خاصّ– عبّود: لا يمكن أن نثمر من دون معونة الرّبّ
""خرج الزّارع يومًا ليزرع زرعه" (لو8: 5)، خرج الزّارع السّماويّ وما زال يخرج كلّ لحظة ليزرع كلمته فينا، وهنيئًا للأرض الصّالحة الّتي يهيّئها صاحبها لاستقبال كلمة الحياة، فيحرثها ويحرسها، وينزع منها كلّ شوك يمكن أن يخنق كلمة الحياة النّازلة من السّماء حياة للعالم وقوتًا له.
هكذا، في الأرض الطّيّبة تموت البذرة- الكلمة، لتنبت فيما بعد نازعة عنها القشرة الخارجيّة، وتطلق أوراقها الخضراء لتتغذّى بالهواء ونور الشّمس، وما هذا الهواء إلّا يسوع نسمة الحياة فينا، "ولست أنا الذي يحيا، بل المسيح يحيا فيّ" (غل 2: 20)، وما النّور سوى يسوع "نور العالم" (يو 8: 12)، وهو ضياء الحقيقة في داخل كلّ منّا، حتّى إذا حان الموعد أثمرت وكان الثّمر وفيرًا جدًّا، على مثال حبّة القمح التي إن ماتت أتت بثمار كثيرة.
ومريم العذراء كانت تلك الأرض الصّالحة التي استقبلت الكلمة في أحشائها، وكما قال "مريم حبلت من أذنيها". مريم هي تلك الأرض الطّيّبة الّتي استقبلت الكلمة بطاعة وحرّيّة الإبنة لأبيها، ولم تتوانَ يومًا عن الاعتناء بهذه الأرض الدّاخليّة النّقيّة، وذلك بالصّلاة والتّأمّل في قلب واقعها الأموميّ والاجتماعيّ والدّينيّ، حتّى استحقّت مريم - الأرض الصّالحة أن تكون إلى جانب ابنها يسوع في المجد السّماويّ، لتكون الملكة دائمًا عن يمين الملك في الأخدار السّماويّة."
وإختتم الخوري عبّود حديثه بكلمة توجيهيّة قال فيها: "وعلى مثال مريم والدة الله، نحن مدعوون بنعمة الرّوح القدس السّاكن فينا بصمت لنكون دائمًا تلك الأرض الصّالحة والمهيّأة في كلّ وقت لاستقبال الكلمة في عمق أعماقها، كي تثمر بوفرة في هذا العمق، تثمر تغييرًا يتّجه دائمًا نحو الله والإنسان الآخر بحبّ وفرح كبيرين، ولا يمكن أن نثمر من دون معونة الرّبّ الذّي يهيّئ هذا الدّاخل ليثمر، ويتغذّى ويغذّي الآخرين بالكلمة، الخبز النّازل من السّماء (يو 6: 33) غذاء للبشريّة جمعاء، فلا تجوع ولا تعطش بعد ذلك."