العالم
15 تشرين الأول 2019, 05:00

جولة على أبرز محطّات اليوم الثّاني للبطريرك الرّاعي في بوركينا فاسو

بزخم روحيٍّ كبير واصل البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي زيارته الراعوية في يومها الخامس إلى أبرشيّة سيّدة البشارة في أفريقيا الغربية والوسطى، وفي يومها الثاني في بوركينا فاسو.

وكان قد اختتم ليلة البارحة بعشاء أقامته على شرفه الجالية اللبنانية وتحدّث فيها كلّ من كاهن الرعية الخوري فادي البستاني والقنصل الفخري للبنان جوزف الحاج والبطريرك الرّاعي.

البداية كانت مع كلمة كاهن الرعيّة الّذي قال: "صاحب الغبطة والنيافة مار بشاره بطرس الرّاعي بطريرك انطاكية وسائر المشرق، نيافة الكاردينال فيليب اويدراغو رئيس أساقفة واغادوغو، صاحب السيادة المطران سيمون فضّول راعي أبرشيّة سيّدة البشارة، حضرة قنصل لبنان الفخري السّيّد جوزف الحاج، حضرة القناصلة الفخريين، حضرة الآباء المحترمين، حضرات الأخوات المحترمات، إخوتي وأخواتي الأعزاء.

بفرح عظيم نجتمع هذا المساء في كنيسه سيّدة لبنان في واغادوغو، في منتصف شهر الوردية وتحت حماية قلب مريم الطاهر الذي كرّستم يا صاحب الغبطة وطننا العزيز لبنان له.

المناسبة تصبح استثنائية بحضوركم الساهر، رغم كل التحديات أخذتم المبادرة لإقامة هذه الزيارة الراعوية التي طال انتظارها.

إسمحوا لي أن أهلّل وأهتف نيابة عن هذا كل الجمهور الفاضل الحاضر ههنا وباسم جميع أبناء الرّعيّة، وأجاهر بشرف: أهلاً بكم بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، والأب الضامن لإيماننا في أفريقيا وقي كل أرض يسكنها إيمان آبائنا بالشركة التامة مع إيمان الرسل والكرسي الرسولي الذي نحيّيه بشخص القائم بالأعمال المونسنيور لوكاس كانادي.

اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضي، نشعر بالاطمئنان لمحبّتكم الأبوية. ونحيّي أعضاء الوفد المرافق المحترمين الذين بمرافقتك، يجسّدون صورة الوحدة المطمئنة التي تميّز كنيستنا المارونية.

كما نحيّي أيضًا، وبمودّة كبيرة وبعرفان، المحبّة الراعوية لأسقفنا المطران سيمون فضّول الراعوية، وغيرته الرسولية، مع جميع العمّال الراعويين في أبرشيّتنا: الكهنة والمكرّسين والمكرّسات والمؤمنين الذين تكرّسوا لإعلان الإنجيل. ونرحّب أيضًا في هذا المناسبة السعيدة بإخواننا وأخواتنا المسلمين والمسلمات، في الواقع كيف لا نحيّيكم ونحن في بيت البشارة، الأبرشيّة التي تحمل اسم وحدة لبنان، العيد الذي يوحّد المسيحيين والمسلمين.

نعم، مسكننا هذا مبارك ببركاتكم. هو لشرف عظيم وفرحة كبيرة تغمرنا في إفخارستيّة الوحدة هذه! نرفع لك كلّ المجد يا ربّ اليوم لأنّ رسالتنا مدعومة اليوم أكثر فأكثر ومنطلقة بشكل كامل بزيارتكم الأبوية، يا راعي البشارة في أبرشيّتكم (سيّدة البشارة). طالبين بركتكم يا صاحب الغبطة، إطمئنّوا، أنتم دائمًا في صلاتنا. وشكرًا."

أمّا القنصل الحاج فقال: "نرحّب بكم يا صاحب الغبطة باسم الجماعة الراعوية والجماعة اللبنانية في بوركينا فاسو لقد تشرّفنا بزيارتكم التي أضفت جوًّا من المحبّة والفرح والأخوّة.

إسمحوا لي بداية أن أستذكر في هذا اليوم المميّز جميع الذين سقطوا من جرّاء يد الغدر والموت التي طالتهم ونرفع صلواتنا لراحة نفوسهم ولتوبة الذين يزرعون ثقافة الموت، فلنقف دقيقة صمت عن أرواحهم.

