لبنان
23 أيلول 2018, 12:38

خيرالله: لتأدية شهادة الحبّ وتحمُّل المسؤوليّات الجسام

بدعوة من لجنة العائلة في أبرشيّة البترون ومرشدها الخوري بطرس فرح، ترأّس راعي أبرشيّة البترون المارونيّة المطران منير خيرالله، قدّاس اليوبيلين الذّهبيّ والفضّيّ للمتزوجين من أبناء الأبرشيّة في الكرسيّ الأسقفيّ، في كفرحي، عاونه الخوري فرح والخوري أندراوس الطبشي.وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى المطران خيرالله عظةً، بعنوان "فيصبحان جسدًا واحدًا"، جاء فيها بحسب الوكالة الوطنيّة للإعلام:

"بدعوة من لجنة العيلة في الأبرشيّة ومرشدها الخوري بطرس فرح، نحتفل اليوم، وكعادتنا في كلّ سنة، بتكريم الأزواج الذين مرّ على عهد الحبّ الذي أعلنوه أمام الله وأمام الكنيسة في سرّ الزّواج المقدّس خمس وعشرون أو خمسون سنة، تحت شعار: كلّ العمر، كلّ شيء مشترك. إنّهم هنا اليوم مع أولادهم وأحفادهم، آتون من كلّ رعايا الأبرشيّة، ليجدّدوا عهد الحبّ الذي قطعوه في ما بينهم وأعلنوه يومًا وتواعدوا على عيشه كلّ العمر، في التّضحية والوفاء والدّيمومة وخصب العطاء في الأولاد. نلتقي حولهم في أفخارستيّا الشّكر لنقدّم التّسبيح والمجد والشّكران إلى الله المحبة، الآب والإبن والرّوح القدس، على كلّ ما عاشوه معًا في سنوات زواجهم، وعلى كلّ ما قدّموه من جهود وتضحيات في تربية أولادهم الذين اعتبروهم نعمة وبركة من الله.

نجدّد معًا إيماننا بسرّ الحبّ، سرّ الزّواج، الذي أراده الله منذ البدء، ومن فيض حبّه اللّامحدود، عطاء وبذلاً وتضحيةً. ولأنّ الله محبة، "خلق الإنسان على صورته كمثاله، على صورة الله خلقه، ذكرًا وأنثى، خلقهم وباركهم وقال لهم: إنموا واكثروا وأملأوا الأرض". خلقهما معًا على صورته كمثاله. هذا هو سرّ الحبّ، سرّ الزّواج المقدّس، وحدة كاملة في الحبّ بين الرّجل والمرأة بحيث يصبحان جسدًا واحدًا. لا يقول الكتاب المقدّس إنّ الرجل هو على صورة الله كمثاله. ولا يقول إنّ المرأة هي على صورة الله كمثاله. لكنّ الاثنين معًا هما على صورة الله كمثاله. وهذا التّعليم من سفر التّكوين يؤكّده يسوع في الإنجيل قائلاً: لذلك يترك الرّجل أباه وأمّه ويلزم امرأته، ويصير الاثنان جسدًا واحدًا.. صورة الله ومثاله هي إذا في الزّوجين اللّذيْن يتعاهدان على الحبّ ويتقدّمان في عيش هذا الحبّ.
يقول قداسة البابا فرنسيس في إرشاده الرّسوليّ فرح الحبّ: يعتبر الزّواج علامة ثمينة لحضور الله، لأنّه عندما يحتفل رجل وامرأة بسرّ الزّواج تنعكس صورة الله فيهما وتطبع فيهما ملامحه وطبيعة حبّه الذي لا يزول. فالزّواج هو أيقونة محبّة الله لنا... إنّ الله هو شركة أيضّا، تعيش فيها الأقانيم الثّلاثة -الآب والابن والرّوح القدس - دائمًا في وحدة كاملة. وهذا هو سرّ الزّواج: يصنع الله من الزّوجين كيانًا واحدًا. وهذا ما سمح للقدّيس بولس بأن يشبّه الحبّ الذي يتعاهد على عيشه الزّوجان بحبّ المسيح لكنيسته التي بذل نفسه من أجلها. إذ يكرّسان حياتهما لعيش هذا الحبّ بتكامل واحترام متبادل وعطاء كلّيّ حتّى بذل الذّات. فتصبح العلاقة بينهما، وقد أصبحا جسدًا واحدًا، على شبه علاقة المسيح بالكنيسة جسده السّرّيّ. لذا يطلب من العروسين أن يستشهدا أحدهما حبًّا بالآخر، وأن يشاركا في موت المسيح وقيامته كي يصبحا جسدًا واحدًا. وذلك يعني أن يتخلّى كلّ منهما عن الأنا الخاصّة فيه، في سبيل نشوء الأنا الواحدة التي تجمعهما في حياة مشتركة وتجعلهما ينفتحان على عطايا الرّبّ ويخصبان أولادًا، ويؤسّسان معهم عائلة مسيحيّة. والإكليل الذي يوضع على رأس كلّ منهما لا يرمز إلى مجد أرضيّ ولا إلى اتّحاد مؤقت، بل هو قبل كلّ شيء شهادة يؤدّيها المرء مرّة واحدة. والإنسان يستشهد مرّة واحدة. ما هي إذا مسؤوليّة الرّجل في الحبّ؟ أن يجعل زوجته أكثر امرأة. وما هي مسؤوليّة المرأة في الحبّ؟ أن تجعل زوجها أكثر رجلاً. إنّه عمل الاثنين معًا، وهما يكبران وينميان معًا في الحبّ. ولكن الرّجل لا يستطيع أن ينمو لوحده في الزّواج إذا لم تجعله امرأته ينمو؛ وكذلك المرأة لا تستطيع أن تنمو لوحدها في الزّواج إذا لم يجعلها زوجها تنمو. هذه هي الوحدة في الزّواج، وهذا هو معنى أن يصير الاثنان جسدًا واحدًا. يصبحان واحدًا لأنّ الواحد يجعل الآخر ينمو.
الزّواج ليس مؤسّسة بل دعوة ! قال البابا فرنسيس في اللّقاء العالميّ التّاسع للعائلات في دبلين إيرلندا (25-26 آب 2018)، هو قرار واع لكلّ الحياة، ولكلّ العمر، بأن يعتني الواحد بالآخر، وأن يساعده ويسهر عليه. الالتزام بالحبّ لكلّ الحياة، ولكلّ العمر، هو التزام بأن ينمّي الواحد الآخر؛ التزام لا يحدّه الزمن ولا مجال فيه للمؤقت. إنّه التزام يرفض ثقافة المؤقّت التي يروّج لها مجتمع اليوم.

