رزق: العالم اليوم ينتظر رعاةً جددًا يحملون بشرى السّلام ويصنعونه
ثمّ تابع قائلًا بالمناسبة: "إخوتي الأحبّاء،
كلمتي اليوم ستبدأ من فرحة أوّل زوّار للمغارة الميلاديّة:
كان مساء عاديّ بالنّسبة لرعاة الحقول القريبة من مغارة بيت لحم. كانوا ساهرين، متيقّظين، حاضرين لقطيعهم ومستعدّين لأيّ خطر قد يواجههم. هذا كان عالمهم وعملهم. وكانوا يقومون به على أفضل وجه!
إنّ استعدادهم للخطر، وجهادهم بالعمل والسّهر، واندفاعهم لصدّ الذّئاب عن قطيعهم ولإبعاد الخطر عنهم، جعلهم حاضرين أيضًا لتلقّي البشرى السّارّة ولإدراك أنّها بشرى ثمينة وفريدة من نوعها: الرّبّ أمين في وعوده ولا شيء يمكنه بعد اليوم أن يمنع فرح الخلاص.
قال الملاك: لا تخافوا!
ولكن ممّا سيخاف هؤلاء الرّجال الشّجعان؟ الّذين لا يصدّهم البرد ولا يتعبهم السّهر، ولا تقلقهم مواجهة الذّئاب؟
قال الملاك لهم: لا تخافو! فنظروا إلى السّماء، هم الّذين اعتادوا النّظر إلى الأرض... ولأن الخوف هو أوّل باب يجب أن يفتح ليدخل الفرح. فما خافوا!
ثمّ قال الملاك "إنّ الفرح هو للشّعب كلّه"، فأدركوا أنّ عندهم رسالةً جديدةً هي تبشير الشّعب كلّه بهذا الخبر العظيم!
" ولد لكم ٱليوم مخلّص، هو ٱلمسيح الرّبّ، في مدينة داود".
وهل هناك بشرى أعظم من بشرى ولادة المخلّص؟
ها سماء اللّيل أضيئت بالخبر العظيم، وجنود السّماء ملأوا اللّيل ترنيمًا وتمجيدًا، فامتلأت قلوب الرّعاة فرحًا، وصدّقوا الخبر. والإيمان الحقيقيّ ينطلق، يسرع، يعلن بفرح، والفرح الّذي لا يشارك به، يموت. أمّا الفرح المعلن فيحيا وينتشر. جاؤوا مسرعين إلى المغارة، ليؤكّدوا كلام الملاك، ليشهدوا على هذه النّعمة، لينطلقوا من جديد: مهلّلين فرحين، مبشّرين بولادة راعي الرّعاة، ملك الملوك وسيّد السّادة!
لم يتعجّب الرّعاة من ولادة المسيح في مغارة، ولا أشفقوا على طفل المذود. كانت كلمة الله لهم كافيةً وضامنةً بأنّه المخلّص المنتظر! ولأنّ الملاك أخبرهم بأنّ الفرح هو للعالم أجمع، لم يحتفظوا بالخبر لأنفسهم، بل أخبروا بكلّ ما قيل لهم عن هذا الطّفل. هكذا، البشارة تبدأ في السّماع والإيمان والشّهادة. فنجد في الانطلاق نحو المغارة شوق وفرح، وفي العودة منها تمجيد وتسبيح!
ماذا عن ميلادنا اليوم؟ من منّا ينظر إلى السّماء ويسمع ترانيمها ويسرع إلى المذود؟ هل المغارة في بيتنا هي زينة نتباهى بها؟ أم هي صدر البيت وأساسه؟ أنأتي إليها، نتأمّل في سرّها ونسجد للملك المقمّط فيها؟ أم يغلب ضجيج الواقع أنغام السّماء وصفاء المغارة الّتي تحضن بكاء طفل رضيع انحدر من السّماء ليجعل من الأرض سماءً؟
إخوتي الأحبّاء، أنتم السّاهرون اليوم، لتستقبلوا الطّفل الإلهيّ، أنتم الرّعاة: الّذين يختارون الصّلاة، الّذين يركضون نحو المذود، ولكم أن تحملوا البشرى .
لا تعودوا من المغارة فارغين، بل احملوا سرّ المغارة الـمضاءة بنور يسوع. أريد أن أذكرّكم بمغارة لبنان. فعندما زار البابا لاون الرّابع عشر لبنان، لم ير فقط بلدًا مجروحًا، بل شعبًا مؤمنًا ينتظر بشرى سارّة. رأى شعبًا يعرف الألم، لكنّه لم يفقد الرّجاء. وقال لنا: إنّ اللّبنانيّين مدعوّون أن يكونوا صانعي سلام، بالثّبات، بالعيش المشترك، وبحفظ كرامة الإنسان.
اليوم، إذ نصلّي مع الكنيسة الجامعة ونهلّل لمجيء الرّبّ يسوع، نتأمّل بكلمات الحبر الأعظم، فتتجدّد في عيوننا صورة مغارة لبنان. ونحن كالرّعاة، مدعوّون أن لا نترك الحقل، بل أن نعود إليه وقد تغيّرنا، لأنّنا شهود الإيمان ومبشّري الرّجاء، تمامًا مثل رعاة الميلاد؛ فهم بعد أن رأوا وتأمّلوا وبشّروا، عادوا إلى الحقول مسبّحين الله، يشهدون أنّ النّور يغلب الظّلمة والظّلمة لا تقوى عليه.
فلنسرع إذن إلى المذود. لنر، ولنؤمن، ولنخبّر. فالعالم اليوم ينتظر رعاةً جددًا يحملون بشرى السّلام، ويصنعون السّلام. آمين.
أتمنّى لكم جميعًا ميلادًا مجيدًا، غنيًّا بالإيمان والانفتاح على حبّ الله، وعلى دورنا في صنع السّلام.
ولد المسيح، هلّلويا!".