أنتم اليوم يا صاحب الغبطة بين أبنائكم وبناتكم وفي البلد الذي فتح لنا أبوابه ليكون على غرار بلدنا الحبيب لبنان.

لقد منحنا هذا البلد كل ما هو ثمين لقد منحنا السعادة والأمن والسلام وعاملنا كأبنائه. ونحن من دون هذا الاندماج والمعاملة لما كنّا ما نحن عليه اليوم، ولم نشعر يومًا بأنّنا غرباء. ونتيجة لهذه الضيافة الأسطورية ثمانين بالمئة من الجالية اللبنانية التي يبلغ عددها نحو 1300 شخص في هذا البلد نالت الجنسية البوركينية.

وبفعل مناخ الأمن والاستقرار المتوفّر للجالية اللبنانية تمكّنت الأخيرة من المشاركة في تطوير مقدرات البلد في قطاعات مختلفة بدءًا من الاستثمار مرورًا بالتربية والتجارة وصولاً إلى الصناعة.

والجالية اللبنانية موجودة منذ أكثر من عقد في بوركينا فاسو ونعلمكم أنّ أوّل لبناني وطأت قدماه هذه الأرض كان في العام 1914. وعلى الصعيد الكنسي تتميز علاقتنا بالكنيسة الأمّ وذلك بفضل رعايتها الدائمة لنا ففي العام 1999 بنينا أوّل كنيسة للموارنة هنا ونحن نرفع فيها صلواتنا ونمارس طقوسنا المارونية التي نعتز بها.

نشكركم يا صاحب الغبطة باسم الجميع هنا ونسألكم أن تحملونا وبوركينا فاسو ورئيسها في صلواتكم."

من جهته شكر البطريرك الرّاعي الجماعة الحاضرة على استقبالها وعلى وحدتها وعلى تعلّقها بلبنان وجاء في كلمته: "أشكركم على حسن الاستقبال وأنا لم أفاجأ لرؤيتكم مجتمعين كجماعة الليلة وسط أجواء مميّزة ملؤها التناغم والمحبّة وهذا ما نلحظه دائمًا في خلال زياراتنا الراعوية إلى بلدان الانتشار نلاحظ هذا العدد الملفت من اللبنانيين ما يدفعنا للتساؤل عمّن بقي في لبنان إذًا؟ وأجبته أنّ هذه الجماعة موجودة هنا ولكنّها على تواصل مستمرّ مع وطنها لبنان وهي تحتفظ بالحنين إلى بلدها الأمّ وهي تتابع أخباره."

وتكلم عن التّواصل الدّائم مع كنيسة لبنان والقيم اللبنانية ونقلها لبوركنيا فاسو بقوله: "وللكنيسة والأبرشيّات والرّعايا تأثيرهم المباشر على الحفاظ على هذه العلاقة. وأبناؤنا في بلدان الانتشار هم سفراء حقيقيّون لبلدانهم فينقلون التراث والقيم الإنسانية والثقافة الخاصّة ببلدهم الأمّ إلى الدّول التي يعيشون فيها ولطالما سمعنا من مسؤولي وسلطات هذه الدول ومن كنائسها الكلام الجميل عن جالياتنا بأنّهم شعب طيّب ومجتهد يساهم في نموّ وتطور البلد الذي يحتضنه.

وهذا أمر نفتخر به كثيرًا ونقدّره عاليًا فهم أيضًا يساهمون في دعم عدد من الأنشطة في بلداتهم في لبنان وهم أوفياء تجاه بلدهم الأم وتجاه بوركينا فاسو بلدهم الثاني وهم يتعاونون مع السلطات المدنيّة والرسمية من أجل ازدهار البلد."

وناشد الرّاعي المجتمعين للوقوف إلى جانب لبنان بقوله: "لبنان بمساحته الصغيرة التي لا تتجاوز العشرة آلاف كلم وسكّانه الذين يبلغ عددهم نحو 4 ملايين نسمة يستقبل على أرضه نحو مليون ونصف مليون نازح سوري ونصف مليون لاجئ فلسطيني أي أنّ عددهم يوازي نصف عدد سكّان لبنان ومع هذا الثقل الكبير الذي يتحمّله لبنان والذي يفوق قدرته بأضعاف يغادر أهل البلد أرضهم مع خطر فقدان هويّتنا على المدى البعيد إذا ما استمرّ الوضع على نار هو عليه.

