خاصّ– نصر: الله لا يعاقب أحدًا!
وتابع: "كم هو مميّز إنجيل لوقا الذي يبدأ سرد إنجيله بتوضيح أنّ هدف كتابته هو كي لا يضيع بالتّعاليم الضّالّة وغير الدّقيقة وأن يستقي من التّعاليم الصّحيحة ومن ينبوع من عايش المسيح وواكب كلّ الأحداث.
يخبرنا الإنجيليّ لوقا عن زكريّا الذي كان كاهنًا بارًّا من فرقة أبيّا. إنّه من سبط لاوي، السّبط الذي كان مفروزَا لإقامة الذّبائح وهم كهنة، لم يكُن لديه أولاد لأنّ أليصابات زوجته كانت عاقرًا. ظهر الملاك جبرائيل للكاهن زكريّا في مَقدَس هيكل الله بعدما أصابَتْهُ القرعة كما جرت العادة، وبشّره بأنّ الله سمع صوت تضرّعاته وصلواته. وأخيرًا، سوف يُزال العار عنه وعن امرأته، وأكرم الله عليه بولد ليس مثل باقي الأولاد، بل سيكون "الصّوت الصّارخ في البرّيّة أعدّوا طريق الرّبّ"، والباب الذي سيُمهِّد لمجيء المخلّص. شكّ زكريا بصدق الكلام وقدرة الله، هو الذي يجب عليه أن يكون ضليعَا في الكتاب المقدّس ومضطلعًا على تفاصيل الأحداث التي مرّت عبر تاريخ شعب الله المختار. فمن المتوقّع ألّا يستغرِب بأنّ الله يستطيع أن يَهَب طفلًا لعاقر بالرّغم من كبر سنّهم مثل سارة زوجة ابراهيم التي ولدت إسحق وهي في سنّ الشّيخوخة، كذلك حنّة التي ولدت صموئيل، وغيرهم...".
وأضاف: "الله لا يعاقب أحدًا! صمتُ زكريّا هو دعوة له للتّأمّل! فهو يمثّل العهد القديم العاقر الذي لم يلِد إلّا الخطيئة والدّنس. فزكريّا مدعوّ هنا إلى أن يتأمّل بحنان الله والإصغاء إلى عمله الخلاصيّ، والتّأمّل بعظمة الله وقدرته اللّامحدودة. فالله يعد ويفي دائمًا ولكن بالطّريقة والمكان والزّمان الأنسب. كأنّ الملاك يقول لزكريّا: ها أنت اليوم ترفض وتتراجع عن صلاتك وطلباتك بعدما يئستَ، أمّا الله فلا ييأس. الملاك يقول لكلّ فرد منّا اليوم: صلواتكم يومًا لا تُنسى عند الله، تأمَّل بكلّ ما يحصل معك في قلبك واطلب نعمة الصّبر وإدراك إرادة الله الفعّالة، ولا تنسى أنّ إلهك إله حيّ تجسّد على الأرض وشارك الضّعف البشريّ بعمل خلاصه، وعندما خاف تلاميذه أن يتركهم يتامى وعدهم بالمعزّي وصدق بوعده، فأرسل لنا الرّوح القدس يُرافقنا في تفاصيل مسيرة حياتنا ويُنبِّهنا ويُرشِدّنا نحو الآب بالسّير مع يسوع الإبن.
دعوة زكريّا هي الأولى في كتاب العهد الجديد وهي على غرار الدّعوات في الكتاب المقدّس؛ دعوة ابراهيم وموسى وهارون وفِنحاس ويشوع بنُ نون وصموئيل وداوود وإيليّا وإليشاع... فجميعهم أيضًا اختبروا الاضطراب والخوف ورفضوا الدّعوة وطلبوا براهين وضمانات ولكن في النّهاية أصغوا وقبلوا."
وبصلاة قلبيّة اختتم الأب نصر تأمّله متضرّعًا: "أعطنا يا ربّ أن نكتشف رحمتك في حياتنا، وساعدنا أن نفهم إرادتك في يوميّاتنا، فنرى لمساتك وعمق محبتّك اللّامتناهية. إحم وطننا لبنان ونجّه من هذا المخاض العسير الذي يعيشه وشعبه فنمجّد اسمك واسم أبيك وروحك القدّوس إلى الأبد. آمين".