العراق
16 تموز 2020, 07:50

خصوصيّة أحوال المسيحيّين الشّخصيّة محور اهتمام البطريرك ساكو

تيلي لوميار/ نورسات
"كيف يكون الإنسان حرًّا في عقيدته عندما تأتي عقيدة إنسان آخر لتُلزِمه بما ليس له؟"، هذا السّؤال طرحه بطريرك بابل للكلدان مار لويس روفائيل ساكو في إطار عرضه لمشكلة الأحوال الشّخصّيّة الخاصّة بالمسيحيّين العراقيّين مقترحًا بعض الحلول، وذلك في نصّ نشره موقع البطريركيّة الرّسميّ قبل أن يقدّمها البطريرك ساكو للمسؤولين ليغنيه المهتمّون بالشّأن المسيحيّ من رجال الدّين والقانونيّين من خلال إبداء آرائهم بشكل علميّ وقانونيّ.

وكتب ساكو: "المسيحيّون العراقيّون ليسوا غرباء قدِموا إلى هذه الأرض المباركة. تاريخهم لا يبدأ من حيث تسميتهم بـ"المسيحيّين"، بل تمتدّ جذورهم ككلدان وآشوريّين وسريان  في عمق هذه الأرض وحضارتها الّتي ترصّع جبين وطنهم العراق. إنّهم مواطنون أصليّون ساهموا في بناء حضارة وادي الرّافدين، فكما لهم واجبات يؤدّونها على أكمل وجه، لهم أيضًا حقوق ينبغي أن تُراعى.

في مفارقة تاريخيّة معاصرة، متّصلة بلائحة حقوق الإنسان، نشهد اليوم، إنّه في العراق تسري على المسيحيّين، في أغلب الأحيان، عند البتّ في الإرث والنّفقة وحقّ حضانة الأطفال، يطبَّق على المسيحيّين التّقليد الإسلاميّ.

هنا نتساءل وعلى وفق حقوق الإنسان، كيف يكون الإنسان حرًّا في عقيدته عندما تأتي عقيدة إنسان آخر لتُلزِمه بما ليس له؟

ومن ثمّ لا بدّ من البدء بتقديم خصوصيّة الزّواج في الدّين المسيحيّ لنقول:

الزّواج المسيحيّ، أساسه الحبّ المتبادل. إنّه عقد مقدّسsacrament  بين ذكر وأنثى بالغين، كاملي القوى الجسديّة والعقليّة، من دون جبر ولا إكراه جسديّ أو نفسيّ. ويتمّ في احتفال صلاة في الكنيسة، وبحضور شاهدَين بالغين، وبإعلان رضى الطّرفين المتعاقدين. الزّواج عقد مدى الحياة في الصّحّة والمرض والغنى والفقر.

ومن المكوّنات الجوهريّة للعقيدة المسيحيّة، إنّه لا يوجد تعدّد الزّوجات، بل يكون الزّواج بين اثنين: ذكر وأنثى مدى الحياة. وليس فيه طلاق. أمّا البُطلان، فهو اعتراف من قبل الكنيسة بوجود سبب قبل عقد الزّواج، كإكراه أو تحايل أوعدم التّكامل الجسديّ، ممّا لا يجعله زواجًا مكتملاً وصحيحًا، لذا تَبطُل صحّته. وبديهيّ أنّ هذا لا يمتّ بصلة إلى الطّلاق أو تعدّد الزّواج.

سنّ الزّواج، لكلي الجنسين هو 18 سنة وما فوق، ولحالات خاصّة 17 سنة، وهذا يقتضي الموافقة الكنسيّة الاستثنائيّة لكلّ حالة على حدى.

المهر، لا يوجد في المسيحيّة مهر لأنّها تعتبر المرأة إنسانة متساوية للرّجل، فيكون العقد بين طرفين متساويين في الحقوق والكرامة، ممّا لا يعطي الرّجل أيّ امتياز للحصول على امرأة لمجرّد دفع مبلغ ما عنها مهما كان قدره.

النّفقة، لا ينكر أنّه تحدّث ولأسباب متباينة حالات الفراق أو البُطلان، هذه النّاحية المادّيّة تعود صلاحيّة الحكم للقضاء المدنيّ بحسب قوانين البلد.

الميراث، في المسيحيّة يقسم بالتّساوي بين الذّكر والأنثى، وليس نصف ما يحقّ للذّكر. وفي حالة وفاة الزّوج ترث المرأة وأولادها كلَّ شيء. ولكون المرأة في المسيحيّة وضمن عموم قوانين حقوق الإنسان متساوية الحقوق مع الرّجل، فإنّ النّساء المسيحيّات، في ظلّ الأحوال الشّخصيّة في بلادنا، يُظلمن بكلّ وضوح في قضيّة الميراث. نحن لا ننتقص هنا من حرّيّة المرأة المسلمة في قبول نصف ما يرثه الرّجل، لكن نرغب أن يطبّق شرعنا الكنسيّ علينا.

الحضانة، تكون للمرأة إلى حدّ سنّ العاشرة للأطفال، بشرط أن تكون الأمّ سليمة العقل، وإلّا يعالج الموضوع بنحو مختلف، من ذلك أن يقدّر الأطفال الاختيار بين الوالدين.

