لبنان
05 آب 2019, 11:15

درويش من تلّ شيحا في عيد التّجلّي: المؤمن مدعوّ أن يقوم بتغيّر في العمق

ترأّس راعي أبرشيّة الفرزل وزحلة والبقاع للرّوم الملكيّين الكاثوليك المطران عصام يوحنّا درويش قدّاس عيد التّجلّي وعيد مستشفى تلّ شيحا في زحلة، في كنيسة مقام سيّدة زحلة والبقاع، بحضور فعاليّات سياسيّة وعسكريّة، وطبّيّة، وبلديّة واجتماعيّة.

 

للمناسبة ألقى درويش عظة قال فيها:
"أرحّب بكم جميعًا وأحيّي كلّ واحد منكم وفرحي كبير بأن نشترك معًا في عيد مستشفى تلّ شيحا، والعيد بالنّسبة لنا صلاة وفرح وبهجة ولقاء.

بعد يومين تحتفل الكنيسة بعيد التّجلّي، نعرف كلّنا ما جاء في الإنجيل في جبل حرمون، عندما أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنّا وهناك تجلّى أمامهم. تصوّروا معي لو أنّ الحدث كان في عصرنا هذا وكان كلّ من التّلاميذ الثّلاثة يمسك "آي فون وسامسونغ وهواوي..."، لكانوا صوّروا المشهد "سيلفي" وكنّا بدورنا علّقنا على الصّور بكلمات وجدانيّة "مشهد رائع، يسوع ممجّد، لك المجد يا ربّ، هلّلويا..." لكن بطرس اختار أن يهتف ويقول "يا ربّ، حسن لنا أن نكون هنا".

التّجلّي هو كشف إلهيّ إذ جمع الرّبّ يسوع في شخصه الطّبيعة الإلهيّة الكاملة والطّبيعة الإنسانيّة الكاملة. ولهذا الكشف تسمية Metamorphosis، وهي كلمة يونانيّة تعني "تغيّر"، والمقصود هنا تغيّر "إلى ما بعد الشّكل– أبعد من الشّكل"، لذلك نحن ننظر في إيماننا ونتطلّع إلى ما هو أبعد من المنظور وأبعد من الأرضيّات، نصبو دائمًا إلى السّمويّات.
المؤمن إذًا مدعوّ أن يقوم بهذا التّغيّر، تغيّر في العمق وإعادة تصويب هدف حياته. إنّه مدعوّ إلى استنارة داخليّة وأن يترك ظلمة الحياة وأن يستعيد باستمرار النّور الّذي خُلقنا عليه.
أن يختار مؤسّسو تل شيحا عيد تجلّي المخلّص على جبل ثابور عيدًا سنويًّاً للمستشفى لهو ذو دلالة عميقة، فـ "تلّ شيحا" منذ تأسيسها عام 1906 أرادها مطران سيّدة النّجاة أن تتجلّى بخدمتها الفقير والمحتاج والمريض. فالسّيّد المسيح، الّذي على اسمه تأسّست، كان خلال حياته على الأرض بمثابة مستشفى متجوّل لكثرة ما صنع من عجائب. شفى المرضى، أعاد البصر للعميان، أقام المخلّع، أعاد الحياة للموتى، أقام لعازر وشفى البرص وأطعم الجياع.
وعلى مثال السّيّد المسيح الّذي تجلّى بمحبّته ورحمته، تتخطّى تلّ شيحا كلّ المصاعب الّتي تعترض مسيرتها الاستشفائيّة وهي كثيرة وكبيرة، وستبقى كالجبل المقدّس تُقدّم لمرضاها وذويهم شفاء النّفوس والأجساد معًا.
الإشاعات الّتي تطال تلّ شيحا كثيرة، لكنّها تبقى إشاعات ولا صحّة لها، المؤسّسة النّاجحة تطالها الأقاويل. نحن نتمنّى أن نُعطى دليلاً حسّيًّا واحدًا على واحدة من هذه الإشاعات.. وما نطلبه من أهلنا في زحلة هو أن نحارب معًا المرض المستشري فيها وهو الطّعن المتواصل بالآخرين، بالمؤسّسات وبالكنيسة وبرجال السّياسة والدّين. نريد أن نرى في الآخر وفي مؤسّساتنا الإيجابيّة ونشجّع العاملين فيها.
إنّ مستشفى تلّ شيحا هو مؤسّسة كنسيّة، تتجلّى فيها المحبّة المسيحيّة الّتي أرادها السّيّد المسيح، عملاً وفعلاً لا قولاً ولا عاطفة. وهي رغم الصّعوبات المادّيّة المشتركة اليوم بين كلّ المستشفيات، تحقّق رسالتها، تعنى بالمرضى بشكل مميّز، تحترم الإنسان وكلّ إنسان لأنّنا نؤمن أنّ الإنسان هو القيمة الكبرى في هذا الكون، وتعطي وتساعد قدر إمكانيّاتها، وتعمل على شفاء النّفس قبل الجسد، فالمرشد الرّوحيّ وفريق العناية الرّوحيّة حاضر دائمًا لمرافقة المريض وأهله.
ورغم الضّائقة الاقتصاديّة الكبيرة، نحن في ورشة دائمة: أوّلاً لتطوير الأبنية وتجديد المعدّات والأجهزة الطّبّيّة، وثانيًا لتحسين أداء الموظّفين والممرّضين والأطبّاء في الخدمات الطّبّيّة، ونحن نطلب باستمرار من كلّ عنصر في المؤسّسة، أن يستمرّ في تأهيل نفسه ليكون دائم الكفاءة وعلى مستوى العصر... لنبقى كلّنا حاملي رسالة التّجلّي ونسمع صوت الآب "هذا هو ابني الحبيب الّذي اخترته وبه سررت...". 
وإختتم درويش العظة قائلاً "ختامًا نشكر الله على نعمه الكثيرة الّتي يخصّنا بها، ونشكر كلّ العاملين في هذه المؤسّسة، الإداريّين والأطبّاء والموظّفين وبخاصّة الممرّضين والممرّضات، وكلّ أصدقائها والمحسنين إليها، طالبين من المخلّص المتجلّي أن تبقى أنواره الإلهيّة غامرة حياتهم ومؤسّساتهم.
كما نطالب معالي وزير الماليّة والمسؤولين في الحكومة اللّبنانيّة أن ينظروا بعين التّقدير إلى المستشفيات الخاصّة الّتي تقدّم للمواطنين خدمات هي أساسًا واجب الدّولة، وأن يدفعوا لها ما يتوجّب عليها وفي الوقت المناسب لتستمرّ في البقاء وفي تأدية رسالتها الإنسانيّة الكبيرة.
نسأل الله أن يلهمنا الأمانة في عملنا وأن يملأ قلبنا بأعمال الرّحمة، وأن نتمثّل بالسّامريّ الّذي حمل المريض وساهم في شفائه، فنسمع صوت المخلّص يقول لنا: "كنت مريضًا فعدتموني، تعالوا ورثوا المُلك المُعدّ لكم لأنّ كلّ ما فعلتم بأحد إخوتي هؤلاء الصّغار فبي فعلتموه "."
وفي نهاية القدّاس بارك المطران درويش ثمر الكرمة الّذي تمّ توزيعه على الحضور، ليشارك بعده الجميع بكوكتيل المناسبة.