خاصّ– ناصيف: إعملوا إلينا رحمة، لعلّكم تنالون من الله رحمة!
"في مكانٍ قفرٍ ناء، وقع بين أيدي اللّصوص. كان وحيدًا أعزل، يرجفه الخوف؛ رغم ذلك، لم يشفقوا عليه، بل أوسعوه ضربًا وسرقوه كلّ ما يحمل، حتّى ثيابه التي كان يرتديها. وتركوه بين حيّ وميت، تركوا له آخر رمق من حياته. كان يئنّ ويتوجّع، فمرّ لاوي، يسير بسرعة ربّما كي يصل إلى خدمة الحجر في الهيكل، فلم يلتفت إلى بشرٍ على صورة الله ومثاله، لعلّه تأخّر عن فرض عليه أن يتمّمه ويجني منه القليل أو الكثير من المال.
ثمّ مرّ كاهنٌ، هو أيضًا على عجلة من أمره، فربّما عليه دراسة بعض النّصوص في الكتاب المقدّس التي تتكلّم عن رحمة الله وخلاصه للجنس البشريّ. فترك واحدًا من أبناء الله يلفظ أنفاسه الأخيرة، كي يشرح الحرف والكلمة شرحًا فلسفيًّا وعلميًّا ولاهوتيًّا، ونسي أنّ شرح الكلمة تمرّ عبر عمل الخدمة المجانيّة العمليّة، وأنّ الكتاب يقول: "أريد رحمة لا ذبيحة".
وأخيرًا مرّ العدوّ السّامريّ المتّهم بعبادة الأوثان. فرقّ قلبه، ونادته عزيمته وعاطفته تجاه أخيه في الإنسانيّة. لم يكتفِ بالعلاج الموضعيّ، بل التزم بالخدمة التي لم يجبره بها أحدٌ سوى ضميره الشّخصيّ ومسؤوليّته البشريّة تجاه أخٍ له في الإنسانيّة. قدّم كلّ ما يلزم والتزم بتقديم ما ينقص.
فمن من هؤلاء الثّلاثة هو قريب ذلك الذي وقع بين أيدي اللّصوص؟ إنّه الذي صنع إليه رحمة. فقال يسوع: إذهب أنت أيضًا وافعل كذلك!"
وفي الختام توجّه الأب ناصيف بكلمة تعبّر عن ألمنا ووجعنا مناشدًا الحكّام فقال: "فيا حكّام بلادي الذين تقبضون على خناق شعبكم، وتجعلونه بين حيّ وميت، وهو يلهث باحثًا عن الطّبابة والخبز والعلم والعدالة وأبسط سبل العيش، لكنّه لا يجد منكم سوى عدم الاكتراث إلّا بنزواتكم ومصالحكم وأهدافكم الخاصّة التي لا تخدم أحدًا سواكم. ألا قرأتم مرّة واحدة هذه الكلمة وعملتم بضمير أمام أبناء وطنكم؟ ألا تملكون بالأحرى ضميرًا يقول لكم بين الحين والآخر: وأنت أيضًا عليك أن تفعل كما فعل هذا السّامريّ الصّالح الرّحيم مع من يعتبره عدوًّا له؟ إعتبرونا أعداءكم واعملوا إلينا رحمة، لعلّكم تنالون من الله رحمة!"