خيرالله في إطلاق حملة كاريتاس للصّوم: كم نحتاج في لبنان إلى الشّهادة للإيمان والرّجاء والمحبّة وإلى عيش الغفران والمصالحة
في بداية القدّاس، ألقت مسؤولة رابطة كاريتاس في إقليم البترون ناديا مبارك كلمة قالت فيها بحسب "الوكالة الوطنيّة للإعلام": "الإيمان، الإنسان، لبنان... ثلاثة أركان تجمعنا اليوم في هذا القدّاس السّنويّ المبارك، حيث نجدّد العهد مع رسالتنا، حاملين في قلوبنا الإيمان، وفي أعمالنا محبّة الإنسان، وفي صلواتنا وطننا الحبيب لبنان.
نلتقي اليوم ليس فقط للصّلاة والشّكر، بل لنؤكّد التزامنا برسالة كاريتاس، الّتي تعمل جاهدة لخدمة الإنسان بروح المحبّة والعطاء. مضى عام على تسلّمي مسؤوليّة كاريتاس اقليم البترون، وكان عامًا حافلًا بالتّحدّيات، ولكنّه كان أيضًا عامًا مليئًا بالنّعمة والعمل المثمر بفضل جهودكم ومحبّتكم. لقد لمسنا خلال هذا العام كيف أنّ الإيمان يجعلنا أقوى، وكيف أنّ خدمة الإنسان تملأ قلوبنا سلامًا، وكيف أنّ لبنان، رغم الصّعوبات، يبقى رسالة رجاء.
أشكركم جميعًا على دعمكم، وأشكر كلّ من يعمل بصمت ليكون علامة حبّ في حياة الآخرين. ليبارك الرّبّ خطواتنا، وليكن صومنا مباركًا، مثمرًا، ومليئًا بالعطاء. عشتم بالإيمان، خدمتم الإنسان، وليبقى لبناننا دائمًا وطن المحبّة والسّلام".
بعد الإنجيل، ألقى خيرالله عظة قال فيها: "نطلق في قدّاسنا هذا الأحد حملة رابطة كاريتاس لبنان لصوم 2025 في أبرشيّتنا البترونيّة، بعد أن كان قد أطلقها الأحد الفائت، من بكركي ولكلّ لبنان، صاحب الغبطة والنّيافة البطريرك مار بشاره بطرس الرّاعي الكلّيّ الطّوبى مع الأب ميشال عبّود الكرمليّ رئيس الرّابطة. وقد اختارت رابطة كاريتاس لبنان شعارًا لهذه الحملة: "إيمان، إنسان، لبنان". وكلمات هذا الشّعار مستوحاة من القيم الإنجيليّة ومن تعاليم الكنيسة في الشّأن الاجتماعيّ. وهي تتلخّص في الالتزام بعيش الإيمان المسيحيّ في احترام كرامة الإنسان وتعزيز حقّه في الحياة الكريمة، وفي التّضامن في محبّة الفقراء وفي تشجيع الاعتماد على الذّات.
هدف رابطة كاريتاس، وهي جهاز الكنيسة الرّعويّ والاجتماعيّ، هو مساعدة الأشخاص على تحقيق كرامتهم والإسهام في ترقيتهم وتنميتهم. لذا فإنّها تناضل من أجل نشر العدالة الاجتماعيّة وعيش المحبّة من دون تمييز، وذلك بمكافحة الفقر والعوز والحرمان عن طريق التّثقيف ودعم الإنماء الذّاتيّ. والكنيسة، من خلال رابطة كاريتاس، تقوم بواجب خدمة المحبّة إلى جانب خدمة كلمة الله وخدمة تقديس النّفوس. وترجمة هذا الشّعار تأتي في تجديد إيماننا بالله، الآب والابن والرّوح القدس. إيمانٌ يجعلنا نرى يسوع المسيح المتجسّد في كلّ إنسان، إذ نسمعه يقول لنا: "كلّ ما صنعتموه مع أحد إخوتي هؤلاء الصّغار فمعي أنا قد صنعتموه" (متّى 25/40)، وكم بالأحرى في لبنان في الظّروف القاسية الّتي نجتازها.
في زمن الصّوم، وهو زمن صلاة وتوبة ورحمة ويجمعنا هذه السّنة مسيحيّين ومسلمين، نحن جميعًا مدعوّون إلى الصّلاة والتّوبة والرّحمة الّتي تتجلّى بأفعال المحبّة وبالانحناء على كلّ محتاج. نحن مدعوّون إلى أن نخدم في المحبّة وإلى أن نرى في وجه كلّ مريض ومتألّم ومهجَّر ومشرّد ويتيم ومهمَّش صورة المسيح الحيّ وأن نستجيب لصرخة إخوتنا المعوزين؛ لأنّ إيماننا ليس مجرّد كلمات، بل هو التزام بفعل الحبّ الإلهيّ المعطى لكلّ واحد منّا مجّانًا، وبفعل مشاركة وتضحية نحو كلّ إنسان من دون تمييز أو تفرقة؛ وأن لا نسأل، في خدمتنا، عن هويّةٍ أو انتماء، لأنّنا نرى الإنسان أوّلًا، كما فعل السّامريّ الصّالح.
