مصر
09 تموز 2021, 06:30

تواضروس الثّاني يكشف سبب الفرح الأوّل والوحيد لقلب المسيح

تيلي لوميار/ نورسات
عقد بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني اجتماع الأربعاء في المقرّ البابويّ في القاهرة، تابع فيها بثّ "رسالة فرح" من خلال رسالة بولس الرّسول إلى أهل فيلبّي في الأصحاح الثّاني، مشدّدًا على أهمّيّة "الوحدة".

وفي تفاصيل العظة، قال بابا الأقباط بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة":

"بدأت من أسبوعين أتكلّم معكم عن رسالة الفرح.. القدّيس بولس الرّسول كتب رسالة فيلبّي والّتي هي أوّل قرية أو مدينة صغيرة في أوروبا تنال الإيمان بالمسيح، واسمها جاء من اسم فيليب المقدونيّ والد الإسكندر الأكبر وسمّيت هذه المنطقة على اسمه، وتكوّنت في هذه المنطقة رعيّة مسيحيّة صغيرة وقليلة الإمكانيّات، الّتي كرز فيها هو بولس الرّسول الّذي ذهب إلى سجن روما، فابتدأ أهل فيلبي يجمعون بعض العطايا لبولس الرّسول في السّجن مع خادمهم أبفرودتس، وكان بولس الرّسول في غاية الفرح والسّعادة رغم وجوده في السّجن، وبدأ يُسطّر رسالة فيلبّي والّتي كتبها في السّجن ولكنّها ممتلئة تمامًا بمشاعر الفرح، ونلمس في كلّ كلمة فيها مدى فرحة قلبه بأهل فيلبّي وخدمته وعطيّتهم وفرحان بالتّاريخ، وعن طريق هذه الرّسالة قدّم لنا اليوم وعبر الأجيال مفاهيم كبيرة جدًّا وكثيرة جدًّا في موضوع الفرح.. سنأخذ الثّلث الأوّل في الإصحاح الثّاني ونكمل في الأسابيع القادمة إذا أراد ربّنا وعشنا، ولكن انتبه أنّ هذه المفاهيم المقدّمة في هذه الرّسالة تصلح لنا جميعًا: في الأسرة، في الخدمة، في المجتمع، في الكنيسة، في العلاقات، في الضّيقات، وهكذا.. أنظر معي أنّه يكتب وهو في السّجن ويضع لنا إطارًا عامًّا "ما معنى خدمة كنيسة" برغم وجوده في السّجن ولكنّه مشغول بالخدمة، وخدمة بولس الرّسول يُقدّمها بالشّرح ويفيدنا بها اليوم كأنّه يضع منهجًا أو إطار عمل .. إسمع معي "فَإِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي الْمَسِيحِ" وهذا أمر وهناك أمر آخر "إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّةِ" والأمر الثّالث "إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ" والأمر الرّابع "إِنْ كَانَتْ أَحْشَاءٌ وَرَأْفَةٌ"... فأيّ خدمة كنسيّة تُقدّمها الكنيسة يجب أن تكون خدمة متكاملة، والقدّيس بولس الرّسول وهو يكلّمنا الآن يقدّم لنا شكل الخدمة المتكاملة، والخدمة المتكاملة هي الّتي تشبع الإنسان، لأنّ الإنسان فيه عقل ونفس وقلب وروح وجسد وهذه الخطوط الأربعة والعريضة فكيف تبشعها الخدمة الكنسيّة، فانتبه أنّ بولس الرّسول يقول لنا أوّلًا على مستوى العقل "فَإِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي الْمَسِيحِ" أيّ أنّ أيّ عظة، تعليم، تُقدّم في الكنيسة يكون هدفها المسيح وتتكلّم عن المسيح وتتأمّل في أعمال السّيّد المسيح ولكن هناك شيئ هامّ أنّ كلمة وعظة أو عظة sermon  بالإنجليزيّ تختلف تمامًا عن كلمة محاضرة، والفرق هو أنّ كلمة محاضرة معناها تعليم في أيّ مجال من مجالات