مصر
08 نيسان 2021, 08:45

تواضروس الثّاني: يجب أن تضع نفسك محلّ كلّ شخصيّة من شخصيّات آحاد الصّوم الكبير

تيلي لوميار/ نورسات
تابع بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني خلال اجتماع الأربعاء مساءً، التّأمّل بالأسفار، وتوقّف تحديدًا عند سفر ناحوم وشفاء المخلّع، فألقى عظة قال فيها بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة":

"بإسم الآب والإبن والرّوح القدس إله واحد آمين، تحلّ عينا نعمته ورحمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين.

من إنجيل معلّمنا مار يوحنّا البشير:

"وَبَعْدَ هذَا كَانَ عِيدٌ لِلْيَهُودِ، فَصَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَفِي أُورُشَلِيمَ عِنْدَ بَابِ الضَّأْنِ بِرْكَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْعِبْرَانِيَّةِ «بَيْتُ حِسْدَا» لَهَا خَمْسَةُ أَرْوِقَةٍ. فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ. لأَنَّ مَلاَكًا كَانَ يَنْزِلُ أَحْيَانًا فِي الْبِرْكَةِ وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ. فَمَنْ نَزَلَ أَوَّلًا بَعْدَ تَحْرِيكِ الْمَاءِ كَانَ يَبْرَأُ مِنْ أَيِّ مَرَضٍ اعْتَرَاهُ. وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً.هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: "أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟" أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: "يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ. بَلْ بَيْنَمَا أَنَا آتٍ، يَنْزِلُ قُدَّامِي آخَرُ». قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ"، فَحَالًا بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى. وَكَانَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ سَبْتٌ."

كم تحدّثنا في الأسابيع الماضية عن (سفر حبقوق وسفر زكريّا وسفر حجّي) اليوم سوف أقوم بالرّبط بين سفر ناحوم وأحداث أحد المخلّع (مريض بيت حسدا) وحسدا كلمة عبرانيّة معناها موضع الرّحمة.

مقدّمة سفر ناحوم:

كلمة ناحوم تعني نياحة أو راحة وكانت تدور حول سقوط مملكة أشور الّتي أهلكت كثيرًا من المدن وسوف يكون ذلك تعزية لإسرائيل الّتي قاست آلامًا كثيرة على يد أشور، وهذا السّفر قصير، ثلاث أصحاحات ومكتوب بالشّعر وهو قصائد مرتّبة بالحروف الأبجديّة، "الرّبّ إله غيور ومنتقم. الرّبّ منتقم وذو سخط. الرّبّ منتقم من مبغضيه وحافظ غضبه على أعدائه"، "من يقف أمام سخطه؟ ومن يقوم في حمو غضبه؟ غيظه ينسكب كالنّار، والصّخور تنهدم منه" ويتكلّم عن سقوط مملكة أشور الّتي عاصمتها نينوى، ونينوى هي الّتي تابت على يد يونان النّبيّ ولكن بعد أجيال عادوا إلى الخطية، وسفر ناحوم يسجّل سقوط نينوى، والسّفر ثلاث أصحاحات:

الأصحاح الأوّل يتحدّث عن سقوط المملكة ويتكلّم عن تعامل الله مع الأشرار "الرّبّ بطيء الغضب وعظيم القدرة، ولكنّه لا يبرئ البتّة."  

الأصحاح الثّاني يتحدّث عن سقوط نينوى العظيمة ونذكر عندما تحدّثنا عن نينوى في سفر يونان أنّها كانت مدينة عظيمة وكانت في ثراء شديد.  

الأصحاح الثّالث يتحدّث عن سقوط المملكة كلّها ويقول لنا في سفر ناحوم "صالح هو الرّبّ. حصن في يوم الضّيق، وهو يعرف المتوكّلين عليه."  

