دينيّة
06 آب 2022, 07:00

خاصّ- كيف شرح الأب نصر تجلّي الرّبّ؟

نورسات
"في أواخر القرن الخامس بدأت الكنيسة تحتفل بعيد التّجلّي. نعيّده في السّادس من آب/ أغسطس لأنّ القدّيس يوحنّا فم الذّهب يذكر أنّ التّجلّي حصل قبل أربعين يومًا من الصّلب، الذي نحتفل فيه (عيد الصّليب) في 14 أيلول/ سبتمبر". بهذه المقدّمة عن تاريخ بدء عيد الرّبّ استهلّ مسؤول مكتب الدّعوات في الرّهبانيّة المارونيّة المريميّة الأب دومينيك نصر شرحه اللّيتورجيّ لهذا العيد لموقعنا.

وتابع: "الإنجيليّون الثّلاث الإزائيّين يخبروننا عن حدث التّجلّي، وهذا ما يدل على أهميّة هذا الحدث في حياة جماعة الكنيسة الأولى.

أوّلًا، معنى كلمة تجلّي في المعجم اللّغة العربيّة هو "ظَهَرَ وَتَكَشَّفَ"، أمّا في اللّغة اليونانيّة كما أتت في النّصّ الإنجيليّ هو(METEMORPHON) μετεμορφώθη  أيّ "ما هو أبعد من الشّكل". أمّا الرّسول بولس في رسالته إلى أهل روما (رو 12: 2 ) فاستعمل عبارة  μεταμορφοῦσθε metamorfoústhe  أيّ "تغيّروا عن شكلكم".

الفرق كبير جدًّا بين الكلمتين، فالأولى تعني تغييرًا جذريًّا في العمق، تغييرًا كلّيًّا، أمّا الثّانية فهو تغيير خارجيّ فقط.

يدعونا الرّبّ بحدث التّجلّي إلى خوض مغامرة الاكتشاف عن عمقه وحقيقته الإلهيّة والإنسانيّة الكاملة.

كما يظهر لنا صعوبة وصف الحدث من قبل الإنجيليّين، إذ يقولون "وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ"، إنّه وصف بشريّ ناقص لحدث إلهيّ كامل. وجه الرّبّ يسوع وثيابه يدلّان على حدث القيامة المرتقب.

نور الرّبّ لا يمكن إلّا أن يعكس على أبناء النّور، فهو النّور من النّور ومصدر الحياة. مَن يتّحد بالنّور ينال الحياة الأبديّة ويُصبح مسكنًا للملكوت. لذا يقول الرّبّ "إِنَّ بَعْضًا مِنَ القَائِمِينَ هُنا لَنْ يَذُوقُوا المَوْت، حَتَّى يَرَوا مَلَكُوتَ اللهِ وقَدْ أَتَى بِقُوَّة".

يدخل الرّبّ الإله إلى كوكب الإنسان في يوم خلقه، في عدد النّقص، لذا يقول الإنجيليّ "وفي اليوم السّادس"،  لكيّ هو بذاته يكمّل أيّام الإنسان وحياته. كما يفسّر لنا أوريجانوس المصريّ الأصل من اللّاهوتيّين الكبار (185 - 254) ويقول "إنّ المؤمن لا يقدر أن يرتفع مع السّيّد المسيح على جبل طابور لينعم بالتّجلّي ما لم يعبر الأيّام السّتّة التي فيها خلق الله العالم المنظور. فمن يرغب في أن يأخذه يسوع، ويصعد به إلى جبلٍ عالٍ، ويتأهّل لرؤية تجلِّيه منفردًا، يلزمه أن يجتاز الأيّام السّتّة، فلا يرى المنظورات ولا يحبّ العالم ولا الأشياء التي فيه، ولا يرغب في شهواته التي هي شهوات الجسد، ولا يطلب غنى الجسد ومجده"."