لم نشأ يومًا إغلاق أبوابنا بوجه السوريين واستقبلناهم في بيوتنا وعلى أرضنا في انتظار أن يعودوا 

إلى أرضهم إلّا أنّ الأسرة الدولية غير مكترثة ولا تريد إيجاد حلّ لهذه الأزمة ناهيك عن كون مسألة اللاجئين الفلسطينيين لم تحلّ وهي التي مرّ عليها سنوات طويلة والشعب الفلسطيني يعيش في المخيمات في ظروف مأساوية وسط انتشار السلاح داخل المخيّمات، والأسرة الدولية حتى اليوم لم تحرّك ساكنًا.

أقول هذا الأمر أمامكم لأنّنا بحاجة إلى أصواتكم ترتفع في آذانكم وتدعو إلى إنقاذ لبنان.

أضف إلى ذلك أنّ لبنان بلد الرسالة للشرق والغرب يحتاج إلى صوتكم لتتحرّك الأسرة الدولية وتجد حلولاً تريح المواطنين."

وختامًا كانت دعوة صريحة لأبناء الجالية إذ قال: "أنتم يمكنكم كجالية لبنانية في بوركينا فاسو أن تسألوا المسؤولين في لبنان لماذا يحرمونكم من هذه الفرصة ببناء البلد. نحن نتّكل على صوتكم."

بهذا ختم الرّاعي اليوم الأوّل لزيارته بوركينا فاسو. أمّا اليوم الثاني فكان أيضًا حافلاً باللقاءات وكانت محطّاته ثلاث.

بداية كانت زيارة لمدرسة سيّدة لبنان في المجمّع الرعوي وتشرف على إدارتها راهبات القديسة تريزيا الطفل يسوع المارونيّات، وقد رحّبت بالبطريرك الرّاعي المسؤولة عن المدرسة الأخت ريما نادر قائلة: "باسم الهيئة التعليمية وجمعية أخوات القديسة تريزيا الطفل يسوع المارونيات، وباسم أهالي الطلاب، نرحّب بكم، يا صاحب الغبطة والوفد المرافق الموقّرين، في بوركينا فاسو".

وتابعت بقولها: "مدرستنا هذه هي كمثل عائلة الناصرة، مرتع للقيم يجمع بين جميع الطبقات الاجتماعية، الأفريقية، اللبنانية، المسيحية والإسلامية. نحيّيكم باسم الله أبينا، الرحمن الرحيم، إله المحبة والغفران. نحن سعداء أنّكم معنا لأنّكم لنا أب بطريرك وزيارتكم سوف تؤكّد وحدتنا إلى الأبد. يا أبانا البطريرك، الكلمة لكم، أولادكم يصغون."

بدوره شكر البطريرك الرّاعي الهيئة التعليمية وإدارة المدرسة على استقبالهم وألقى كلمة تشجيعية كانت كالتالي: "أحيّي جميع الأطفال وأشكرهم على هذا الترحيب. أصابتني الدهشة عندما أيقنت أنّ الأولاد هنا يحصلون على تعليم مثلّث: أوّلاً تعليم الولاء للبلد بوركينا فاسو وقد عبّروا عنه في النشيد الوطني، وتعليم الولاء لبلدنا الأصلي الذي أعرب عنه النشيد الوطني اللبناني والتعليم الثالث هو التربية الدينية: التعبّد لسيّدة لبنان التي عبّرت عنها الترنيمة الموجّهة لسيّدة لبنان. أهنئك حقًا يا أختي على هذا التعليم المثلّث، أشكرك مع الهيئة التعليمية بأكملها: أستاذة وأهل وطلاب.

