دينيّة
21 آذار 2021, 08:00

خاصّ – الخوري عزّام: "رحماك يا ابن داود!"

غلوريا بو خليل
"رحماك يا ابن داود!" صرخة من القلب والوجدان صرخها ذاك الشحّاذ طالبًا نعمة البصر والبصيرة لينطلق مع المسيح تلميذًا وشاهدًا. هذا ما ينصّ عليه إنجيل أحد آية شفاء الأعمى للقدّيس مرقس (10/ 46 – 52) في زمن الصّوم الأربعينيّ المبارك. ومن منّا اليوم لا يصرخ على غرار ذاك الأعمى طالبًا الرّحمة والخلاص في هذا الزّمن المؤلم الذي نمرّ به؟ ولكن لأنّنا نؤمن بأنّ لنا أبٌ رحوم ومحبّ، ربّما نضعف ولكنّنا لا نخاف. لذا، من هنا كان لنا حديث معمّق مع أستاذ الكتاب المقدّس في كليّة اللّاهوت الحبريّة - الكسليك الخوري جان عزّام ليضعنا على المسار الصّحيح فنفهم أبعاد هذا اللّقاء الاستثنائيّ ونتعلّم منه.

"يبدأ الحدث بمشهد يسوع، وهو خارج من أريحا، ومعه تلاميذه وجمع كبير، وبمشهد برطيماؤس الأعمى الذي كان يستعطي الحسنات وهو جالسٌ إلى جانب الطّريق. مشهدان إذًا: من جهة، يسوع مع جموع متحمّسة لمرافقته في دخوله إلى المدينة المقدّسة، حيث سينادون به ملكًا سياسيًّا يستعيد المملكة المفقودة (مر 11: 9-10). ومن جهة ثانية، مشهد برطيماؤس التّعيس في عماه واستعطائه كشحّاذ بعض الشّفقة وبضعة دراهم!  ولكنّه يبدأ بالصّراخ: "رحماك يا ابن داود"، وذلك بعد أن سمع بأنّ الذي يمرّ من قربه هو يسوع النّاصريّ!" بهذه المقدّمة استهلّ الخوري عزّام حديثه.

وتابع: "إنّها المرّة الأولى التي لا يطلب فيها حسنة مادّيّة، بل رحمة مسيحانيّة! نعم، لأنّ لقب ابن داود، هو لقب المسيّا بامتياز لدى اليهود المنتظرين خلاص الرّبّ في آخر الأزمنة. وكلمة رحمة تأتي من كلمة "رِحَميم" أيّ الرَحِم، حيث يتكوّن الجنين ليولد للحياة! ورحمة الله هي في أن يُعيد الإنسان المائت بخطاياه إلى أحشاء رحمته، فيولده من جديد ويبرّره!" 

وأردف: "في المشهد الثّالث يزداد الأعمى صراخًا، مردّدًا التّوسّل نفسه: "رحماك يا ابن داود!"؛ وعندما توقّف يسوع ودعاه إليه، تخلّى عن ردائه، الذي هو ضمانته الوحيدة، في البرد والحرّ، لأنّه رأى في يسوع ضمانة أعظم لحياته! وهنا يصير الحوار بين الأعمى ويسوع، فيسأله: ماذا تطلب؟ وهو يجيب أن أبصر من جديد!".

إذًا هذا الأعمى كان يبصر وقد فقد البصر، وهو يريد أن يبصر من جديد! ولأنّه آمن بأنّ  يسوع هو المسيّا، آمن بقدرته لا على شفائه من عمى الجسد وحده، بل على أن يعيد إليه البصيرة أيّ الإيمان! والبرهان على ذلك، أنّه لم يكتفِ بأن استعاد البصر الجسديّ، بل "تبعه في الطّريق". لقد شفى الرّبّ الكثيرين، ولكنّ قليلين هم الذين صاروا تلاميذه؛ أمّا هذا الأعمى فقد كانت رغبته العظمى، حين طلب الرّحمة، بأن يصبح تلميذًا للرّبّ، وبأن يتبعه في طريق الإيمان."

وإختتم الخوري عزّام بكلمة تعليميّة نحملها زوّادةً لحياتنا، فقال: "اليوم أيضًا هناك كثيرون يزورون الأماكن المقدّسة، ويرغبون في شفاء من هنا أو مُعجزة من هناك! ولكن، هل يرغبون حقًا في التّوبة واتّباع الرّبّ في طريق الحياة الجديدة؟ هذا الإنجيل يضعنا أمام حقيقة رهيبة، أيّ حقيقة هذا العمى الذي أصابنا جميعًا بسبب تخلّينا عن اتّباع المسيح وتعاليمه، وهو السّبب في كلّ ما يعانيه مجتمعنا من فساد مستشرٍ من أكبر الرّؤساء إلى آخر شحّاذ يتسوّل على الطّرقات! ولكن الرّبّ يمرّ دائمًا من أمامنا، وأرجو أن نصرخ جميعنا في هذه الأزمنة الرّديئة: "رحماك يا ابن داود! أَعِد إلينا بصيرة الإيمان!"