العلم بأيّ شكل وبأيّ صورة وهذا ما نجده في الكلّيّات والمعاهد وفصول الدّراسة (lecture)، ولكن كلمة عظة أو وعظ أو موعظة لا بدّ أن تتميّز بأمريْن، أوّلهما أن تكون بتتكلّم عن المسيح وثانيهما أن تكون تحثّ وتحفّز الإنسان على التّوبة، فإن اجتمع هذيْن الأمريْن فتكون الكلمة هي موعظة وعظة تقدّم لكي يكون الإنسان في حياته وعلاقته مع المسيح أفضل كما تكون خطوة من خطوات التّوبة، "فَإِنْ كَانَ وَعْظٌ مَا فِي الْمَسِيحِ"، وهذا ما نسمّيه الخدمة التّعليميّة الّتي تخاطب عقل الإنسان وتخاطب فكره ورؤيته للحياة وهذا ركن.. أمّا الرّكن الثّاني "إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّةِ"، " تسلية "كلمة يونانيّة في الأصل تعني عمليّة التعزية أو الكلمة التي تُريحك وتشبعك وتطبطب عليك، كما تعني عملية الافتقاد والمساندة لأي إنسان مثل مجاملة الآخر في فرح أو في حزن، فمثلًا لم يحصل أحدهم على تقدير جيّد في أحد امتحاناته وحزين فنذهب للوقوف بجانبه، أو في تجربة أو فشل في مشروع (المساندة)، لكن أيضًا كلمة تسلية تعني الأنشطة أو التّرفيه مثال المسرح في الكنيسة أو عرض كنوع من التّرفيه وكنوع من الاحتياج للنّفس البشريّة أو نشاط آخر كالكورال أو حفلات مرتبطة بمناسبة معيّنة، كلّ هذه الأنشطة وغيرها يُسمّيها بولس الرّسول "إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ"، وكلمة تسلية هنا أن يكون هدف أيّ نشاط يؤدّي إلى المزيد من المحبّة وأن يخرج المشاركين والمشاهدين أكثر محبّة، أحبّ ربّنا أكثر وأشعر بالرّاحة والسّعادة والفرح لأنّي قضيت وقتًا جيّدًا.. "إِنْ كَانَتْ تَسْلِيَةٌ مَا لِلْمَحَبَّةِ" وهنا يُخاطب النّفس أمّا الوعظ يُخاطب العقل.. والرّكن الثّالث "إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ" وهنا الشّركة الرّوحيّة أو ما نُسمّيه (العبادة)، عندما أقف في القدّاس وأشترك، وعند حضور التّسبحة وأشترك، وأقف في اجتماع صلاة وأشترك، اجتماعات الخدمة الرّوحيّة كلّها، الرّوح تريد أن تنتعش كما يقول "إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ" ففي كلّ مراحل القدّاس بصلوات أبونا والصّلوات الّتي يردّ عليها الشّمّاس ويشارك فيها الشّعب بالألحان والقراءات وفي الآخر نقول "سبّحوا الله في جميع قدّيسيه" فصرنا في زمرة القدّيسين كأنّنا في السّماء وهكذا، "إِنْ كَانَتْ شَرِكَةٌ مَا فِي الرُّوحِ" خدمتك التّعبّديّة، العبادة سواء الفرديّة في البيت وسواء الجماعيّة في الكنيسة وسواء في مجموعات صغيرة أو كبيرة كما في تسبحة شهر كيهك ونسهر طول اللّيل، فيخرج الإنسان بروحه شبعانة وفرحانة ويشعر بالمشاركة السّمائيّة.. أمّا خدمة الجسد وهو الأساس وهو باللّغة المعاصرة (الخدمة الاجتماعيّة) أو (الرّعاية الاجتماعيّة) وهي كلمة واسعة، ولكن في تعبير بولس الرّسول "إِنْ كَانَتْ أَحْشَاءٌ وَرَأْفَةٌ"، الأحشاء تعني الأحشاء الدّاخليّة وكيف يتأثّر الإنسان باحتياجات الآخرين، فالخدمة من القلب، ولذلك دائمًا نقول شيئًا هامًّا وهو أنّ المحبّة تسبق العطيّة، بصفة عامّة كمثال تقديم الطّعام بترحاب