الفاتيكان
11 شباط 2025, 08:50

"رأى وصعد وجلس" ثلاثة أفعال ركّز عليها البابا فرنسيس في قدّاس الأحد

تيلي لوميار/ نورسات
في قدّاس يوبيل القوّات المسلّحة والشّرطة والأمن الّذي ترأّسه صباح الأحد في ساحة بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان، ركّز البابا فرنسيس على ثلاثة أفعال قام بها يسوع في إنجيل لوقا: رأى وصعد وجلس، إذ أنّ "يسوع لم يهتمّ بأن يقدّم صورة لنفسه للجموع أو القيام بواجب أو اتِّباع جدول في رسالته، بل كان يضع دائمًا في المرتبة الأولى اللّقاء مع الآخرين، العلاقات، الاهتمام بالمشقّات والإخفاقات الّتي غالبًا ما تُثقل القلب وتنزع الرّجاء".

البداية كانت بالتّوقّف عند فعل "رأى"، فـ"يسوع كانت لديه نظرة منتبهة جعلته يرى وسط الجموع الكبيرة سفينتين راسيتين عند الشّاطئ، وجعلته يلمس خيبة الأمل على وجوه الصّيّادين خلال غسلهم الشّباك بعد ليلة لم تَسر بشكل جيّد. وهكذا يوجّه يسوع نظرته المفعمة بالشّفقة إلى أعين هؤلاء الأشخاص لامسًا إحباطهم بعد تعبهم طوال اللّيل بدون الإمساك بشيء وشعورهم بقلوبهم فارغة كما تلك الشّباك الّتي يمسكون بها". وذكّر البابا هنا بكون "الشّفقة واحدة من صفات ثلاث أساسيّة لله إلى جانب القرب والحنان".

وتابع البابا متطرّقًا إلى الفعال الثّاني "صعد"، فقال بحسب "فاتيكان نيوز": "وبعد أن رأى خيبة أملهم صعد يسوع إلى سفينة سمعان وسأله أن يبعد قليلًا عن البرّ، أيّ أنّه قد دخل حياة سمعان واتّخذ لنفسه مكانًا في الإخفاق الّذي كان يسكن قلب هذا الرّجل. يسوع لا يكتفي بمراقبة الأمور الّتي لا تسير بشكل جيّد أيّ أنّه لم يفعل مثلما نفعل نحن لينتهي بنا الأمر أسرى الشّكوى والمرارة. يسوع يبادر في المقابل، يتوجّه نحو سمعان ويقف معه في تلك اللّحظة الصّعبة ويقرّر الصّعود إلى سفينة حياته الّتي كانت عائدة في تلك اللّيلة بدون نجاح".

ثمّ توقّف عند الفعل الثّالث "جلس"، وقال: "وهذا هو الوضع المتكرّر للمعلّم في الإنجيل الّذي يقول لنا إنّه جلس يعلِّم الجموع من السّفينة. إنّ يسوع بعد أن رأى في أعين وقلوب هؤلاء الصّيّادين مرارة ليلة ملأها التّعب بدون إصابة شيء من السّمك، قد صعد إلى السّفينة ليعلِّم أيّ ليعلن النّبأ السّارّ، ليحمل النّور إلى ليلة خيبة الأمل هذه، ليسرد جمال الله وسط مشقّات الحياة البشريّة، ليجعل الجميع يشعرون بأنّه لا يزال هناك رجاء حتّى وإن بدا أنّ كلّ شيء قد ضاع. وهكذا تحدُث المعجزة، فحين يصعد الرّبّ إلى سفينتنا حاملًا لنا النّبأ السّارّ، نبأ محبّة الله الّتي ترافقنا وتعضدنا دائمًا، تبدأ الحياة مجدّدًا ويولد الرّجاء مرّة أخرى وتعود الحماسة الّتي فقدناها ويمكننا أن نرمي في البحر بالشّباك مجدّدًا".

