رؤية آباء الكنيسة الشّرقيّين في الفقر والفقراء
"إنّ مفهوم الذّهبيّ الفم عن المحبّة متّسع جدًّا يمتدّ من المساهمة المادّية إلى التّعزية والمعاونة الرّوحيّة (ألا يعتبر أيضًا عملًا من أعمال المحبّة للنّفس حينما يسعى إنسان إلى أن يحرّر إنسانًا من ضيقاته بعد أن كان مسحوقًا من الحزن، ومهدّدًا بخطر جسيم ومستعبدًا تحت نيران الشّهوة). لذلك بالنّسبة للذّهبيّ الفم الحلّ للمشاكل الاجتماعيّة لا يقوم على الثّورات إنّما بتطبيق الكلمة الإنجيليّة (مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا) أيّ النّسك واللّاملكيّة. إذًا الحلّ برأي الذّهبيّ هو ذو أسس اسخاتيلوجيّة يعتمد على المحبّة والنّسك وهكذا يفترق عن الحلول التي ظهرت في الحركات السّياسيّة والمعتمدة على أسس اقتصاديّة. وأيضًا برأي الذّهبيّ الفم المجتمع يجب أن يكون كعائلة مثل أولاد متساوين في عائلة واحدة، حيث الجميع يأكلون ويشربون وينعمون ليس ممّا لهم وليس ممّا للآخرين ولكن ممّا للجميع لأبيهم الواحد. هنا الذّهبيّ الفم لا يكرز بالاشتراكيّة ولكن يكرز بالأقنية لا يكرز بمجتمع لا طبقيّة فيه ولا تعدّي وإنّما بما هو أكثر بمجتمع اسخاتولوجيّ مرتبط ليس بالأنظمة وإنّما بالمحبّة. ومن هذا المنطلق يؤكّد القدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم على المحبّة بتعبيرها العضويّ أيّ الإحساس بالانتماء إلى الجماعة والمسؤوليّة المشتركة للأعضاء. لذلك فهو يعتبر أعمال المحبّة أمرًا لا يمكن الاستغناء عنه وهو أساسيّ في الحياة المسيحيّة. إذًا إنّ الغنى والفقر بفضل النّظرة الاسخاتولوجيّة للقدّيس يوحنّا الذّهبيّ الفم لا يصنّفان لا في الصّالحات ولا في السّيّئات وإنّما في مصاف الأمور الحياديّة وذلك لأنّ أسلوب استخدامها إنّما هو الذي يحدّد نتائجها الصّالحة أو السّئية لأنّه في النّظرة الاسخاتولوجيّة هو الوصول إلى الفضيلة والفلسفة بمعنى الحياة الرّوحيّة المسيحيّة. إذًا عندها الغنى يرتّب ويصنّف في الأمور الحياديّة لأنّ الخير النّاتج عنه أو الشّرّ ليسا من طبيعته لكن كما يقول: من الذين يستخدمونه يصير خيرًا أو شرًّا. الغنى يفيد فقط عندما يتواجد مع حياة الفضيلة. لهذا يشدّد ويكرّر الذّهبيّ الفم أنّ الغنى والمال والصّالحات الأرضيّة ليست شرًّا لأنّه على العكس يمكنها أن تساعد كثيرًا في الخير كما في حالات إبراهيم وأيّوب اللّذين استخدماها كأسلحة للفضيلة. لذلك المال في المحبّة هو مفيد جدًّا ويقود إلى الخير. أمّا الجشع فهو حالة أنانيّة واستخدام سيّئ للطّاقات والمواهب والهبات. هكذا النّظرة العميقة الاسخاتولوجيّة لهدف الغنى والفقر ترتبط مع هذا التّمييز الواضح بين الجشع وبين الغنى. وهذا التّمييز بفضل هذه النّظرة الاسخاتولوجيّة يعطي للغنى دوره الحقيقيّ ويوجّهه إلى مسعاه الصّحيح وهدفه الحقيقيّ ويضعه في مكانه المناسب حيث يغدو الغنى مفيدًا وهكذا نلاحظ دائمًا التّمييز بين الغنى الحقيقيّ الأبديّ وبين الغنى الظّاهريّ العالميّ المشكوك به."