الرّبط بين سفر ناحوم وأحداث معجزة شفاء بيت حسدا:

1- الرّبط في الأسماء: ناحوم وبركة حسدا، وكانت بركة حسدا مثل شكل كفّ اليد وكانت لها خمسة أروقة وينتظر النّاس الملاك لينزل ويحرّك المياه، الله هو الرّحوم وهو الّذي يعزّي ويشفي المرضى ويفتقد الإنسان البعيد وهو سبب التّعزية في أيّ آلام يتعرّض لها الإنسان.

2- في هذا المكان نجد الكثير من المرضى: "فِي هذِهِ كَانَ مُضْطَجِعًا جُمْهُورٌ كَثِيرٌ مِنْ مَرْضَى وَعُمْيٍ وَعُرْجٍ وَعُسْمٍ، يَتَوَقَّعُونَ تَحْرِيكَ الْمَاءِ" وكان مريض بيت حسدا ليس له أحد، في سفر ناحوم "فَرَاغٌ وَخَلاَءٌ وَخَرَابٌ، وَقَلْبٌ ذَائِبٌ وَارْتِخَاءُ رُكَبٍ وَوَجَعٌ فِي كُلِّ حَقْوٍ. وَأَوْجُهُ جَمِيعِهِمْ تَجْمَعُ حُمْرَةً." وهذا يحكي عن الضّعف الموجود في الأمّة القديمة، الخطيّة أيضًا تنشئ في حياة الإنسان الفراغ والخراب والمرض الجسديّ يسبّب قلبًا خائفًا وارتخاءً ووجعًا كتعبير عن الحزن والانكسار، ويجلس على البركة عشرات من النّاس معذّبين منذ زمن- تخيّل شكل المعاناة- وهذا ما تفعله الخطيّة في الإنسان.

3- السّيّد المسيح يكشف الفكر: "وَكَانَ هُنَاكَ إِنْسَانٌ بِهِ مَرَضٌ مُنْذُ ثَمَانٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً.هذَا رَآهُ يَسُوعُ مُضْطَجِعًا، وَعَلِمَ أَنَّ لَهُ زَمَانًا كَثِيرًا، فَقَالَ لَهُ: "أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟" "لاحظ أنّ السّيّد المسيح يتحدّث معه عن الشّفاء وليس المرض، وفي سفر ناحوم" "صَالِحٌ هُوَ الرَّبُّ. حِصْنٌ فِي يَوْمِ الضَّيقِ، وَهُوَ يَعْرِفُ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ." الله هو الشّفاء وقت المرض، وعاش المفلوج 38 سنة من الضّيق.

4- عدم الإحساس بالآخرين: "أَجَابَهُ الْمَرِيضُ: يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ"، في سفر ناحوم "قِفُوا، قِفُوا!" وَلاَ مُلْتَفِتٌ." هذا الإنسان صار متروكًا ولا نقدر أن نصف مدى آلام هذا الإنسان، وهذه الصّورة تظهر أنّ الاتّكال على البشر لا ينفع، الاتّكال على الله فقط.

5- تمتدّ يد الشّفاء والله يشفي: "قَالَ لَهُ يَسُوعُ: "قُمِ. احْمِلْ سَرِيرَكَ وَامْشِ، فَحَالًا بَرِئَ الإِنْسَانُ وَحَمَلَ سَرِيرَهُ وَمَشَى." في سفر ناحوم "وَالآنَ أَكْسِرُ نِيرَهُ عَنْكِ وَأَقْطَعُ رُبُطَكِ". "شَدِّدِ الْحَقْوَيْنِ. مَكِّنِ الْقُوَّةَ جِدًّا." وهذا الإنسان كان مربوطًا بالمرض وصار مقعدًا ثمّ يأتي له فعل القيامة (قم) وتُقطع خيوط مرضه بكلمة السّيّد المسيح، لا تترك نفسك للكسل والمرض، ويقوم ويحمل السّرير ويمشي وهذا يظهر أنّه عادت له الصّحّة بالكامل.