وتابع: "بطرس ويعقوب وأخاه يوحنّا كانوا شهودًا على ثلاث أحداث، "إحياء ابنة يائيروس (مر 5: 37) ونزاع يسوع في بستان الزّيتون قبل الصّلب (مر 14 : 33) واليوم حدث التّجلّي. عند الشّريعة الموسويّة لكي تكون الشّهادة حقيقيّة يجب أن تكون شهادة إثنين أو ثلاثة وما فوق. ربما اختارهم لأنّ بطرس هو رأس الكنيسة نائب يسوع المسيح بالرّغم من أنّه أنكره ثلاث مرّات، ويعقوب هو أوّل أسقف على أورشليم وأوّل شهداء الرّسل، ويوحنّا هو التّلميذ الذي شهد على كلّ الأحداث حتّى الصّلب والموت وهو الوحيد الذي لم يُستشهد بل مات في المنفى.

موسى وايليّا هما الشّاهدين من العهد القديم، الأوّل ممثّل الشّريعة والثّاني الأنبياء. فهما شهدا عن حقيقة دعوة يسوع وآلامه وموته وقيامته، إذ هما على إدراك تامّ أنّ وظيفتهما قد انتهت وعمل الشّريعة ودعوة الأنبياء قد تمّت. ومع الرّسل الثّلاث أصبح العهدين شهودًا على ألوهيّة المسيح ودوره.

سُمِعَ صوت الآب مرّتين، أوّلًا في بداية حياة يسوع العلانيّة، المعموديّة، والثّانية اليوم في التّجلّي. في الموقعين استخدم العبارة نفسها، "هذا هو ابني الحبيب"، في حدث المعموديّة أكمل وقال "... الذي به سررت" وفي حدث التّجلّي "له اسمعوا". تدخّل الرّبّ الآب في البداية معلنًا سروره بابنه الوحيد وفي حوالي أواخر أيّام وجوده على الأرض للسّماع له.

كأنّ صوت الآب يريد أن يفسّر ويضع السّكّة في مكانها بعدم مساواة الله الابن المتجسّد مع أيّ إنسان ولو كان موسى أو إيليّا. فهو أكثر من مجرّد نبيّ أو صانع معجزات أو قريب من الله، إنّه الله بحدّ ذاته.

بطرس بانبهاره بما رأى، من الظّاهر أنّه لم يعد يدري ماذا يقول. لا يريد شيء سوى ألّا يفقد هذا المشهد الإلهيّ، لا يريد أن ينتهي، يريد فقط البقاء والاستمتاع به. إنّه يمثّل كلّ شخص منّا عندما نلمس يسوع في حياتنا. نرفض أن نرجع إلى واقعنا، نطلب البقاء مع هذا الظّهور الإلهيّ. أمّا الرّبّ فيقول لنا "كلا" قبل أن تجلس وتتمتّع بالنّظر إليّ (أيّ في الملكوت) يجب أن تنزل إلى أورشليم حياتك، أيّ حمل صليبك وانتصارك عليه والتّجرّد من كلّ ما هو أرضيّ، فالموت مع المسيح للقيامة مع المسيح."

وإختتم الأب نصر شرحه التّأمليّ مصلّيًا: "يا ربّ، في يوم تجلّيك هذا، نحن نرفع نظرنا إليك متشوّقين لقاءنا معك ونقف منبهرين ببهاء جمالك ولكن قبل هذا اليوم المنتظر نطلب منك أن تهب لكلّ واحدٍّ منّا النّعمة الضّروريّة كي نخوض هذه الحرب الرّوحيّة ضدّ الأنانيّة والضّعف البشريّ والاستسلام لعدوّك اللّدود بعيش المشورات الإنجيليّة وتعاليم الكنيسة المقدّسة والاشتراك الدّائم بوليمتك الإفخارستيّة. فنبدأ بتمجيدك على الأرض وبتمجيد أبيك المبارك وروحك الحيّ القدّوس لكي في الوقت المناسب نُكمل تمجيدكم في الملكوت السّماويّ برفقة أمّنا العذراء مريم وجميع القدّيسين والأبرار والصّدّيقين إلى الأبد، آمين."