دينيّة
23 شباط 2022, 08:00

خاصّ- لماذا نرفع الزّفر في "أحد المرفع"؟

ريتا كرم
يبدأ الأسبوع المقبل زمن روحيّ جديد في الكنيسة. زمن عميق في معانيه، غنيّ في ليتورجيّته ومتخشّعٌ في إنسانيّته. هو زمن الصّوم المبارك. زمن عبّر عن روعته في كلمات منحوتة بإلهام من الرّوح القدس الرّاهب المارونيّ المريميّ الأب جوزيف أبي عون، فكان منه لموقعنا تأمّل وشرح في بداية مسيرة العبور وفي أحد المرفع.

مع هذا الزّمن اللّيتورجيّ الجديد، يقول الأب أبي عون، "تنحني الكنيسة بتواضع وتدخل مع عريسها يسوع في مسيرة صوم وصلاة وصدقة في سبيل الارتقاء الدّاخليّ والتّأهّل لرؤية الله بقلوب نقيَّة. فما أجملها كنيسة يسوع، في مستهلّ زمن الصّوم، إذ تخلع عنها ثياب البهجة والألوان تحبّبًا بعريسها السّماويّ، وترتدي وشاح التّجرّد والاتّضاع، لتسير معه قدُمًا في برّيّة انتصاره على التّجربة من أجل الإنسان".

في هذا الزّمن، دعوة إلى التّمثّل بيسوع والحفاظ على هذا الإرث الغنيّ بالرّوح والإحسان، وإلى الانتصار على تشوّهات الخطيئة فينا وتجديد صورة يسوع وجماله. وفي مسيرة الأربعين يومًا، تأمّل في فعل الحبّ الّذي بذله يسوع بعد اعتماده في نهر الأردنّ واعتلانه للجموع، إذ يشرح الأب أبي عون أنّ يسوع "ذهب إلى الخفاء في البرّيّة، إلى الأرض القديمة الّتي سقط فيها الإنسان الأوّل بانصياعه للشيّطان وعصيانه لله، ليصوم هناك ويصلّي. أربعون نهارًا وأربعون ليلة صام يسوع ولَم يأكل شيئًا. وعندما جاع في ختامها، بدأت المعركة المنتظرة منذ أجيال مع الشّيطان للانتصار حيث سقط الإنسان الأّوّل وإعادة الحرّيّة المسلوبة له وحقّه في الحياة... فانتصر بالصّوم والصّبر والحبّ! وبتغلّبه عليه، جدّد أرضنا العطشى لماء الحياة الحقّة، مفتتحًا بذلك عهدًا جديدًا مع الله، عهد يسوده الحبّ والطّاعة البنويّة والعلاقة الأخويّة الشّاملة بين أبناء البشر".

وإنطلاقًا من هذه الرّوحانيّة، يشدّد الأب جوزيف أبي عون على أنّ "الصّوم عن الأكل والشّرب أو الامتناع عن بعض الأطايب المرغوبة، هو فعل إرادة حرّة من عمق حشا حبّنا تجاه من صام في سبيلنا، فقط لأنّه أحبّنا ويحبّنا. وجمال صومنا وقدرتنا على تحمّله، لا يثبتان إلَّا بمقدار ما نبقي أنظارنا متّجهة صوب صوم المسيح".

واليوم، وفي ختام أسبوع الموتى المؤمنين المعروف أيضًا بأسبوع "المرفع"، تجتمع العائلات في "أحد المرفع" خاتمة هذا الأسبوع بتقليد شعبيّ يحيي روح الجماعة ويرسّخ حضور العائلة في مجتمعنا ويترجم فرح اللّقاء. أمّا عن تسميته فيوضح الأب أبي عون أنّ خلاله "ترفع الكنيسة منع أكل اللّحمة عن يومي الأربعاء والجمعة، داعيةً أبناءها المؤمنين المسيحيّين إلى عيش بهجة العيد في لقاءات العائلات والأصدقاء قبل الدّخول في زمن الصّوم المبارك والانقطاع عن مظاهر العيد وأكل اللّحمة والبياض". ويشدّد على أنّه في ترتيب الولائم "من خميس الذّكارى أو السّكارى، إلى أحد المرفع، يسوع حاضر في وسط شعبه وبرفقته أمّه مريم، يشاركهم أفراحهم وضحكاتهم وأساريرهم. وعند الحاجة، وَمِمَّا لا شكّ فيه، ستعود مريم الحاضرة بفعاليّة كما في عرس قانا الجليل، للتّدّخل والطّلب من ابنها يسوع من أجل إكثار خمرهم واستكمال العيد… فمعه تكتمل أعيادنا وبشفاعة "سيّدة الفرح" لا نخاف على أفراحنا".

لذلك، طالما أنّ فرح الرّبّ يجمعنا، لا حرج ولا حياء في الاحتفال معًا حول مائدة تملؤها ما توفّر من المأكولات والأطايب والّتي لعلّ الكثيرون تراهم محرومين منها هذا العام أيضًا بسبب  الضّيقة المادّيّة والأزمة الاجتماعيّة والوبائيّة. لذا، ومع دعوة الأب جوزيف أبي عون نختتم ونقول: إفرحوا يا أهلنا في هذا الأسبوع بلقاءاتكم العائليّة، وعيشوا فرح الرّبّ في الصّوم بالخشوع والصّلاة والتّوبة وبتجديد أنظارنا وأفكارنا وحبّنا على ذوق المسيح!"... وأحد مرفع مبارك!