دينيّة
03 تشرين الثاني 2019, 08:00

خاصّ- من ابن الإنسان في قولكم؟

غلوريا بو خليل
تبدأ اليوم السّنة الطّقسية حاملة بطيّاتها سبعة أزمنة، لتشكّل حلقة متكاملة محورها السّيّد المسيح شمس الكون. سنة ينير خلالها المسيح كنيسته ويملأها من دفء حرارة محبّته، ويحييها من فيض نعمه ومن روحه القدّوس. سنة طقسيّة تبدأ بأحد تقديس البيعة، ولهذه المناسبة كان لموقعنا حديث خاصّ مع نائب رئيس رعيتيّ مار أليشاع وسيدة بزعون في بشرّي الرّاهب المارونيّ المريميّ الأب دومينيك نصر شرح لنا من خلاله إنجيل هذا الأحد، فقال:

 

"هذا الأحد هو بدء السّنة اللّيتورجيّة في كنيستنا المارونيّة وهو أحد تقديس البيعة والأحد القادم هو أحد تجديد البيعة، وهذان الأحدان  يسبقان زمن الميلاد المجيد.

في هذا الأحد المبارك يركّز إنجيل القدّيس متّى (16/ 13 - 20) على سؤال يسوع لتلاميذه "من ابن الإنسان في قول النّاس؟" و"من أنا في قولكم أنتم؟""

 

وللتّعمّق أكثر في الإنجيل وأبعاده، تحدّث الأب نصرعن أهميّة منطقة قيصريّة فيليبّس ففسّر: "كان موقع قيصريّة فيليبّس مميّزًا لأنّها كانت تقع على قاعدة منحدر حيث كان يجري ينبوع ماء. في وقت من الأوقات، كان يجري الماء مباشرة من عين على مدخل كهف في سفح المنحدر. قيصريّة فيليبّس كانت بمثابة منطقة خطّ أحمر في عالمهم واليهود الورعون كانوا يمتنعون عن الاتّصال بالأعمال الدّنيئة التي كانت تقام هناك. كانت مدينة يطرق فيها الشّعب بشدّة على أبواب الجحيم إذ كان هناك باب واسع مكتوب عليه "باب الجّحيم"، وكان كلّ من يخالف إرادة الإله والملك يعبره ليأتي إله "الموت" ويأخذ روحه. لذلك قال يسوع لبطرس "وأبواب الجّحيم لن تقوى عليك"، أيّ الكنيسة سوف تقضي على إله الموت. كما قيل في رسالة بولس الرّسول الأولى إلى أهل قورنتس (15: 26): "وآخر عدوٍّ يُبيده هو الموت"".

وعن "من هو ابن الإنسان؟" و"لماذا يُشبَّه يسوع أكثر من 83 مرّة في الإنجيل بـ "ابن الإنسان"؟"، أوضح الرّاهب المريميّ: "رأى دانيال النّبيّ (دا 7: 13-14) مشهد "مثل ابن الإنسان" فيقول "كُنْتُ أَنظر فِي رُؤياي ليلًا فإِذا بمثْل ابْنِ إِنْسَانٍ آتٍ على غمام السَّماء فبلغ إلى قديم الأيّام وقُرّب إلى أمامه. وأُوتيَ سلطانًا ومجدًا ومُلكًا فجميع الشّعوب والأمم والألسنة يعبدونه وسلطانه سلطان أبديّ لا يزول ومُلكه لا ينقرض". وهنا نرى هذا الكائن السّمائيّ الذي رآه دانيال النّبيّ "مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ" له عدَّة صفات لا يُمكن أنْ تكون لإنسانٍ أو ملاكٍ أو أيّ كائنٍ مخلوقٍ، إنّما هي خاصَّة باللَّه وحده! فقد أُعطي "سُلْطَانًا وَمَجْدًا وَمَلَكُوتًا لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ."

وأكمل: "هذا اللّقب كان يحبّه جدًّا يسوع المسيح لأنّه يعبّر عن صدق رسالته وهدف تجسّده، هو الذي أخذ الطّبيعة الإنسانيّة لإتمام الوعد، ألا وهو خلاص الإنسان وإرجاع الملك لله الحيّ.

ولما سأل يسوع سؤاله ردّد التّلاميذ ما يقوله النّاس، فمثلًا هيرودس قال إنّه يوحنّا المعمدان (مت 2:14)، وهناك من قالوا إنّه إيليا أيّ إنّه السّابق للمسيح (ملا 5:4)، وآخرون تصوّروا أنّه واحد من الأنبياء لأنّ موسى تنبّأ بأنّ نبيًّا مثله سيأتي لهم (تث15:18).

وهنا يأتي سؤال يسوع القويّ والجريء كأنّه يقول لهم: "قد أخبرتموني ما يقوله النّاس، والآن أنتم من تقولون أنّي أنا؟".

لم يستطع أن يجيبه أحد إلّا من أُعطي له السّلطان من الآب أن يقولها: "أنت المسيح ابن الله الحيّ"، هنا نرى الإعلان بالثّالوث الأقدس بواسطة الرّوح القدس. وليس بمقدور أحد أن يقول يسوع ربّ إلاّ بالرّوح القدس (1كو 3:12 / يو 14:16). إيماننا بالمسيح، ومعرفتنا بالمسيح هو إعلان إلهيّ يشرق به الآب بروحه القدّوس."

 

أمّا عن الإعلان لسمعان ابن يونا بأنّه الصّخرة وعلى هذه الصّخرة سوف يبني بيعته فقال الأب نصر: "الصّخرة تدلّ على الثّبات والجذور الصّلبة. يسوع اختار سمعان ابن يونا المندفع والمتهوّر في بعض الأحيان، لأنّ يسوع لا ينظر إلى الإنسان من الخارج بل يحدّق وينظر إلى عمق الإنسان. وهو يعرف أنّه سوف يثبت إخوته عندما يموت ويقوم ويصعد إلى السّماء. هنا يسوع يعطيه الطّوبى لأنّه سمع لصوت الآب. كما سوف يقول في الفصل ذاته (16: 22 و 23): "فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره قائلاً حاشاك يا ربّ لا يكون لك هذا. فالتفت (يسوع) وقال لبطرس اذهب عني يا شيطان أنت معثرة لي لأنّك لا تهتم بما لله لكن بما للنّاس"، فهو أعطى السّلطة، الحلّ والرّبط ليس فقط لسمعان بطرس بل لكلّ الكنيسة. وهنا يعلن يسوع سرّ التّوبة والاعتراف. وإذا أردنا التّعمق أكثر، نرى أنّ يسوع يُطيع إرادة الكنيسة والمؤمنين ويحمّلهم ثقل عملهم وإرادتهم."

واختتم الأب نصر متحدّثًا عن مفاتيح ملكوت السّماوات فشرح: "مفاتيح ملكوت السّماوات هي أسرار الكنيسة. من يُمارس أسرار الكنيسة تكون له الشّراكة في مجد الله والاتّحاد فيه.

هذا الأحد هو عيد كلّ المعمّدين الذين هم حجارة الكنيسة وثباتها. كلّ معمّد منّا هو حجر أساس يثبّت الكنيسة ويحملها. لذا لا يمكننا أن نأخذ مكان غيرنا لأنّنا سوف نشوّه صورة الكنيسة، ولا يمكننا أن نكون غير مبالين بموقعنا فسوف يظهر النّقص. وكما يُقال في اللّيتورجية المارونيّة "الأقداس للقدّيسين"، إذًا نحن جميعنا قدّيسون عند اتّحادنا بالقدّوس الوحيد الذي هو يسوع المسيح مخلّصنا ومصدر حياتنا."