وتمنّى للمدرسة ولإدارتها الازدهار والنمو بقوله: "ونتمنّى مع الأسقف المحلي المطران سيمون فضّول مع الوفد القادم من لبنان، نتمنّى لكم دائمًا الازدهار والنجاح، بحيث تنمو هذه المدرسة قليلاً بقليل. أحيّي كاهن الرعية الأب فادي، أحيي قنصل لبنان ولجنة الكنسية والشخصيات المتواجدة معنا. هي جماعة صغيرة هنا، لكن كل شيء يبدأ صغيرًا. هذه البذرة من الإنجيل هي الأصغر ولكن بعد ذلك، ومع الوقت تصبح شجرة. أهنّئ جميع الذين كانوا في أساس بناء هذه المدرسة. الله، وبشفاعة سيّدة لبنان، يبارك المدرسة فتنمو أكثر فأكثر بالنجاح والازدهار."

وفي الختام خاطب الطلاب قائلاً: "ولكم جميعا يا أعزّائي الطلاب، أتمنّى النجاح في جميع صفوفكم وسنواتكم. شكرا لكم للترحيب، شكرًا لكم على حبّكم، لكم حبّنا. كونوا دائمًا في الفرح واستعدّوا جيّدًا لمستقبلك، فإنّه على مقاعد الدراسة حيث يعدّ كلّ واحد منا مستقبله. أتمنّى لكم يومًا طيّبًا ودوام النجاح كل يوم وكل عام. "

وإحتفل الرّاعي بالقداس الإلهي في كنيسة مار شربل في كولوبا- بوركينا فاسو، وفي مستهل القدّاس ألقى رئيس أساقفة بوركينا فاسو الكاردينال فيليب أويدراوغو كلمة ترحيبية به، أبرز ما جاء فيها:

"صاحب الغبطة، بعد الشكر لله ولكم، يأتي الشكر الكبير للجالية اللبنانية بشكل عام، وعلى الأخصّ أفراد عائلة رعيّة سيّدة لبنان المميّزة، شكرًا لك يا صاحب الغبطة على الاحتفال الليلة الماضية، حسب الليتورجيا الجميلة وفقًا للطقوس المارونية، صحيح أنّنا لا نفهم اللغة العربية لكنّنا نقدّر ما عشناه معكم، وأودّ أن أشكر الجالية الكاثوليكية، الكاثوليك الموارنة على وجودهم المميّز هنا معنا وبيننا .

ونحن نشكركم على تواجدكم معنا هنا، هذه الزيارة المشجّعة والضامنة لكل تضامن أخويّ ناشط. نشكركم أيضًا على رعايتكم الملموسة على مستوى الكنيسة بشكل عامّ، في أبرشيّاتكم الممتدّة في بقاع الأرض والشاهدة للبشرى السارّة، كما يريدها المسيح ويشدّد عليها البابا فرنسيس وقد أراد أن يكون شهر أكتوبر هذا بمثابة شهر مميّز للبشارة.

نعم في الواقع الكنيسة موجودة للتبشير كما يقول البابا بولس السادس، كنيسة إرساليّة رسولية، حيث ينتشر بنوها في أقاصي الأرض، ترسل الكنيسة كل المعمدين كرسل بشارة وهذا ما يقوم به الموارنة هنا.. "

وبعد الإنجيل المقدّس ألقى البطريرك الرّاعي العظة بعنوان "الزّرع الجيّد هم أبناء وبنات الملكوت" فقال:

"المثل اليوم، الحَب الزرع الجيد، الذي زرعه الرب يسوع في حقل العالم، يريد كل واحد منا أن يكون هذا الزرع الجيد. والقديس شربل شفيع هذه الكنيسة هو زرعٌ جيدٌ بامتياز، زرعه الله في حقل العالم في حقل لبنان تحديدًا في حقل الكنيسة المارونية في حقل الرهبانية اللبنانية المارونية الجديدة في الدير في المحبسة فعاش زرعًا جيدًا بكل معنى الكلمة، ففي الحياة البشرية بصلاته الخفية في الدير والمحبسة كان يسند حياة الكنيسة واليوم وإلى الأبد وهو يتلألأ كالشمس في ملكوت الآب. لا أحد منّا يستطيع أن يحصي أنّ النعم وثمار الخير التي يزرعها في النفوس والقلوب في القارّات الخمس. ليس فقط العجائب التي لا تحصى ولكن الثمار الروحية التي يثمرها في قلوب المؤمنين. كثير من الناس يجهلون لبنان بحدّ ذاته وأين هو على الخريطة لكنّهم يعرفون القديس شربل، ذلك لأنّه يخاطب القلوب، يتكلّم لغة جميع الناس."