6- الله يجول يصنع خيرًا: "فَمَضَى الإِنْسَانُ وَأَخْبَرَ الْيَهُودَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الَّذِي أَبْرَأَهُ." والمعجزة تمّت يوم سبت وكانت هذه مشكلة الفرّيسيّين وأنّهم كانوا ينظرون أنّ السّبت أهمّ من الإنسان وكان قلبهم وذهنهم ضيّقًا، في سفر ناحوم "هُوَذَا عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَا مُبَشِّرٍ مُنَادٍ بِالسَّلاَمِ! عَيِّدِي يَا يَهُوذَا أَعْيَادَكِ. أَوْفِي نُذُورَكِ، فَإِنَّهُ لاَ يَعُودُ يَعْبُرُ فِيكِ أَيْضًا الْمُهْلِكُ" عندما رأى اليهود المريض يتحرّك وكأنّ نبوءة ناحوم تتحقّق "هُوَذَا عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَا مُبَشِّرٍ مُنَادٍ بِالسَّلاَمِ" وصار المريض مبشّر بهذا السّلام، "عَيِّدِي يَا يَهُوذَا أَعْيَادَكِ. أَوْفِي نُذُورَكِ، فَإِنَّهُ لاَ يَعُودُ يَعْبُرُ فِيكِ أَيْضًا الْمُهْلِكُ" في العهد القديم كان هناك ربط بين الخطيّة والمرض، واليهود تركوا الشّفاء وتوقّفوا عند السّبت والسّيّد المسيح كان يتعمّد أن يفعل المعجزات يوم سبت لعلّهم يبصرون ويفهمون ولكن برغم من ذلك ماتوا في خطيّتهم ولم يفهموا.

7- المسيح يقابل المريض بعد شفائه: وقال له "هَا أَنْتَ قَدْ بَرِئْتَ، فَلاَ تُخْطِئْ أَيْضًا، لِئَلاَّ يَكُونَ لَكَ أَشَرُّ." في سفر ناحوم "الرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَعَظِيمُ الْقُدْرَةِ، وَلكِنَّهُ لاَ يُبَرِّئُ الْبَتَّةَ."

لاحظ أمرين: الأوّل أنّ السّامريّة والمخلّع والمولود أعمى كلّها معجزات تمّت بجانب الماء وكان هذا إعدادًا للموعظين لنوال سرّ المعموديّة.

الأمر الثّاني: الإبن ضالّ أخطأ مرّة واحدة والسّامريّة أخطأت بعض المرّات ولكن المفلوج له 38 سنة، عمر طويل، "الرَّبُّ بَطِيءُ الْغَضَبِ وَعَظِيمُ الْقُدْرَةِ، وَلكِنَّهُ لاَ يُبَرِّئُ الْبَتَّةَ." والابن ضالّ قدّم توبة صادقة والسّامريّة صارت كارزة واليوم مريض بيت حسدا يعود لصحّته، وينبّهه السّيّد المسيح: "ها أنت قد برئت فلا تخطئ أيضًا"، يجب أن تضع نفسك محلّ كلّ شخصيّة من شخصيّات آحاد الصّوم الكبير وتشعر بالحدث وتطلب من الله التّوبة وتأخذ فرصة لبداية جديدة، والصّوم وظيفته أن نقوم بعمليّة تجديد لحياتنا الدّاخليّة ويصل كلّ منّا إلى يوم الصّليب كإنسان جديد، ضع هذه الصّورة أمامك. تدريب هذا الأسبوع أن تقرأ سفر ناحوم، وركّز على وعود الله للمتّكلين على رحمته وقم بحفظ بعض الآيات القويّة الّتي تتناسب مع أحداث أحد مريض بيت حسدا. المسيح يباركنا كلّنا ويعطينا نعمة التّوبة النّقيّة في حياتنا. لإلهنا كلّ مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين."