دينيّة
19 آب 2018, 07:00

خاصّ- النّفس السّائرة في طريق الرّبّ لا تتعب ولا تُتْعِب

غلوريا بو خليل
للتّعمّق في إنجيل الأحد الرّابع عشر من زمن العنصرة للقدّيس لوقا (10: 38 - 42)، كان لموقع "نورنيوز" الإخباريّ حديث خاصّ مع الأب ميشال عبّود الكرمليّ استهلّه بتأمّل قال فيه: "بإنجيل مريم ومرتا، نتأمّل سرّ الله وسرّ الإنسان، سرّ تلك العلاقة بين الله والإنسان، ورغبة الله أن يسكن لدى الإنسان."

 

واستطرد قائلًا: "في فجر الكون طرد الإنسان نفسه من عند الله بالعصيان على كلامه وسماعه لصوت الشّرّير وما برح الله يبحث عن الإنسان ليعيده إليه بإرساله الأنبياء بطرق شتّى، وفي ملء الزّمن تجسّد، وصار عمّانوئيل الله بيننا يسوع المسيح، يسير على طرقات حياتنا، يدعونا لنقبل الملكوت، يدعونا لنقبل الملكوت ونعيش فيه. وها هو في تطوافه بين أورشليم والجليل يدخل بيت عنيا وتستضيفه امرأة اسمها مرتا، إنّها لعظيمة، الرّبّ يهمّها وتريده أن يرتاح، فليتفضّل ويرتاح في قلبها، في منزلها، وهي تقضي كلّ وقتها كي تخدمه، وهي بذلك، تمثّل الكثير من الأشخاص الّذين طلبوا أن يدخل الله إلى حياتهم. وهكذا كان، أرادوا أن يخدموه، أرادوا أن يدافعوا عنه، ولكنّهم للأسف، انشغلوا بمشاغل كثيرة ونسوا الله، لأنّ الحكمة تقول: لا تنشغل عن حبيبك بحجةٍ أنك تعمل من أجله. فلو دخل الله وذهبت مريم ومرتا إلى المطبخ تُعدّان له الطّعام، لجلس وحده، ولو جلست الإثنتان معه لبقيَ من دون طعام. توزّعت الأدوار وإنّما النّفسيّات اختلفت، فمرتا نسيَت حبّ أختها ونسيت لمن تعمل وكيف يريدها أن تعمل، فهي تأتي وتعاتب الرّبّ كيف لا يقول لأختها بأن تأتي وتساعدها، والرّبّ عندما أجابها، لم يقل لها إنّ ما تقومين به لا ينفع بشيء وإنّما قال لها: "مرتا، مرتا، إنّك في همّ وارتباك بأمور كثيرة، مع أنّ الحاجة إلى أمر واحد."

إنطلاقًا من كلّ ذلك يضعنا الأب الكرمليّ أمام ذاتنا متسائلًا: "كمّ مرّة نعمل بهذه الحياة ونضطرب ونقلق؟ كمّ مرّة نعمل بهذه الحياة "نربّح الله منّيّة"؟ كم مرّة نعمل في هذه الحياة ولا ننتبه إلى هدف حياتنا؟ فالعمل هو فرصة، والخدمة هي فرصة، وهي فرصة لنحضّر زوّادتنا هنا على الأرض، ألم يقل يسوع نفسه: "إنّ أبي ما زال يعمل، وأنا أعمل أيضًا" (يو5: 17)، فالمشكلة لا تكمن في العمل كعمل، المشكلة تكمن في روحانيّة العمل وفي روحانيّة العامل."

وأردف الأب عبّود: "الرّبّ يقول: "إختارت مريم النّصيب الأفضل ولن يُنزع منها"، لأنّ الإصغاء إلى كلام الله يجعل الإنسان يغوص في سرّ أعماق الله، الإصغاء إلى كلام الله يجعل هذه الكلمة تدخل إلى عمق النّفس وتثمر، فتكون كحبّة الخردل التي تُزرع في الأرض الطّيّبة تنمو وتكبر وتأتي طيور السّماء وتعشعش في أغصانها، ويعجز أيّ إنسان أن يقتلع هذه الشّجرة، لأنّها مغروسة في أرض طيّبة، هذا هو الإصغاء لكلمة الله الّذي اختارته مريم."

واختتم الأب عبّود تأمّله بكلمة تعليميّة إرشاديّة فقال: "في هذا الإنجيل، يعلّمنا لوقا الإنجيليّ أنّ على الرّسول كي يتكلّم عن الله يجب أن يتكلّم مع الله، فكيف تتكلّم عن شخص لا تعرفه، لم تجالسه، لم تصغ إلى صوته، لم تعرف كلماته وعمق صدق وجهه؟ في الصّلاة نغوص في هذا السّرّ ونتأمّل نظرات الله التي تنظر إلينا، نتأمّل يد الله التي تقودنا وتدفعنا وتمدّنا بكلّ يد مساعدة، فنمشي في الحياة ونعمل من أجله ونرى وجهه في كلّ إنسان، فلا نخاف ولا نتعب. إنّ النفس السّائرة في طريق الرّبّ لا تتعب ولا تُتْعِب، فهذه هي حال من يختار نصيبه.".