أيُّها الأزواج المكرّمين، جئتم اليوم تجدّدون أمام الله وأمام الكنيسة وعد الحبّ الذي قطعتموه يومًا للعيش معًا ولكلّ العمر، ولا زلتم مستمرّين في عيشه مع عائلاتكم لتشهدوا أنّكم على صورة الله كمثاله، وأنّكم تكرّسون ذواتكم في خدمة كنيستكم ووطنكم.

وأنا أدعوكم تأدية شهادة الحبّ وتحمّل المسؤوليّات الجسام في مواجهة التّحدّيات التي تهدّد وحدة العائلة وثباتها والقيم التي تربّي عليها، ومن أخطرها الأزمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة والدّينيّة والأخلاقيّة والفساد المستشري في المجتمع.
أنتم مدعوّون إلى رفض ثقافة المؤقّت في مجتمع الاستهلاك الذي يعمل بذهنيّة زيادة الإنتاج واستغلال مقدرات الإنسان وعطايا الطّبيعة، وأولويّاته هي المصالح الاقتصاديّة؛ ما يؤدّي إلى زيادة الفقراء والمهمّشين والعاطلين عن العمل. أنتم مدعوّون إلى مواجهة تحدّي الانخفاض الدّيمغرافي النّاتج عن ذهنيّة عدم الإنجاب تشجّعها السّياسات العالميّة للصّحّة الإنجابيّة، وما تمارسه بالإكراه من تدخّلات وضغوطات لصالح منع الحمل والتّعقيم والإجهاض"، كما يقول قداسة البابا فرنسيس. أنتم مدعوّون إلى الشّهادة بأنّكم عائلات تصلّي. والعائلة التي تصلّي تعيش حضور الله فيها، وتبقى ثابتة في إيمانها ووحدتها وتماسكها. تشاركوا مع عائلاتكم في الصّلاة اليوميّة، وتغذّوا من قراءة كلمة الله في الكتاب المقدّس والمناولة الإفخارستيّة. فتنمو عائلاتكم بالحبّ وتتحوّل، يومًا بعد يوم، إلى هيكل لسكنى الرّوح القدس.

كما أدعو العائلات المسيحيّة إلى القداسة، وبخاصّة هنا في أبرشيّة القداسة والقدّيسين. والدّعوة إلى القداسة تنمو في العائلة التي تشهد في عيشها الفضائل الإلهيّة، الإيمان والرّجاء والمحبّة، والقيم الإنجيليّة. وكلّ واحد منّا قادر أن يصبح قدّيسًا في حياته ومعاناته اليوميّة.

وأخيرًا، تعالوا نصلّي معًا في هذه الإفخارستيّا من أجل أزواجنا المكرّمين وكلّ الأزواج، ومن أجل عائلاتنا، وبخاصّة تلك المجروحة بوفاة أو مرض أو إعاقة، فنطلب من الله، بشفاعة العذراء مريم أمّه وأمّ الكنيسة وأمّنا، نعمة أن نستمرّ في تمجيده وشكره على عطاياه الغزيرة وتبقى عائلاتنا بركة لمجتمعنا وكنيستنا ووطننا لبنان الرّسالة، لتمجيد الثّالوث الأقدس والآب والإبن والرّوح القدس. آمين".

وبعد القدّاس، قدّم المطران خيرالله والخوري فرح ولجنة العائلة أيقونة العائلة للأزواج المكرّمين.