًا في ضوء الديون البيئية التي تدين بها البلدان الأكثر ازدهارً، لتلك البلدان.

ويقول إنّ هذا يجب أن يتمّ في "إطار ماليّ جديد"، يؤدّي إلى إنشاء ميثاق ماليّ عالميّ "قائم على التضامن والوئام بين الشعوب".

ثمّ يطلب البابا "التزامًا راسخًا باحترام كرامة الحياة البشريّة من الحمْل إلى الموت الطبيعيّ" ويدعو إلى إلغاء عقوبة الإعدام وتعزيز ثقافة الحياة التي تقدّر كلّ فرد.

على خطى القدّيس بولس السادس وبنديكتوس السادس عشر، يكرّر البابا فرنسيس نداءه لتحويل "نسبة ثابتة على الأقلّ من الأموال" المخصّصة للأسلحة نحو صندوق عالميّ للقضاء على الجوع وتعزيز التنمية المستدامة في الدول الفقيرة، ومساعدتها على مكافحة تغيّر المناخ.

"الرجاء يفيض في الكرم. إنّه خال من الحسابات، ولا يقدّم مطالب خفيّة، ولا يهتمّ بالربح، ولكنّه يهدف إلى شيء واحد فقط: إقامة أولئك الذين سقطوا، وشفاء القلوب المكسورة وتحريرنا من كلّ نوع من العبوديّة".

الهدف الشامل لهذه المقترحات هو تحقيق سلام حقيقيّ ودائم في العالم. هذا السلام ليس مجرّد غياب الحرب بل تحوّل عميق في القلوب والمجتمعات.

يقول البابا إنّ السلام الحقيقيّ يمنحه الله للقلوب التي تنتزع من ذاتها الأنانيّة والعداء والقلق على المستقبل، وتستبدلها بالسخاء والمغفرة والأمل في عالم أفضل: "لنبحث عن السلام الحقيقيّ الذي يمنحه الله للقلوب المنزوعة السلاح".

ويشير إلى أنّ الأعمال البسيطة من اللطف والتضامن يمكن أن تمهّد الطريق لهذا العالم الجديد، وتعزّز شعورًا أعمق بالأخوّة والإنسانيّة المشتركة.

في ختام رسالته، يقدّم البابا فرنسيس الصلاة التالية من أجل السلام:

يا ربّ، اغفر لنا خطايانا،

كما نغفر لمن خطئ إلينا.

امنحنا سلامك،

السلام الذي يمكنك وحدك أن تقدّمه

إلى أولئك الذين يسمحون لأنفسهم بنزع السلاح من قلوبهم،

إلى أولئك الذين يختارون أن يغفروا ديون إخوتهم وأخواتهم،

إلى أولئك الذين لا يخشون الاعتراف بدينهم لك،

إلى أولئك الذين لا يغلقون آذانهم على صرخة الفقراء.