الفاتيكان
25 تموز 2022, 11:50

دي دوناتيس: المسنّون هم من يعلّمون الأبناء والأحفاد الصّلاة وقرع باب الله

تيلي لوميار/ نورسات
أحيت بازيليك القدّيس بطرس في الفاتيكان، أمس الأحد، اليوم العالميّ الثّاني للأجداد والمسنّين، خلال قدّاس إلهيّ ترأّسه نائب البابا العامّ على أبرشيّة روما الكاردينال أنجيلو دي دوناتيس، الّذي وجّه فكره نحو البابا فرنسيس في بداية زيارته الرّسوليّة إلى كندا، لافتًا إلى أنّ الأب الأقدس "أراد الاحتفال بهذا اليوم للمسنّين كي يلمسوا مع عائلاتهم ومع الكنيسة مشاعر الجميع ودعمهم واثقين بأنّهم ما زالوا في المشيب يثمرون، وذلك في إشارة إلى موضوع هذا اليوم العالميّ الثّاني والمأخوذ من كلمات صاحب المزامير."

وفي عظته أضاء دي دوناتيس على ثمار الحكمة والإيمان والمحبّة، منطلقًا من القراءة من سفر التّكوين، فتحدّث بحسب "فاتيكان نيوز"، عن "جرأة وثقة إبراهيم الّذي تحدّث إلى الله، وهو في التّاسعة والتّسعين من العمر بعد أن علم بأنّه سيكون له ابن، حيث طلب من الله ألّا يدمّر سدوم وعمورة. إنّ إبراهيم يبدو وكأنّه صورة للكثير من مسنّي اليوم الّذين، ومع رؤيتهم ما يواجه العالم من مصاعب كبيرة، يواصلون الشّفاعة ويطلبون من الله السّلام والصّحّة والوفاق لا لأنفسهم، بل لأبنائهم وأحفادهم. إنّ إبراهيم يمنح صوتًا لرغبة الله والّتي ليست رغبة في التّدمير بل في الخلاص. إنّ ابراهيم كان يعلم أنّ الرّبّ مستعدّ للمغفرة بل وكان يرغب في ذلك، إلّا أنّ المدينتين كانتا سجينتَي شرّ كبير بدون حتّى القليلين الّذين يمكن من خلالهم تحويل الشّرّ إلى خير، إلّا أنّ إبراهيم ستكون لديه علامة، لوط ابن أخيه الّذي سينجو مع ابنتيه".

وبالمقابل، توقّف دوناتيس عند مسنّي اليوم الّذي وُلد الكثير منهم خلال الحرب العالميّة الثّانية أو بعدها مباشرة، مشيرًا إلى ما رأوه من شرّ كبير و"كان كافيًا لكثيرين من بينهم للتّطلّع إلى الخير والسّلام، وهم اليوم مثل إبراهيم". ووإليهم توجّه قائلاً إنّهم "يعرفون بحكم الخبرة أنّ الله لا يريد أبدًا تدمير العالم بينما الإنسان هو مع الأسف قادر على ذلك. إنّ رغبة المسنّين في الخير والسّلام تُذكِّرنا بقلب الله الّذي هو قلب أب وصديق... إنّ المسنّين هم مَن يعلِّمون الأبناء والأحفاد الصّلاة وقرع باب الله".

ثمّ أضاء نائب البابا على كلمات يسوع "إسألوا تعطوا، أطلبوا تجدوا، إقرعوا يُفتح لكم"، ولفهم هذه الكلمات، قال الكاردينال دي دوناتيس: "فللنظر إلى الأجداد، فمَن منّا لم يخرج من دار أجداده وقد أعطوه شيئًا ما حتّى دون أن يطلب، إنّهم يحبّوننا بمجّانيّة حتّى حين ننساهم. وهذا ما يفعل الله، فهو يعطينا دائمًا شيئًا ما حتّى وإن لم نطلب، إنّه يحبّنا حتّى أنّه بذل نفسه".  

وعن كلمات يسوع "مَن مِنكم يَكونُ لَه صَديقٌ فيَمْضي إِلَيه عِندَ نِصفِ اللَّيل، ويَقولُ له: يا أَخي، أَقرِضني ثَلاثَةَ أَرغِفَة، فقَد قَدِمَ عَلَيَّ صَديقٌ مِن سَفَر، ولَيسَ عِندي ما أُقَدِّمُ لَه، فيُجيبُ ذاك مِنَ الدَّاخلِ: لا تُزعِجْني، فالبابُ مُقفَلٌ وأَولادي معي في الفِراش، فلا يُمكِنُني أَن أَقومَ فأُعطِيَكَ. أَقولُ لَكم: وإِن لم يَقُمْ ويُعطِه لِكونِه صَديقَه، فإِنَّه يَنهَضُ لِلَجاجَتِه، ويُعطيهِ كُلَّ ما يَحتاجُ إِلَيه"، قال: "إنّ المسنّين كان عليهم السّير في ليل الحياة تقودهم بوصلة القلب. إنّهم علّمونا الصّلاة".

ولم تخلُ عظة المحتفل من رسالة إلى الشّباب، فقال: "إنّ الله ينتظر منهم أن يقرعوا بابه مرورًا أيضًا بباب الأجداد، وإنّ هذا الباب ليس بعيدًا، فهو باب البيت الّذي أنجبكم، اذهبوا لزيارة المسنّين الأكثر وحدة في بيوتهم أو في الدّور الّتي تستضيفهم"، وحثّهم بالتّالي على أن يقرعوا بإصرار أبواب المسنّين وأن يتذكّروا أنّ المسنّ يسير ببطء وربّما يتّكئ على عصا أو قد يكون عليه أن يرسل أحدًا ليفتح الباب، داعيًا إيّاهم إلى "التّحلّي بالإصرار، مثل الإصرار والإلحاح في الصّلاة، وذلك لا لأن الله لا يعلم ما نحتاج إليه، بل لأنّ الصّلاة، قرع الباب، تغذّي الرّغبة فتجعلنا ندرك ما هو مهمّ بالفعل".  

وأنهى دي دوناتيس عظته متوقّفًا عند صلاة الأبانا قائلاً: "إنّ أغلبنا قد تعلّمناها من أجدادنا، وذكر أنّنا في هذه الصّلاة لا نجد كلمة أنا بل فقط نحن وأنت. إنّ هذه الصّلاة حسب إنجيل القدّيس لوقا تعلِّمنا الكلمات الأساسيّة بالفعل، الخبز والمغفرة ومحاربة الشّرّ. إنّ الخبز كفاف اليوم يجعلنا بشكل يوميّ على وعي بأنّنا في حاجة إلى السّماء وإلى الآخرين. تأتي بعد ذلك المغفرة الضّروريّة للتّمكّن من العيش معًا والالتزام بأن نكون بالنّسبة للآخرين ما نريد أن يكون الله لنا. وأخيرًا تأتي محاربة الشّرّ، وذلك من أجل بناء عالم جدير بالإنسان، جدير بالله. إنّ هذه هي الأشياء ذاتها الّتي تعلّمناها من الأجداد، مشقّة وفرح كسب قوت اليوم، الحاجة الضّروريّة إلى جمال المغفرة، والدّعوة إلى عدم الشّجار أبدًا. إلّا أنّ هناك أمرًا آخر، رابع، ألا وهو الثّقة في أنّ لدينا أب، الله، آب يطلب منّا أن نسمّيه الصّديق. لم يكن بالإمكان تلقّي هبة أكبر من هذه، فنحن أجداد وأبناء وأحفاد، لكنّنا معًا أخوة يتوجّهون إلى الله منادين إيّاه أبانا."