دينيّة
12 نيسان 2024, 12:10

توقيت عيد الفصح

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم مطران نيويورك وسائر أميركا الشّماليّة للرّوم الأرثوذكس المتروبوليت سابا إسبر

 

"يعيّد المسيحيّون فصحًا واحدًا، ولو اختلفوا في توقيت العيد. الفصح هو فصح الربّ يسوع المسيح وقيامته، وما يرافق هذا العيد من طقوس وتقاليد، تختلف بين مجموعة مسيحيّة وأخرى، إنّما يقول أمراً واحداً: ألا وهو صلب المسيح وقيامته. من هنا الكلام الشعبي المتداول، حول "إقامته" في كنيسة و"تجنيزه" في أخرى، كلام سخيف. قد يختلف توقيت إقامة خدمة الجنّاز أو القيامة أو... بين عدّة كنائس في الأبرشيّة الواحدة. يقيم الأستراليّون قدّاس الفصح فيما يكون الأمريكيّون الشماليّون يقيمون قدّاس سبت النور، بسبب الفارق الزمني الكبير بين البلدين. الخدمة الليتورجيّة تستعيد حدث الصلب أو القيامة، ليعيش المؤمنون فعلهما في حياتهم، ولا تُجري الصلب أوالقيامة من جديد!

 

في المجتمعات التعددية المذاهب يكثر الكلام حول توحيد تاريخ عيد الفصح. ممّا لا ريب فيه أنّ الحاجة، عند الشعب المؤمن، باتت ماسّة، إلى تحقيق هذا الأمر، شهادةً، ولو خارجيّة، لكنّها منظورة، وتكتسب أهميّة أشد في المجتمع المتعدّد.

 

لا يعرف الكثيرون أنّ القاعدة، المطبَّقة في تعيين تاريخ عيد الفصح، هي إيّاها في الكنيستين الشرقيّة والغربيّة. جميع المسيحيين يتّبعون قاعدة المجمع المسكوني الأوّل (325م). فقد حدّد آباء هذا المجمع، القدّيسون، العيد يوم الأحد الأول، الذي يلي البدر الأول، بعد الاعتدال الربيعي. بكلام قريب لعصرنا، تقول هذه القاعدة، إنّ العيد يجب أن يقع يوم الأحد، الذي يلي البدر الأول، الذي يأتي بعد بدء فصل الربيع.  

 

لماذا الاختلاف القائم إذن؟ إنّه اختلاف في التقويم وليس في القاعدة. فالتقويم الذي كان سائدًا، في القرون الخمسة عشر الميلاديّة الأولى، هو التقويم المعروف بالشرقي أو اليولياني. أجرى الغرب تعديلاً أو تصحيحًا فلكيًّا عليه في القرن السادس عشر، على يد بابا روما غريغوريوس الثالث عشر، فعُرف بالتقويم المصحّح أو الغربي أو الغريغوري.  

 

يوجد بين التقويمين فرق يمتدّ لثلاثة عشر يومًا وست ساعات وعدد من الدقائق والثواني. فبدء الربيع في التقويم المدني، الجاري استعماله حاليًا، يقع في الواحد والعشرين من شهر آذار، الذي يوافق 8 آذار بحسب التقويم الشرقي. وعليه، بحسب التقويم الغربي، إذا ما اكتمل البدر في الفترة الواقعة ما بين 21 آذار إلى 3 نيسان، يكون الفصح في الأحد التالي لاكتمال القمر. ولكن في هذه الحالة يكون اكتمال القمر البدر، بحسب التقويم الشرقي، قد تم قبل بدء الربيع (يبدأ الربيع في 3 نيسان بحسب التقويم الشرقي)، فينتظر الشرقيّون البدر التالي، أي قرابة شهر وأكثر أحيانًا، حتّى يعيّدوا الفصح، وهذا سبب الفارق الكبير بين توقيت العيدين، هذا العام.  

 

ما يزيد الأمر تعقيدًا هو تزامن وقوع الفصح في حالات محددة كهذه مع الفصح اليهودي، بينما الفصح المسيحي يجب أن يكون، إيمانيًا، بعده، لا معه ولا قبله.  

 

في العام 1923، اتفقت بعض الكنائس الأرثوذكسيّة (القسطنطينيّة، أنطاكية، قبرص، اليونان أوكرانيا)على اتباع التقويم الغربي، في ما يخصّ جميع الأعياد الثابتة (التي لها تاريخ ثابت كالميلاد والبشارة). يقول بعضهم إنّه كان اتفاقاً متبادلًا، فيتّبع جميع الأرثوذكس كلّ الأعياد الثابتة بحسب التقويم الغربي، بينما يتّبع الكاثوليك الفصح والأعياد المتعلّقة به (الصعود، العنصرة) بحسب التقويم الشرقي. لست متأكداً من ذلك. لكن الكنائس الأرثوذكسيّة المذكورة اتّبعت التقويم الغربي في العام 1944، وقد سبّب وقوع انشقاق داخلي كبير فيها، بسبب رفض الكثيرين من أتباعها اتّباعه. وقد عدّ هؤلاء الأمر خروجًا على التقليد المستقيم الرأي، وخيانة للأرثوذكسيّة.  

 

انفصل عدد كبير من الأرثوذكس اليونان والقبارصة عن كنيستهم الأم بسبب التقويم القديم. لا يعترف هؤلاء بأيّ شركة لهم مع الكنيسة الأمّ.  

 

في ذلك الوقت كانت كنائس دول أوروبا الشرقيّة الأرثوذكسيّة في وضع لا يسمح لها بإجراء أي اتفاق (تحت الحكم الشيوعي). وظلت بعد انهيار النظام الشيوعي متشددة بما اعتادت على حفظه واتّباعه، ومنه اتباع التقويم الشرقي. إلى ذلك نمت عندهم تيارات شديدة التشدّد [باتت حاليا موجودة في الشرق والغرب]، يغذيها ما يحدث من اقتناص وتبشير على يد الجماعات المسيحيّة الغربية على أراضيها، ومن ليبرالية مضادة للقيم المسيحية باتت تغيّر المجتمعات وبعض الطوائف المسيحية.  

 

تنقل وسائل الإعلام من حين لآخر خبراً حول قبول بابا روما وبعض البطاركة بتعيين الأحد الثاني من نيسان موعداً ثابتاً للفصح، أو الاتفاق على موعد ما لا يتوافق مع قاعدة المجمع المسكوني الأول. إن صحّ هذا الخبر سوف يسبب انشقاقات جديدة في جسد الكنيسة الأرثوذكسية وقد يسبب كذلك في الكنيسة الكاثوليكية، لأنّه ينسف مبدأ المجمع المسكوني. فالقاعدة الإيمانية تقول أن ما أقّره مجمع مسكوني لا ينظر فيه مجددًا إلا مجمع مسكوني.

 

قرار كهذا سيزيد البلبال والتشويش، لأنّه يعارض قرار مجمع مسكوني، له رسوخ في العقيدة المسيحيّة. وبدلاً من أن يتمّ السجال حول توقيتين سترتفع حدّته أكثر بسبب ثلاثة توقيتات.  

 

يبقى لنا حالياً أن نصلّي بصدق، عسى الروح القدس يحرّك القلوب على أمل الالتقاء على شهادة فصحيّة متزامنة."