وواصل الأب الأقدس أنّ "كلمة الرّجاء هذه ترافقنا اليوم بينما نحتفل بيوبيل القوّات المسلّحة والشّرطة والأمن"، مشدّدًا على مهمّتهم التّي "تشمل أبعادًا كثيرة في الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة"، فأشار إلى الدّفاع عن البلدان والعمل من أجل ضمان الأمن وحماية الشّرعيّة والعدالة والعمل في السّجون، هذا إلى جانب مكافحة الجريمة وأشكال العنف المختلفة الّتي تهدّد بضرب السّلام الاجتماعيّ، مذكّرًا بمن يقدّمون خدمتهم الهامّة في حالات الكوارث الطّبيعيّة وحماية الخليقة وإنقاذ الأشخاص في البحار ومَن يعملون لصالح الأشخاص الأكثر ضعفًا ولتعزيز السّلام.

وأضاف: "إنّ الرّبّ يطلب منكم أنتم أيضًا أن تفعلوا مثله، أيّ أن تروا وتصعدوا وتجلسوا. فعليكم أن تروا لأنّكم مدعوّون إلى التّحلّي بنظرة متنبّهة قادرة على لمس ما يهدّد الخير العامّ والمخاطر الّتي تحدق بحياة المواطنين والمخاطر البيئيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة الّتي نتعرّض إليها." 

وإلى الحضور توجّها متحدّثًا عن ضرورة الصّعود وذلك لأنّ "الالتزام الّذي تشكّلوا عليه والشّجاعة الّتي يتميّزون بها وأيضًا ما أدوا من قسم كلّها أشياء تُذكِّرهم بأهمّيّة لا فقط أن يروا الشّرّ بل أيضًا أن يصعدوا إلى السّفينة وسط الرّياح كي لا تغرق، وذلك في رسالة في خدمة الخير والحرّيّة والعدالة." وشدّد على أهمّيّة الجلوس "وذلك كي يصبح وجودهم في المدن والأحياء وانحيازهم للشّرعيّة والقرب ممّن هم أكثر ضعفًا تعليمًا لنا جميعًا، فهذا يُعَلّمنا أنّ الخير يمكنه أن ينتصر رغم كلّ شيء، وأنّ العدل والنّزاهة والشّغف المدنيّ لا تزال حتّى اليوم قيمًا ضروريّة، وأنّ بإمكاننا تأسيس عالم أكثر إنسانيّة وعدلًا وأخوّة رغم قوى الشّرّ المعارضة."

ثمّ أشار إلى أهمّيّة حضور المرشدين الكهنة الّذين يرافقونهم، فـ"هؤلاء المرشدين ليس واجبهم وكما كان في الماضي بشكل مثير للحزن أن يباركوا الأعمال الحربيّة، فهم بينكم كحضور للمسيح الّذي يريد أن يرافقكم ويقدّم لكم الإصغاء والقرب ويشجّعكم ويعضدكم في رسالتكم الّتي تواصلونها بشكل يوميّ. إنّ المرشدين كدعم معنويّ وروحيّ يسيرون على الطّريق معكم مساعدين إيّاكم على تأدية مهامكم في نور الإنجيل وفي خدمة الخير".

هذا وأبدى الأب الأقدس امتنانه لهذه العناصر على مخاطرتهم بشكل شخصيّ في بعض الأحيان، إذ "بصعودهم إلى سفننا الّتي تتعرّض إلى الخطر يوفّرون لنا الحماية ويشجّعوننا على مواصلة إبحارنا"، حاثًّا إيّأهم على عدم نسيان هدف خدمتهم: تعزيز الحياة وحمايتها والدّفاع عنها دائمًا."

وفي ختام، طلب البابا منهم "أن يتحلّوا باليقظة، أيّ أن يتنبهوا أمام تجربة إنماء روح حرب، وألّا ينخدعوا بما وصفها بأسطورة القوّة وضجيج السّلاح"، قائلًا: لتكونوا في المقابل شهودًا شجعانًا لمحبّة الله الآب الّذي يريد أن نكون جميعًا أخوة، وأن نسير معًا لبناء حقبة جديدة، حقبة سلام وعدل وأخوّة.

ودعا أخيرًا البابا فرنسيس الجميع إلى الصّلاة من أجل السّلام، وشدّد على ضرورة أن يصمت صوت السّلاح في كلّ مكان وأن يتمّ الإصغاء إلى صرخة الشّعوب المطالِبة بالسّلام.