الفاتيكان
11 آذار 2025, 12:50

دائرة الحوار بين الأديان تكتب إلى المسلمين في شهر رمضان

تيلي لوميار/ نورسات
"مسيحيّون ومسلمون: ما نأمل أن نصبح عليه معًا". تحت هذا العنوان، وجّهت الدّائرة الفاتيكانيّة للحوار بين الأديان رسالة إلى المسلمين حول العالم لمناسبة شهر رمضان، وقد حملت توقيع عميد الدّائرة الكاردينال جاكوب كوفاكاد.

وجاء في نصّ الرّسالة بحسب "فاتيكان نيوز":  

"أيّها الإخوة والأخوات المسلمون الأعزّاء،

مع بداية شهر رمضان المبارك، تُقدِّم لكم دائرة الحوار بين الأديان أطيب تمنّياتها وتبريكاتها ومشاعر صداقتها. لا شكّ أنّ فترة الصّوم هذه، والصّلاة، والاقتسام يُعدّ فرصة ثمينة للتّقرّب إلى الله والتّمسّك بالقيم الجوهريّة للإيمان، والرّحمة، والتّضامن. هذا العام، يتزامن رمضان إلى حدّ كبير مع فترة الصّوم الكبير، وهي أيضًا فترة صيام وابتهال وتوبة للمسيحيّين. هذا التّزامن في التّقويم الدّينيّ يقدّم لنا فرصة فريدة للسّير جنبًا إلى جنب، مسيحيّين ومسلمين، في مسيرة مشتركة من التّطهير، والصّلاة، والمحبّة. بالنّسبة لنا نحن الكاثوليك، يشكّل هذا الوقت فرحة لمشاركته معكم، لأنّه يذكّرنا بأنّنا جميعًا حجّاج على هذه الأرض، وأنّنا جميعًا نسعى إلى "حياة أفضل". هذا العام، نودّ أن نفكّر معكم ليس فقط فيما يمكننا فعله معًا لتحقيق "حياة أفضل"، ولكن أيضًا فيما نريد أن نصبح عليه معًا، كمسيحيّين ومسلمين، في عالم يبحث عن الأمل. هل نريد أن نكون مجرّد متعاونين لبناء عالم أفضل، أم أشقّاء حقيقيّين نشهد معًا على محبّة الله لجميع البشر؟

رمضان، بالنّسبة لنا نحن الكاثوليك، ليس مجرّد شهر صيام، بل هو مدرسة للتّغيير الدّاخليّ. لأنّ في امتناعه عن الطّعام والشّراب، يتعلّم المسلم السّيطرة على رغباته والتّوجه نحو الأمور الجوهريّة. زمن الانضباط الرّوحيّ هذا هو دعوة لتنمية التّقوى، وهي الفضيلة الّتي تقرّبنا إلى الله وتفتح قلوبنا للآخرين. كما تعلمون، أنّه في التّقليد المسيحيّ، زمن الصّوم الكبير المقدّس يدعونا إلى مسيرة مماثلة: فمن خلال الصّيام، والصّلاة، والإحسان، نسعى إلى تطهير قلوبنا والتّركيز على من ينعش حياتنا ويمنحها المعنى. هذه الممارسات الرّوحيّة، وإن كان يُعبَّر عنها بطرق مختلفة، تذكّرنا بأنّ الإيمان ليس مجرّد أمر يقتصر على الأفعال الخارجيّة، بل هو طريق للتّغيير الدّاخليّ.

في عالم يكتنفهُ الظّلم والصّراعات وعدم الثّقة بالمستقبل، لا يمكن أن تقتصر دعوتنا المشتركة على ممارسات روحيّة متشابهة. عالمنا متعطّش للأخوّة والحوار الحقيقيّ. يمكن للمسلمين والمسيحيّين معًا أن يكونوا شهودًا لهذا الرّجاء، بأنّ الصّداقة ممكنة رغم ثقل التّاريخ والإيديولوجيّات الّتي تجعلنا ننغلق على ذواتنا. الرّجاء ليس مجرّد تفاؤل عابر؛ إنّه فضيلة متجذّرة في الإيمان بالله خالقنا، الرّحمن الرّحيم. بالنّسبة لكم، أيّها الأصدقاء المسلمون الأعزّاء، هذا الرّجاء يُغذَّى فيكم الثّقة برحمة الله الّتي تغفر وترشد. أمّا بالنّسبة لنا، نحن المسيحيّين، فالرجاء يتجذّر في يقيننا بأنّ محبّة الله أقوى من كلّ التّجارب والعقبات.

ما نريد أن نصبح عليه معًا هو أن نكون إخوة وأخوات في الإنسانيّة، نُقدّر بعضنا البعض بعمق. إيماننا بالله هو الكنز يوحدنا، رغم اختلافاتنا. إنّه يذكّرنا بأنّنا جميعًا مخلوقات روحيّة، متجسّدة ومحبوبة، ومُدعوّة للعيش بكرامة واحترام متبادل. ونريد أن نصبح حماة لهذه الكرامة المقدّسة، برفض أيّ شكل من أشكال العنف، أو التّمييز، أو الإقصاء. هذا العام، بينما تتزامن تقاليدنا الرّوحيّة وتلتقي في احتفال رمضان المبارك والصّوم الكبير، لدينا فرصة فريدة لنُظهر للعالم أنّ الإيمان يغيّر البشر والمجتمعات، وأنّه قوّة للوحدة والمصالحة.

في عالمٍ "عاد ليظهر فيه مجدّدًا الميلُ لإقامة ثقافة الجدران، ثقافة تشييد الجدران، في القلب وفي الأرض، لمنع هذا اللّقاء مع الثّقافات الأخرى، ومع الآخرين" (البابا فرنسيس، Fratelli tutti، 27)، التّحدّي الّذي يواجهنا اليوم يتمثّل ببناء مستقبل مشترك قائم على الأخوّة من خلال الحوار. نحن لا نريد فقط التّعايش؛ بل نريد العيش معًا بتقدير صادق ومتبادل. يجب أن تُلهمنا القيم الّتي نتشاركها، مثل العدالة، والرّحمة، واحترام الخليقة، في أفعالنا وعلاقاتنا، بأن تكون لنا البوصلة الّتي نصبح من خلالها بُناة جسور بدلًا من الجدران، ومدافعين عن العدالة بدلًا من الظّلم، وحماة للبيئة بدلًا من مُدمّرين لها. ينبغي لإيماننا وقيمنا أن تساعدنا على أن نكون أصواتًا ترتفع ضدّ الظّلم واللّامبالاة، وتشهد على جمال التّنوّع البشريّ.

في هذه الفترة من رمضان وقبيل عيد الفطر، نحن سعداء بمشاركة هذا الأمل معكم. لتكن صلواتنا، وأفعال التّضامن، وجهودنا من أجل السّلام علامات ملموسة على صداقتنا الصّادقة معكم. ليكن هذا العيد مناسبة للقاءات أخويّة بين المسلمين والمسيحيّين، حيث يمكننا معًا الاحتفال بطيبة الله ومحبّته. هذه اللّحظات من المشاركة، البسيطة ولكن العميقة، هي بذور أمل يمكنها تغيير مجتمعاتنا وعالمنا. لتكن صداقتنا تلك الظّلّ الواقي لعالم متعطّش للسّلام والأخوّة!

ليحمل لكم صيامكم وممارساتكم التّعبّديّة الأخرى خلال شهر رمضان واحتفالكم بعيد الفطر الّذي يختتمه، ثمارًا وفيرة من السّلام، والأمل، والأخوّة، والفرح."