الأحوال الشّخصيّة لغير المسلمين مشكلة أساسيّة قائمة بحاجة إلى حلول نقترح منها:

حلّ هذه المشاكل، يكون إمّا أن تقوم الدّولة بتشريع نظامٍ مدنيٍّ شامل لكلّ المواطنين بغضّ النّظر عن انتماءاتهم الدّينيّة والمذهبيّة كما هو الحال في الدّول الغربيّة ولبنان الّذي يعدّ دولة عربيّة رائدة في هذا المضمار، أو أن يُترك للكنيسة أمر الحكم في قضايا الزّواج والبطلان والحضانة والميراث.

وضمن الحلول المرحليّة على مستوى مغبونيّة مسيحيّين العراق في الأحوال الشّخصيّة، نتساءل بشعور مرير: لماذا لا يتمّ تنظيم هذه القضايا من قبل محكمة كنسيّة موحّدة من القانونيّين تتعاون مع القضاء العراقيّ، كما الحال في عدّة دول عربيّة ونذكر منها الجارة الأردنّ ومصر،  وتكون المحكمة الكنسيّة هي الّتي تُعالج هذه القضايا بحسب شرعها الخاصّ.

موضوع الرّدّة في الإسلام أيّ حكم القتل، بكلّ محبّة واحترام نرى ضرورة إعادة النّظر فيه، فالعالم تغيّر. ونعتقد بعمق أنّه حان الوقت وبتلافٍ مسبق لأيّ ردود فعل متّصلة بأن يتمّ تنظيم قانون يراعي حرّيّة الضّمير أيّ الحقّ بتبديل المذهب والدّين من دون ممارسة أيّة ضغوط كما الحال في لبنان والمغرب والسّودان الّتي ألغت قانون الرّدّة.

وهنا أودّ أن أسرد حادثة مؤلمة حصلت لأحد شبابنا. لقد سطت على محلّه جماعة القاعدة الإرهابيّة سنة 2006 ونهبته، وقادته إلى مديريّة الأحوال الشّخصيّة، وأجبرته على إشهار إسلامه، فردّد الشّابّ مرعوبًا الشّهادة وسُجِّل في الأوراق الرّسميّة مسلمًا، لكنّه عاد إلى البيت مكسورًا لا يفهم شيئًا من الإسلام، لأنّهم لم يعلّموه إيّاه، واستمرّ يمارس في قلبه الصّلوات المسيحيّة. حاولتُ أن أصحّح موقفه، مع أعلى السّلطات، لكنّني للأسف لم أفلح.

أمَا يتعارض هذا الإكراه مع حرّيّة الشّخص، وشرعة حقوق الإنسان، ومع قول القرآن الواضح: "فَمن َشاء فليؤمن ومن شاء فليكفرۚ" (الكهف 29). الإيمان يُعرَض ولا  يُفرض بالقانون أوالإكراه (البقرة 299)، "فإن اعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظًا، إنّ عليك الإبلاغ" (الشّورة 48). الإيمان ينبع من قناعة داخليّة، وحرّيّة شخصيّة، تجعل الإنسان يقتنع به ويعيشه. المسيحيّة تحترم حرّيّة الشّخص في تغيير دينه عن قناعة متى ما شاء.

هناك أيضًا ممارسة أخرى غير عادلة، فيها غُبن للطّرف المسيحيّ، عندما يحقّ للمسلم الزّواج من مسيحيّة، ويُنكر هذا الحقّ على المسيحيّ أن يتزوّج مسلمة! اليوم الدّولة هي الّتي تحمي حقوق الكلّ وتساوي بينهم على أساس العدالة والمواطنة، وليس التّقاليد والأعراف القديمة. ونعتقد أنّه ليس أمام مثل هذه الأوضاع غير الطّبيعيّة، سوى أن يصار إلى قانون تسجيل الزّواج المدنيّ، مع فقرة تؤشّر اختيار الزّواج بحسب الطّقوس الدّينيّة أو المذهبيّة الّتي يختارها المقبلون على الزّواج.

المناسبات الدّينيّة، وإذا كان الشّيء بالشّيء يذكر، نتساءل عن حالة غير مرتبطة بالأحوال الشّخصيّة ولكنّها تؤشّر على مغبونيّة المسيحيّين حتّى في أفراحهم: لماذا لا تقرّر الحكومة بأن يكون عيد الميلاد والقيامة– الفصح أيّام عطلة رسميّة لكلّ العراقيّين كما هو الحال في عدّة دول عربيّة ومنها حديثًا السّودان. هل تعلم الحكومة بمعاناة الطّلّاب المسيحيّين عندما يُجبَرون على الدّوام في عيدهم، وتتعمَّد إدارة بعض المدارس بوضع جدول الامتحانات في العيدين!

ونخلص إلى القول في إنّه على الحكومة العراقيّة النّظر بجدّيّة إلى هذه الأمور، وإيجاد حلّ عادل لمعاناة مواطنيها من المسيحيّين، ومراعاة خصوصيّتهم، وتعزيز أوضاعهم، إذا كانت تريد حقًّا بقاءهم في العراق، فهل تراها تريد حقًّا ذلك؟ كما جاء في الدّستور العراقيّ (المادّة 2،  الفقرة 2) "يضمن هذا الدّستور الحفاظ على الهويّة الإسلاميّة لغالبيّة الشّعب العراقيّ، كما ويضمن كامل الحقوق الدّينيّة لجميع الأفراد في حرّيّة العقيدة والممارسة الدّينيّة، كالمسيحيّين، والإيزديّين، والصّابئة المندائيّين"، لكن هذا لا يطبّق على أرض الواقع."