وخاطب أسرة رستم قائلاً: "أسرة فادي رستم العزيزة، كانت ردّة الفعل عندكم وفاة فادي والمرحوم عمر نسيبكم وكل اللبنانيين اللذين راحوا ضحيّة وغيرهم من أهالي بوركينا، لكن هذا الجرح العائلي الذي أصابكم بالصميم كان جرحًا بليغًا في قلوبكم وفي قلوب الوالدين، الله يرحم الوالد ويعطي العمر الطويل للوالدة، ردّة الفعل كانت هذا الإيمان فأنشأتم وأسّستم هذه الكنيسة إيماننًا منكم أنّ موته المأساوي وموت نسيبكم عمر هو انتقالٌ إلى الملكوت. بهذه الكنيسة أنتم مدركون أنّهما هنا في سرّ ذبيحة الرب. الذبيحة التي تحتفلون بها على المذبح مع كاهن الرعية والكهنة انتقلت إلى البيت فأصبحت ذبيحتكم الشخصية وفي كل مرّة تلتقون سواء في كنيسة مار شربل أو في كنيسة سيّدة لبنان أو في أيّة كنيسة تتذكّرون أنّهما وكل موتانا حاضرون في ذبيحة القدّاس. هذه هي النعمة الكبرى، هذا هو الحبّ الكبير الذي أعطاه الرب يسوع للكنيسة والمؤمنين أنّ موتانا أحياء في سرّ القربان، هنا نلتقيهم على المذبح، ليس في ظلمة القلوب هناك يركضون على رجاء القيامة لكنّهم هنا أحياء. هذا ما أردتم أنتم أن تقولوه بتأسيس هذه الكنيسة. وأنتم يسعدكم كثيرًا عندما يأتي كاهن الرّعيّة ويحتفل تشعرون أكثر فأكثر بحضورهم هنا."

وتابع قائلاً: "نحن نسأل الله أن نجعل كلنا من حياتنا زرعًا جيدًا يريده الرّبّ. أنتم زرع جيّد هنا في أرض بوركينا فاسو وفي أي مكان، لكن نحن هنا في بوركينافاسو، هويّتنا أننا زرع جيد. كيف زرع جيّد نحمل صورة الله زرع جيد، معمّدون بالمسيح وممسوحون بالميرون وجعلنا زرعًا جديدًا في حقل هذا العالم.

نتناول جسد الرّبّ ودمه لنكون زرعًا جيّدًا لكي نثمر كما يثمر الزرع الجيد فتعطي الحبّة مئة هذا هو معنى وجودنا في أيذ مكان ومعنى وجودكم في وغادوغو خاصّة وفي بوركينا فاسو عامّة. هذه الهويّة يعطينا إيّاها مار شربل في إنجيل اليوم. الإنجيل الّذي يتلا في يوم عيده وها هو كما يقول الرّبّ في الإنجيل يتلألأ كالشمس في ملكوت الآب. نحن مدعوّون لأن نتلألأ في ملكوت الآب. لكن الطريق الحقّ هو أن نكون ونحافظ على هويّتنا، زرعًا جيّدًا زرعه الرب في حقل عالمنا وفي حقل الكنيسة، وفي حقل العائلة، وفي حقل الدولة."

وتكلّم عن حياة القدّيس شربل شفيع الكنيسة قائلاً: "نطلب شفاعة القدّيس شربل الذي عرف أن يعيش بامتياز هذا الزرع الجيّد في البيت الوالدي في بقاعكفرا، عاش مسيحيًّا حتى عمر الـ28 سنة وكانوا يسمّونه القديس وهو بعده يعيش في العالم، كان يعيش زرعًا جيّدًا بمثله وصلاته. وعندما دخل دير الرهبانية الجديدة ممثلة بيننا بالمدبّر العام منير فخري.