وأعضاء مكتب كاريتاس البترون والمتطوّعون يسيرون في التّوجّه الكنسيّ العامّ إذ يعتبرون أنفسهم جهاز الكنيسة المحلّيّة الاجتماعيّ ويعملون بإشراف راعي الأبرشيّة وبالتّنسيق الكامل معه ومع كهنة الرّعايا، على خدمة المحبّة وعلى نشر ثقافة العمل التّطوّعيّ وروح التّضامن الإنسانيّ. ويهدفون أوّلًا إلى هدم الجدران بين الأشخاص والمؤسّسات لتتكامل في خدمة المحبّة وتقديم المساعدة والعون إلى من هم في أكثر حاجة؛ ويهدفون ثانيًا إلى تحويل العمل الحسناتيّ إلى عمل إنمائيّ، بالرّغم من الإمكانيّات المحدودة، لأنّهم يؤمنون أنّ كنيستهم تسعى إلى إنماء شعبها وترقيته بدلًا من تعزيز عمل الإحسان والشّفقة. إنّهم يستلهمون، في خدمتهم هذه، تعليمَ كنيستهم في المجمع البطريركيّ المارونيّ الّذي يعلن أنّ "الإنسان لا يستطيع أن ينمو ويحقّق دعوته إلّا من خلال العلاقة مع الآخرين. والعلاقة بالآخرين أساسُها المحبّة، محبّة الله ومحبّة القريب. والكنيسة تسعى إلى تجسيد هذه المحبّة على الأرض بين أبناء البشر، لأنّ رسالتها تكمن في أنسنة هذا الكون بشرًا وطبيعةً ومقدّرات، وفي الدّعوة إلى العمل في سبيل بناء حضارة المحبّة في العالم". (النّصّ 20، عدد 2).
إنّنا نشكر الله معكم عن جميع العاملين في رابطة كاريتاس لبنان، والبترون بنوع خاصّ، والمتطوّعين، وبخاصّة الشّبيبة منهم، والمتبرّعين، الّذين يقومون بجهود كبيرة ويضحّون بوقتهم ومواهبهم وإمكاناتهم وأموالهم في سبيل مدّ يد المساعدة وتأمين الحاجيات الضّروريّة لإخوتهم وأخواتهم الأكثر حاجة. إنّهم يبذلون ذواتهم بفرح في خدمة المحبّة ويعطون مجّانًا، ويعرفون أنّ "السّعادة في العطاء هي أعظم منها في الأخذ". (أعمال الرّسل 20/35). نطلق اليوم حملة المحبّة مع رابطة كاريتاس ونحن في مسيرة سنةٍ يوبيليّة أعلنها قداسة البابا فرنسيس سنة الرّجاء، وهي زمن نعمة من الله، زمن مميّز وخاصّ هدفه أن ينعش فينا الإيمان ويثبّتنا على الرّجاء ويحثّنا على المحبّة ويدعونا إلى عيش خبرة الغفران والقيام بأعمال التّضامن والمحبّة والشّركة الأخويّة في الكنيسة وفي المجتمع. "فتكون محبّتنا لا بالكلام ولا باللّسان، بل بالعمل والحقّ" (1 يو 3/18). "
وأنهى خيرالله عظته قائلًا: "كم نحتاج في لبنان إلى الشّهادة للإيمان والرّجاء والمحبّة وإلى عيش الغفران والمصالحة بعد خمسين سنة من مخاض حروب فُرضت علينا من الدّاخل والخارج ومن معاناة أزمات متعدّدة ومتراكمة. كم نحتاج إلى أشخاصٍ يكونون شهودَ محبّةٍ ورسلَ رجاءٍ وصانعي سلام! ونحن جميعنا كذلك. في أحد شفاء المنزوفة وإحياء ابنة يائيروس نقول لك يا يسوع: حسبُنا أن نلمس طرف ردائك فنحصل على قوّةٍ منك تشفي كلّ جراحنا وتعيد إلينا حرّيّتنا وكرامتنا. وأنت تجيبنا "لا تخافوا، يكفي أن تؤمنوا!" (لوقا 8/50). نعدك أنّنا سنبقى ثابتين في إيماننا وراسخين في رجائنا وملتزمين معًا بخدمة الإنسان في لبنان".
في ختام القدّاس، ألقى رئيس كاريتاس كلمة شكر توجّه فيها إلى خيرالله شاكرًا له دعمه وتشجيعه لكاريتاس. وشكر للمطران ضاهر مشاركته وأكّد أنّ كاريتاس تعمل لخدمة الكنيسة، منوّهًا بجهود رئيسة وأعضاء مكتب إقليم البترون الّذين يجسّدون نبض الحياة المسيحيّة الحقيقيّة. كما أشار إلى الشّفافيّة في عمل كاريتاس الّتي تعمل لمساعدة المحتاجين. وإختتم شاكرًا الكهنة المشاركين وكلّ الّذين شاركوا في قدّاس الشّكر.
بعد القدّاس، التقى الجميع في صالون الرّعيّة.