دينيّة
14 شباط 2021, 08:00

خاصّ– الخوري الشّمالي: الصّوم هو زمن الصّحراء الذي فيه نكتشف أنّ الله هو مصدر حياتنا

غلوريا بو خليل
"لطالما استغربت كيف يمكن للصّوم أن يبدأ بإنجيل آية قانا الجليل، إنجيل العرس والفرح والخمر، بينما كنت أعتقد أنّ الصّوم هو زمن، لا الحزن بل التّقشّف. ولذلك ماذا يمكن لإنجيل عرس قانا، إنجيل مدخل الصّوم، أن يقول لنا في فترة الصّوم وكيف له أن يساعدنا؟" بهذه المقدّمة استهلّ كاهن رعيّة مار جرجس ومار ساسين-بيت مري الخوري بيار الشّمالي تأمّله بإنجيل القدّيس يوحنّا (2/ 1 – 11) ليأخذنا إلى العمق فنعي معنى الصّوم ونفهم أبعاده الرّوحيّة.

 

وتابع الخوري الشّمالي مستشهدًا من العهد القديم: "في الكتاب المقدّس، أعطيت الكثير من الصّور للتّعبير عن علاقة الله بالبشريّة، فكان الإنسان تارةً وكيل الله على الأرض أو كان شعب الله أو حتّى كان الله الآب والإنسان ابنه. ولكن، إنّ أجمل هذه الصّور على الإطلاق هي التي وصفت علاقة الله بالإنسان على أنّها علاقة حبيبين، أيّ علاقة زوج وزوجة. ولكن، في هذا الرّباط الزّوجيّ، لطالما كان الإنسان هو الضّعيف الذي يبحث عن سعادته في أماكن أخرى بعيدًا عن الله، بينما بقي الله هو الأمين أبدًا. وإذا كنّا لا نعرف من هو العريس في إنجيل عرس قانا، هذا لأنّ العريس الحقيقيّ هو يسوع المسيح الذي أتى لينقّي البشريّة، ويمنحها الغفران ويعطيها الخمر الذي يفرح القلوب ويلبسها أبهى حلاها."

وإستطرد الخوري الشّمالي موضحًا: "ففي الكثير من الأحيان، في علاقتنا مع الله، ينفذ الخمر، أيّ ينطفئ الحبّ في قلوبنا ويجفّ الفرح وتهجرنا الرّحمة. فنصرخ إلى المسيح لكي يأتي ويعيد لنا البهاء. هذا ما أخبر عنه النّبيّ هوشع في الماضي. في كتاب النّبيّ آشعيا يقول الله بمرارة أنّ شعبه قد خانه كما تخون المرأة زوجها: "حاكموا أمّكم، حاكموا فإنّها ليست إمرأتي ولا أنا زوجها. لتنزع من وجهها زناها قالت: أنطلق وراء عشّاقي الذين يعطونني خبزي ومائي وصوفي وكتّاني وزيتي وشرابي." ( ٢ هوشع: ٤ و٧).

فماذا يفعل الله؟ لن يقبل أن يبيد شعبه ولا أن يتركه، فأعطى حلًّا آخر: لذلك "هأناذا أسدّ طريقكِ بالشّوك وأسيّجه بسياج، فلا تجد سبلها فتجري وراء عشّاقها فلا تدركهم وتطلبهم فلا تجدهم فتقول: أنطلق وأرجع إلى زوجي الأوّل لأنّي كنت حينئذٍ خيرًا من الآن. لذلك هأناذا أستغويها وآتي بها إلى البرّيّة وأخاطب قلبها ومن هنالك أردّ إليها كرومها." (هوشع ٢: ٨ - ٩ و١٦ - ١۷). يأتي بها إلى الصّحراء لأنّه في الصّحراء تكتشف حقيقة الأوهام التي تسير خلفها وتكتشف أنّ الله وحده هو من يعطي المعنى للحياة. ففي الصّحراء، في واقعها الأليم يمكن لله أن يستغوي قلب شعبه من جديد، لأنّ في الصّحراء نكتشف حقيقة الأمور، نكتشف هشاشة الأمور المادّيّة وعظمة عطايا الله ونعمه."

وإختتم كاهن رعيّة بيت مري تأمّله مؤكّدًا أنّ "هذا هو صومنا الحقيقيّ، هو ليس بجوهره زمن عذاب ولا زمن قهر ولا زمن حرمان. بل الصّوم هو زمن الصّحراء الذي فيه نكتشف أنّ الله هو مصدر حياتنا ونبع فرحنا وميناء مسيرتنا، فنعود ونذوق الخمر الذي يعطيه هو، لا الخمر الذي يعطينا إيّاه البشر. فليكن صومنا فترة تعمّق علاقتنا مع الله، فننظر إليه هو قبلة أنظارنا. صوم مبارك".