هناك أكثر فأكثر عاش جمال هذا الزرع الجيّد وتقدّس كل يوم أكثر من يوم ودخل المحبسة ليكون الذبيحة الإلهية الكاملة للرب ولكي ينضج كزرع جيّد مجبولاً من جميع الناس بعيدًا عن جميع الناس ولكن في اتحادٍ عميق مع الله بالمسيح وعندما فارق الدنيا إلى ملكوت الآب تلألأ كالشمس في الملكوت السماوي وكانت العلامة كما تعلمون أنّه على مدى أسبوع بعد وفاته ليلة عيد ميلاد ليلة ميلاد ابن الله على الأرض، ولد في الملكوت فأشع النّور على مدى أسبوع من قبره علامةً أنّه كان يتلألأ كالشمس والى الأبد. نحن نمضي وينتهي زمننا وتنتهي حياتنا وكلّ إنجازاتنا كبيرة أو صغيرة وشربل يبقى صديقًا لكل إنسان، نور لكل انسان. نصلّي لكي نحن أقلّه نحافظ قدر ما يمكن على جمال هذا الزرع الجيد الذي زرعه الرّبّ بيده."

وفي الختام صلّى الرّاعي قائلاً: "ونحن نقدّم هذه الذبيحة في ذكرى المرحوم فادي والمرحوم عمر وكل الضحايا اللذين سقطوا في تموز 2014 في ذكراهم نحن نرفع صلاتنا إليك لكي ينعموا في رؤياك السعيدة ويكونوا لنا ولعائلتهم خير شفيع ولكي نعمل على مثال القدّيس شربل نحافظ على هويّتنا وطبيعتنا كزرع جيّد في حقل العالم والكنيسة باسم الآب والإبن والروح القدس. آمين."

وإختتِمت الزيارة بالغداء الذي أقامه قنصل لبنان جوزف الحاج على شرف الرّاعي في بوركينا فاسو. وقد قال القنصل للمناسبة:

"بسعادة يعجز القلم أن يخطّ جمال وقعها على قلوبنا، نحن أبناء الجالية اللبنانية في بوركينا فاسو بحضور رأس الكنيسة المارونية غبطة أبينا البطريرك الذي مجد لبنان أعطي له كيف لا وهو الحاضن تحت عباءته المباركة كل أطياف الشعب اللبناني في الوطن والمهجر.

إنّ السعادة لا توصف أن تكون بيننا یا صاحب الغبطة. زيارة لطالما اشتاقت اليها قلوبنا ومينا النفس بتحقيقها وانتظرناها لسنين طويلة حتى كان شهر مريم شهر تشرين الأول."

وخاطب أبناء الجالية ذاكرًا علاقتها الدائمة بالبطريركية المارونية قائلاً: "وها أنتم بيننا، بين أولادكم أبناء كل الجالية اللبنانية الضاربة بالقدم هنا في بوركينا فاسو، الوطن الذي قدّم لنا قدمنا له كل غال و ثمين فعشنا في ربوعه والوطن الأمّ وساهمنا في نهضته وسعينا کي يكون تجذّرنا أعمق من خلال وثاق المحبّة بيننا وبين كنيستنا الأمّ عبر النيابة البطريركية في صربا، حيث أننا و ببركة صاحب السيادة غي نجيم راعي النيابة آنذاك وبهمّة أبناء الجالية أخذنا نسعى لتشييد كنيسة لسيّدة لبنان هنا في واغادوغو، وانطلق هذا المشروع في تسعينات القرن الماضي حتى أبصر النور صرحًا كبيرًا يضمّ الكنيسة والمدرسة وصالة كبيرة.

وما كنّا أنجزنا ما أنجزناه لولا بركة البطريركية المارونية ممثلة براعي النيابة في صربا أوّلاً سيّدنا غي نجيم وبعده سيّدنا بولس روحانا اللّذين دعمانا بمحبّتهما وصلواتهما وإرسالهما الكهنة لخدمتنا بدءًا من الخوري ميشال جبور، الخوري فرنسيس حبيقه، الخوري جان فرح، والخوري أندره جعاره، ثم الخوري نبيل شلهوب وحاليًا مع الخوري فادي بستاني وتكلّلت هذه البركة بتسمية راعينا صاحب السيادة سيمون فضّول على أبرشيّة سيّدة البشارة الفتية في أفريقيا.

هذه الغيرة الرسولية النابعة من قلب سيّد بكركي كانت الشعلة الدائمة التوقّد في قلب الجالية هنا في بوركينا، وكانت المدماك الأوّل وحجر الزاوية الذي على أساسه قام هذا الصرح المبارك."