كبير وكقول المثل الشّعبيّ (لاقيني ولا تغديني)، وفي لاقيني يوجد التّعبير النّفسيّ والفرحة والكلمات اللّطيفة وهي ما يُسمّى بخدمة الرّأفة (ترأّف علينا)، اللّهمّ ترأّف علينا، عند تقديم طعام أو شراب أو كساء أو دواء تُقدّمها بأحشائك ووجدانك ومشاعرك وبمحبّتك... هذه الخدمات الأربعة تكتمل بخدمة أحشاء ورأفة الّتي قال عنها السّيّد المسيح "لأَنِّي جُعْتُ فَأَطْعَمْتُمُونِي. عَطِشْتُ فَسَقَيْتُمُونِي. كُنْتُ غَرِيبًا فَآوَيْتُمُونِي. عُرْيَانًا فَكَسَوْتُمُونِي. مَرِيضًا فَزُرْتُمُونِي. مَحْبُوسًا فَأَتَيْتُمْ إِلَيَّ"، وهي خدمة اجتماعيّة ومن الطّبيعيّ أنّ أيّ مجتمع به فقراء وأغنياء والله يسمح بهذا لكي تتحرّك القلوب لأنّ ما يعطيه الله له يمكن أن يقدّم منه للآخر، في كلّ شيء سواء مال أو علم أو طبّ وهكذا، وبولس الرّسول في آية واحدة يرسم لنا صورة الخدمة وهو في السّجن وهذه الصّورة تُطبّق في أيّ زمان وأيّ مكان ونسمّيها صورة الخدمة الشّاملة... وهل لها شرط ؟ بالطّبع، شرط مهمّ جدًّا للإطار التّكامليّ الشّامل ويقول: "فَتَمِّمُوا فَرَحِي" بمعنى أن لا يكون فرحي ناقص أو قليل بل اجعله كاملاً وشاملاً ، وذلك من خلال مبدأ هامّ وهو "حَتَّى تَفْتَكِرُوا فِكْرًا وَاحِدًا وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا"، القدّيس بولس الرّسول يريد أن يقول إنّ سبب الفرح الأوّل والوحيد لقلب المسيح هو أن نكون واحدًا، فالفكر الواحد يأتي من الإنجيل، ويختلف النّاس لأنّهم ليس لديهم الفكر الواحد ولا يعيشوا بروح الإنجيل، لذلك وكما قلنا "فَقَطْ عِيشُوا كَمَا يَحِقُّ لإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ" ... "وَلَكُمْ مَحَبَّةٌ وَاحِدَةٌ" وهذه المحبة نقدمها للمسيح، كما قلنا أننا نتجه من محيط الدائرة إلى المركز الذي هو مسيحنا، ناظرين إلى المسيح ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله ربنا يسوع المسيح، "بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ"، في الكنيسة، فصلوات القدّاس كلّها صلوات جماعيّة بنفس واحدة ذائبين في شخص ربّنا يسوع المسيح، فكما قلنا فكر واحد للإنجيل ومحبّة واحدة للمسيح ونفس واحدة في الكنيسة، و"مُفْتَكِرِينَ شَيْئًا وَاحِدًا" بمعنى لكم رؤية واحدة وهو الهدف الواحد هو الملكوت، عينك على السّماء... هذه الصّورة المضيئة للكنيسة: فكر واحد، محبّة واحدة، نفس واحدة، هدف واحد، كلّه مع بعضه يُشكّل الوحدانيّة، والمسيح يقول "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا" في يو 17 في الصّلاة الوداعيّة، لأنّ مسيحنا يشتاق ليكون الجميع واحدًا... نتأمّل كيف استطاع بولس الرّسول برغم جوّ السّجن استطاع أن يكتب لنا هذه الجواهر الثّمينة وكيف استطاع أن يُسجّل خبرته: وعظ للمسيح، تسلية للمحبّة، شركة للرّوح، أحشاء ورأفة، وتمّموا فرحي، ويجعل هذه الخبرة كعقد من اللّآلئ... ثمّ يحذّرنا، "لاَ شَيْئًا بِتَحَزُّبٍ أَوْ بِعُجْبٍ" (أيّ يتعاجب الشّخص بنفسه)، "بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ"، وكأنّ بولس الرّسول يضع