دينيّة
20 آب 2023, 07:00

خاصّ- أيّ أرضٍ أنا اليوم؟

تيلي لوميار/ نورسات
تدخل الكنيسة المارونيّة اليوم في الأحد الثّالث عشر من زمن العنصرة مع إنجيل "مثل الزّارع" للقدّيس لوقا (8/ 1 – 15) الذي يكشف لنا من خلاله عن العلاقة بين كلمة الرّبّ وبين الأرض، مقدّمًا للتّلاميذ أمثولة في الحبّ والعطاء. وللتّمعّن في فهم كلمة الله على ضوء هذا النّصّ الإنجيليّ التّعليميّ كان لموقعنا حديث روحيّ مع كاهن رعيّة مار يوسف- شحتول الخوري طوني بو عسّاف.


إستهلّ الخوري بو عسّاف حديثه قائلًا: "نتأمّل مثل الزّارع الذي ورد عند الإنجيليّين الثّلاثة متّى ومرقس ولوقا، وهو المثل الوحيد الذي يفسّره يسوع بشكل مفصّل. يميّز المثل أربعة أنواع من الأرض: جانب الطّريق، الأرض الصّخريّة، الأرض المليئة بالشّوك والأرض الطّيّبة. والحَبّ هو نفسه الذي يبذره الزّارع، أمّا نوعيّة الأرض حيث يقع الحبّ فتختلف."

"ونلاحظ في هذا المثل تدرّج مسيرة النّموّ"، تابع كاهن رعيّة مار يوسف، "فننطلق من الفشل التّام مع الحَبّ الذي وقع إلى جانب الطّريق، مرورًا بالأرض الصّخريّة حيث نبت الزّرع بسرعة ومات بسرعة، إلى الأرض المليئة بالشّوك حيث نبت الزّرع ولم يثمر بسبب الشّوك، حتّى نصل إلى النّجاح المذهل بالأرض الطّيّبة التّي أعطت الأضعاف والأضعاف."

"فنجاح الحَبّ أو فشله مرتبط بطبيعة الأرض التّي وقع فيها"، شدّد الخوري بو عسّاف، "فالأرض التي تتلقّى الحَبّ تأخذ أهميّة كبرى بالمثل حتّى يوضح الرّبّ يسوع كيفيّة سماع كلمة الله وتقبّل النّاس لها. فالفشل والنّجاح مرتبطان بطريقة استقبال الأرض للحَبّ. أعاد الرّبّ يسوع تفسير المثل بطريقة مفصّلة حيث اعتبر أنّ كلمة الله موجّهة لكلّ النّاس، ونموّها يختلف باختلاف أنواع النّاس واستعدادهم لتقبّلها: فكلمة الله تحتاج إلى قبولنا حتّى تنمو وتكبر، وإذا أهملناها تموت في قلوبنا ومجتمعنا."

وبكلمة توجيهيّة استطرد كاهن رعيّة مار يوسف قائلًا: "دعوتنا في قلب الأزمة التّي نعيشها اليوم هي قبول الكلمة في حياتنا وقلبنا حتّى لا نكون الأرض الصّخريّة. والأرض الصّخريّة هي قلوبنا التّي تمنع كلمة الله من الدّخول وإعطاء الثّمار. فيكون قلبنا قاسيًا نتيجة رفضنا وخطيئتنا وكبريائنا. ودعوتنا أيضًا أن نحذر من سقوط البذار على جانب الطّريق التّي تعني أن نترك مشروع الله الخلاصيّ على هامش حياتنا وتكون أولويّاتنا التّي نضعها في حياتنا بعيدة عن ملكوت الله ومشروعه الخلاصيّ لنا. لا يمكن أن يكون مشروع الله ضمن مشاريع كثيرة وإنّما يكون هو محور وجودنا كتلاميذ للمسيح. ولا يمكن أن تخنق هموم الحياة ومشاكلها وصعوباتها مشروع الله إذ هناك الكثير من المشاريع والهموم والمشاكل والصّعوبات والملذّات التي تقتل الله ومشروعه في داخلنا من حبّ المال والسّلطة والخوف من المستقبل...".

وعن ماهيّة الأرض الطّيّبة، قال الخوري بو عسّاف: "إذا أردنا أن نترك كلمة الله تفعل فينا، علينا أن نكون الأرض الطّيّبة الصّالحة الجّيّدة. الأرض التّي تسمع كلمة الله وتحفظها على مثال مريم والأهمّ هو عيش الثّبات لأنّ "من يثبت إلى المنتهى يخلص". مواقف كثيرة في حياتنا ومشاكل كبيرة نتعرّض لها كلّ يوم. ولكن إذا كنت الأرض التّي تثمر وتعطي وتختبر وتتفاعل مع كلمة الله، فلا يمكن إلّا أن تكون تلك الأرض التي تتحدّى العالم وما يقدّمه لنا من يباس وشوك".

وإختتم كاهن رعيّة مار يوسف- شحتول موجّهًا المؤمنين: "الرّبّ يعطينا كلمته، يبذر حبَّه ولكن أيّ أرض أنا اليوم؟ يمكن أنا المؤمن أن أعيش كلّ هذه الأنواع، ولكن عليّ أن أسعى لأكون الأرض الطّيّبة الصّالحة. فرغم إبليس وأوقات التّجربة ورغم الهموم والغنى والملذّات، دعوتي أن تترسّخ فيّ كلمة الله والقيم الإنجيليّة حتّى أعطي ثمارًا تليق فيّ كمؤمن ومعمّد على اسم يسوع المسيح فيتمجّد فيّ الثّالوث الأقدس من الآن وإلى الأبد. آمين."