وتوجّه إلى الرّاعي بكلامٍ مؤثر قائلاً: "فأنا وباسم الجالية اللبنانية التي أمثّل وباسم لجنة وقف سيّدة لبنان باسمي الشخصي وبوصفي قنصل لبنان الفخري هنا في بوركينا فاسو، نرحّب بكم ترحيب الأبناء بلقيا الأب العطوف الحامل من أرز لبنان عبق قداسة ومن وادي قنّوبين سيرة النعمة وفائض البركات ومن قدّيسي لبنان شربل ورفقا والحرديني ويعقوب الكبوشي وإسطفان نعمه حكاية شعب تجذّر بالقداسة فكان صورتها البهيّة في أصقاع العالم الغافل عن الله وإنعاماته."

وشهد أمام البطريرك المارونيّ بإنجازات الجالية في بوركينا فاسو بقوله: "نعم يا صاحب الغبطة كان حلمنا أن نبني للأجيال ملاذًا روحيًّا وواحة تربوية تساهم أكثر فأكثر بتجذّرنا في تراب الوطن ولو كنا بعيدين عنه، وما كنيسة سيّدة لبنان الأخير سوى شاهد على التفافنا نحو سيّد بكركي وأسقف الأبرشيّة كاهن الرعية، ناهيك عن المدرسة التي تتبع المنهاج التربوي اللّبناني بكل تفاصيله فيتلقّى أبناء الجالية الثقافة اللبنانية ويحيون في معنى ثروتنا الفكرية والعلمية لاسيّما وأنّ أساتذتنا من ذوي الاختصاص، وكان للضرورة أن استعنّا بأساتذة من لبنان لدعم رسالتنا.

من دون أن ننسى وثاق اللحمة بين كل أطياف الجالية اللبنانية مسلميها ومسيحييها، علاقة يشهد لها تاريخنا وحضورنا المميّز هنا في بوركينا فاسو بحيث أنّ أعيادنا واحدة، جاليتنا واحدة، عيشتنا واحدة ودربنا للخير العام واحدة."

وأنهى قائلاً: "فأهلاً وسهلاً بكم في قلوبنا يا صاحب الغبطة سائلين الرب بشفاعة سيّدة لبنان وبركتكم الأبوية الخير والازدهار والتقدم لحضورنا في عالم الانتشار ليبقى مجد لبنان أيقونة سلام على جبين هذا العالم والسلام."

وأنهى البطريرك الرّاعي زيارته إلى بوركينا فاسو بلقاء رئيس الجمهورية روك مارك كريستيان كابوريه يرافقه راعي الأبرشيّة المطران سيمون فضّول وقنصل لبنان الفخري جوزف الحاج والوفد المرافق وعدد من أبناء الجالية اللّبنانية.

في بداية اللّقاء، رحب الرّئيس بالبطريرك معربًا عن سروره الكبير بهذه الزيارة "التي تعزز العلاقات وتشدّد عزائم أبناء الجالية اللبنانية الذين نرتاح للعمل معهم وهم أصدقاء أوفياء. 

من جهته أكّد البطريرك الرّاعي محبّة وإخلاص أبناء الجالية اللبنانية لبوركينا فاسو التي استقبلتهم وفتحت لهم مجالات العمل. وأضاف: "يؤسفنا ما تتعرّض له البلاد من اعتداءات وتفجيرات إرهابية ونحن إذ نعزّيكم بالضحايا الأبرياء، نسأل الله أن يرحمهم جميعًا وأن يمسّ الضّمائر الميتة التي لا تنتج إلّا الشّرّ لتعود عن ضلالها وشّرها". وإختتم البطريرك كلمته بالتشديد على أهمّيّة الصّلاة في مواجهة الشرور التي تجتاح العالم معربًا عن التضامن بالصلاة مع بوركينا فاسو في ما تواجهه من اعتداءات ومخاطر.

وتعقيبًا على كلام الرّاعي، أوضح الرئيس كابوريه أنّ هناك إرهابيين دخلاء يحاولون العبث بأمن بوركينا فاسو ولكنّنا سنواجههم بإذن الله ونعتمد أيضًا على صلاتكم التي تهمّنا جدًّا. وأنهى: "إنّني أتمنّى لكم النجاح والتوفيق في زيارتكم إلى القارّة الأفريقية التي تباركونها بحضوركم".

 

المصدر: بكركي