دينيّة
26 كانون الثاني 2019, 14:00

خاصّ- ناحت وجه مار شربل الثّلجيّ نجا من عمليّة جراحيّة بشفاعة قدّيسه

ريتا كرم
"بهالمطرح لي حافظ وجودك، هالصّخرات لي طريت عا دعساتك، بالمحبسة لي حجار حيطانها ما بتنسى إيدك كل ما فتحت الباب وفتت يسندك كفّك عا حيط المحبسة ويستند خدّ المحبسة عا بوسة كَفّك، بهالمطرح لي من وقتها بعدو فيه الصّمت نفسو، وبعدو التّراب نفسو، وبعدو السّنديان نفسو، الأخضر واليابس كلّو بيشهد لك..." "بهالمطرح" اختار شربل شمعون أن يسكر بالله مثل "بيّو الختيار" شربل، وأن يترجم تعلّقًا قديمًا بشفيعه، ليس فقط بكلمات نحتها بريشة الإيمان، بل أيضًا بتمثال من الثّلج لمار شربل يبثّ دفءًا وحرارة في قلب النّاظر إليه، تمثال يجسّد وجه حبيس عنّايا من دون أن يفوّت ناحته أيّ تفصيل من ملامحه، تمثال اختار شمعون أن تظلّله أشجار محبسة مار بطرس وبولس، ونور القداسة ينبعث من سراجه الّذي توّج التّحفة الفنيّة.

 

هو إذًا تمثال مار شربل الثّلجيّ الّذي ضجّت به مواقع التّواصل الاجتماعيّ في الأيّام العاصفة الماضية، وهو ليس التّمثال الأوّل لشربل شمعون الّذي يتداوله روّاد العالم الافتراضيّ، بل وكما يخبر الفنّان التّشكيليّ، ابن زحلة (41 عامًا)، في حديث خاصّ لموقع "نورنيوز" الإخباريّ، أنّه تمثاله الثّامن الّذي يعكس فيه تكريمه لمار شربل بين عنّايا وبقاعكفرا والسّويد أيضًا بتجربة وحيدة.  

قصّته مع شربل لم تأتِ من العدم، فهو أوّلاً يحمل اسمه ما يحمّله مسؤوليّة كبيرة بتعبيره، وثانيًا هو حاصد أكبر نعمة في حياته، نعمة الشّفاء بشفاعة مار شربل عندما كان لا يزال في الخامسة من العمر. وفي تفاصيل الأعجوبة، عانى شمعون إثر حادثة فرديّة، من ثقب في طبلة الأذن، ما استدعى إجراء عمليّة جراحيّة لإعادة لحمها، غير أنّ إبن الخمس سنوات الّذي نما وفي قلبه تعبّد كبير لطبيب السّماء، طلب شفاعته ووعده أن يرتدي ثوبه لفترة طويلة. ولأنّه ليس من شيء مستحيل عند الله، تحقّقت الأعجوبة وكان الشّفاء! شفاء كشف الطّبيب عنه يوم قصده شربل برفقة والديه لإجراء صورة وتحديد موعد للعمليّة، وأعلنه للعائلة فورًا فالطّبلة أعيد لحمها بطريقة عجيبة، طريقة لا يزال صداها يتردّد لغاية اليوم ويثير الدّهشة، لأنّ طريقة تنفيذها غريبة جدًّا عن الطّريقة الطّبّيّة، ما يؤكّد لمسة مار شربل الاستثنائيّة.

إذًا، تلك النّعمة كانت في أساس الزّرع الرّوحيّ الّذي قوّى الرّابط مع ناسك عنّايا، رابط بدأ يترجمه على أرض الواقع بالصّدفة، ومن خلال موهبته وفنّه، اعتبارًا من العام 2013. يومها قصد دير مار مارون برفقة أولاد أخيه، وراحوا يصنعون تمثال مار شربل الأوّل بدلاً من رجل الثّلج، وسط أجواء من التّرنيم والصّلاة. تلك كانت صلاته، وأكثر رسالته الّتي كان يؤدّيها ويقدّمها لله. وهكذا كرّت سبحة الصّلاة الفريدة الخاصّة بشربل شمعون وكان آخر أبياتها وجه مار شربل وسراج النّور اللّذين أدفآ برد كانون وأسكنا عواصفه.

شربل لم يمتلك من "عدّة العمل" سوى مجرفة، المعروفة بالعامّيّة بـ"الرّفش"، استعان بها للتّفاصيل الكبيرة، ومغرفة المعروفة بالعامّيّة بـ"الكفكير" استعارها من مطبخ والدته لينحت بها العيون والأنف والذّقن وما سواها من الملامح الصّغيرة؛ فضلاً عن إحساس كبير بـ"القدّيس الّذي مات من مئات السّنين ولكن لا يزال دمه حيًّا، بقدّيس يسمعني ويراني من دون أن أراه، وهو ما يخلق لديّ هاجس أن أعكس صورته بطريقة تشبهه"، إحساس يبرز مدى اشتياق النّحّات إلى ناحت الإيمان في قلوب الملايين من البشر حول العالم، فتراه يسعى إلى الكمال في كلّ مرّة أخذ حفنة ثلج باردة وحوّلها إلى وجه شربل الدّافئ في عمل اعتاد أن يدعو إلى مشاركته به أصدقاءه عبر "فيسبوك"، فيقصدون معًا الدّير تلبية لدعوة الرّبّ له كي يسكروا به على مثال مار شربل.

شربل شمعون الّذي أتمّ مهمّته بنجاح بعد أربع ساعات من العمل الجادّ متخطّيًا أحوال الطّقس ونتائجه الصّحّيّة عليه بخاصّة أنّه كان لا يزال يتعافى من نزلة برد قاسية، قد أتمّ العمل بعناية أكيدة من مار شربل.    

هذا التّمثال الثّلجيّ، وبعيدًا عن أيّ مبالغة، لم تذبه الشّمس بعد خمسة أيّام، ولم تؤثّر به هبّات الهواء، بل كان لا يزال صامدًا في محبسة العجايب حتّى الاثنين مساءً، صمود أكّده لنا شربل شمعون بالصّور المرفقة مع المقال، إذ قصد الأخير عنّايا مساءً "ليسرق من مار شربل بركة"، وليضع لمساته على وجه شفيعه، قبل أن تتدفّق إلى عنّايا اليوم حشود المؤمنين في المسيرة الإيمانيّة الكبيرة الّتي تعبّد الطّريق من المحبسة باتّجاه الدّير في كلّ 22 من الشّهر.

وهكذا في هذا المكان المقدّس، حيث السّماء على الأرض، ترك شربل شمعون عمله الثّامن من هذا النّوع، مرتشفًا من نفس الكأس الّذي أسكر شربل مخلوف بالله، ناحتًا على صخر الإيمان من دون خجل أمنية قلبه الدّفينة القائلة: "يا ريت فيّي ضلّ هون بمطرحك صلّي، ومتلك إنسى كلّ المطارح تَ دوب بهالمطرح!".