يده على الدّاء الخطير الّذي نسمّيه "داء الكبرياء" كما يضع الطّبيب يده على موضع التّعب فيكتشفه، ويقول بولس الرّسول "حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ" وهذا هو تعليم الإنجيل أن لا تنظر إلى نفسك وإلى الأنانيّة أو الفرديّة والذّاتيّة والمصالح الشّخصيّة، وحتّى على مستوى الدّول– فالدّولة الّتي تنظر لنفسها فقط لا تعيش بشكل جيّد لأنّ كلّ دولة تحتاج للأخرى وكذلك الإنسان يحتاج للآخر وربّنا خلق كلّ إنسان بهدف وبرسالة وعمل، "لاَ تَنْظُرُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لِنَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَا هُوَ لآخَرِينَ أَيْضًا" فيضع أمامنا المفهوم الجميل أن نحذّر من الكبرياء والتّحزّب والتّباهي، فيرسم لنا بولس الرّسول شكل الخدمة المتكاملة والهدف فيها أن تتمّموا فرحي عن طريق سعادة وجودنا على الأرض ثمّ يحدّد الصّورة المضيئة للكنيسة وشكلها ويحدّدها في نقط ثمّ يحذّرنا، لأنّ التّحزّب يقسم الكنيسة ويضيّع الفرح وحتّى في أيّ مجتمع تظهر فيه انقسامات يضيع منه الفرح، فلا تنظر لنفسك أنّك أفضل من الآخرين وتفهم أفضل منهم وتعرف أكثر وعقلك هو الأفضل بين الآخرين، فانتبه أيّها الحبيب لأنّ الكتاب يوصينا "بَلْ بِتَوَاضُعٍ، حَاسِبِينَ بَعْضُكُمُ الْبَعْضَ أَفْضَلَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ" أيّ أن أحسب الآخر أفضل من نفسي وهذه هي الصّورة الحلوة ومن أجل أن يؤكّدها قدّم لنا بولس الرّسول في هذا الجزء نموذجًا لشخص ربّنا يسوع المسيح، ويُقدّم هذا النّموذج في صفات متتالية وماذا فعل السّيّد المسيح لنفعل مثله، "فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلًا للهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ"، فيضعها لنا في درجات وتُسمّى درجات الإخلاء السّبعة (درجات التّواضع)، الأولى: أَخْلَى نَفْسَهُ، أيّ أنّ المسيح تجرّد من ذاته لأنّ المسيح وُلد في مذود بقر، الثّانية: آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، فما هو المنصب الّذي احتلّه وما هي المكانة الّتي حصل عليها بل وُلد كعبد، الثّالثة: صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ، التّجسّد– عظيم هو سرّ التّقوى. الله ظهر في الجسد، الرّابعة: وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، صار إنسانًا فيطلب من المرأة السّامريّة اعطيني لأشرب آخذًا طبيعة النّاسوت وتجسّد، الخامسة: وَضَعَ نَفْسَهُ، فالمسيح الإله العظيم يضع نفسه حتّى في رحلة الصّليب، السّادسة: وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ، وجميعنا نعرف مراحل الموت، السّابعة: مَوْتَ الصَّلِيبِ، والصّليب في زمن المسيح كان للعار أيّ أنّه يحمل المذلّة... وهكذا هذه الخطوات تمثّل صورة التّضحية الّتي يقدّمها السّيّد المسيح ويضعها بولس الرّسول كنموذج، أخلى نفسه، أخذ صورة عبد، صار في شبه النّاس، صار في الهيئة كإنسان، وضع نفسه، أطاع حتّى الموت، موت الصّليب... وننتبه إلى أنّه قدّم عمل المسيح كمراحل ليبيّن أن المسيح صنع هذا من أجلك أنت فماذا تفعل، هل ستعيش في الكبرياء في التحزب في الانقسام ، هل سترى نفسك عظيم .. ثم يُكمل، ويريد أن يشرح لنا صورة المجد، فالمسيح نزل من السّموات وتجسّد كما نقول في قانون الإيمان "من أجلنا ومن أجل خلاص جنسنا نحن البشر"، "لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ. لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ" وصعد إلى السّموات وجلس عن يمين أبيه كما نقول في فقرات قانون الإيمان، توجد درجات الإخلاء السّلّم النّازل وتوجد درجات المجد السّلّم الصّاعد، "رَفَّعَهُ اللهُ" وتعني عاد إلى مجده ومكانته الرّفيعة وجلس عن يمين أبيه، "وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ" لأنّ المسيح هو المخلّص الفادي الّذي جاء من أجل خلاص جنس البشر وصار له اسم وهذا الاسم في مكانة رفيعة، "لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ"، من خلال ربّنا يسوع المسيح تعلّمنا عبادة السّجود بإسم ربّنا يسوع المسيح "مِمَّنْ فِي السَّمَاء" من الطّغمات الملائكيّة "وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ" وهم النّساك والعبّاد القدّيسين وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ" وهم القدّيسون غير المعروفين ومَن امتلأت بهم البراري ولكن الله يعرف قلوبهم، "وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ" الاعتراف ويصير على كلّ لسان اسم المسيح ويصير الإيمان إلى كلّ قلب، وهذه هي درجات السّلّم الصّاعد إلى السّماء، رفعه الله، أعطاه اسمًا فوق كلّ اسم، تجثو له كلّ ركبة، من في السّماء من على الأرض من تحت الأرض، يعترف كلّ لسان أنّ يسوع المسيح هو ربّ لمجد الله الآب... والقدّيس بولس الرّسول في هذه الرّحلة الجميلة وهو يقدّم لنا صورة للإنسان المتّضع وللكنيسة المتّضعة كما يقدّم صورة للخدمة النّاجحة والشّاملة والمتكاملة، فنجد داخل الكنيسة الشّاطر في الوعظ والشّاطر في العبادة والشّاطر في التّسلية والشّاطر في الخدمة الاجتماعيّة وكلّهم يتكاملون مع بعضهم البعض ويتمّمون روح الفرح في الكنيسة النّاجحة، وهذا يجعل الإنسان المتكامل الّذي فكره الواحد من الإنجيل ومحبّته واحدة للمسيح ونفسه واحدة داخل الكنيسة وأخيرًا هدفه واحد للملكوت.. كما يقدّم الرّسول بولس لنا صورة اتّضاع ربّنا يسوع المسيح...

إنتبه أنّه بدأ بشرح الخدمة وتكاملها ثمّ بدأ يقدّم صورة الكنيسة النّاجحة في وحدانيّتها ثمّ يحذّرنا من خطايا التّحزّب والكبرياء والانقسام ثمّ يعطينا الشّكل المضيء أو المثال الواضح لنا كلّنا وهو اتّضاع ربّنا يسوع المسيح...  

أدعوك أن تقرأ هذا الجزء في الإصحاح الثّاني كلمة بكلمة وتطبّقه على نفسك وتستنتج روح الفرح وتنظر لنفسك وما هو ناقص في حياتي أو في خدمتي، وما هي الخطيئة الّتي قد توجد في حياة الإنسان من ناحية التّحزّب أو الانقسام وكيف تكون حياة الإنسان حياة واحدة...  

يعطينا مسيحنا أن نكون في هذه الصّورة بالفكر الخاضع والمتّضع والمفرح لشخص ربّنا يسوع المسيح. له كلّ مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين!".