مصر
01 تشرين الأول 2021, 11:50

تواضروس الثّاني: تمتّع وتلذّذ بأعمال الله!

تيلي لوميار/ نورسات
قدّم بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني درسًا جديدًا من دروس الحكمة، على ضوء المزمور 37، فدعا في عظة الأربعاء المؤمنين إلى "التّلذّذ بالرّبّ" وبأعماله، فقال بحسب "المتحدّث بإسم الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة":

"اليوم أتحدّث معكم عن الدّرس الخامس من دروس الحكمة "تَلَذَّذْ بِالرَّبِّ"، وكلمة تلذّذ من أجمل الكلمات في معناها وفي مفعولها في الآيات (٤-٥-٦) "تَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ. سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ" نضعهم تحت عنوان "تَلَذَّذْ بِالرَّبِّ".  

وهذه الآيات تضع أمامنا ثلاثة أفعال يقوم بها الإنسان (تلذّذ- سلمّ - اتّكل عليه) وقد تكلّمنا عن اتّكل عليه والجديد تلذّذ وسلّم للرّبّ طريقك، وهذه وصايا من إنسان مختبر كتبها داود النّبيّ في المزامير عن اختبار وليس فلسفة لغويّة ولكن كتبها عن طريق اختبار الحياة الرّوحيّة مع الله، وكان داود النّبيّ شاعرًا وكاتبًا ومتأمّلًا وموسيقارًا، وهذه الرّوح الصّافية جعلته يتأمّل ويستخرج ألفاظًا نفرح بها، وعندما تتلذّذ بالرّبّ وتسلّم له حياتك في المقابل "فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ" "سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ" الإنسان الّذي يريد أن يعيش حكيمًا يجب أن يتلذّذ بالرّبّ ويعطي من وقته وقتًا يتلذّذ فيه مع الله، وتلذّذ بالرّبّ تعني أن تركّز من العاطي قبل أن تتمتّع بالعطيّة، كلّنا نفرح بعطايا الله لكن لا تنسى أن تتلذّذ بالعاطي لأنّ هذا امتياز لك كإنسان أن تتمتّع بالعاطي وتتمتّع بالعطيّة، ولذلك كنيستنا في كلّ الصّلوات الجماعيّة والفرديّة نبدأها بالشّكر.

وسوف أضع أمامك سبعة نقاط حول "كيف يتلذّذ الإنسان بالرّبّ؟":  

1- تلذّذ بالرّبّ بخلاصه على الصّليب: السّيّد المسيح عندما جاء "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." (يو ٣: ١٦). لأنّ الحبّ هو مفتاح القلوب، فأوّل شيء تتلذّذ به هو الصّليب، ونحن في عيد الصّليب وهو أوّل أعياد السّنة القبطيّة بعد بداية السّنة بعيد النّيروز، تلذّذ بخلاص الصّليب الّذي قدّمه السّيّد المسيح من أجلك، لأنّه بدون الصّليب لم يكن للوجود الإنسانيّ معنى، وبدون الصّليب لا توجد كنيسة أو خدمة أو إنجيل أو إيمان أو خلاص للإنسان من الخطيئة، لذلك من التّقاليد الجميلة ونحن نصلّي في مخدعنا أن نمسك صليبًا صغيرًا، وعلّم أولادك كلّ واحد أن يمسك صليبًا وهو يصلّي وأن تعلّق الصّليب في حجرته وأن يرشم الصّليب في بداية ونهاية كلّ عمل، وفي بعض التّداريب عندما تمسك صليبًا وعليه جسم السّيّد المسيح متجسّم تتحسّسه بيدك حتّى يصل الشّعور بداخلك بهذا المسيح الّذي صلب من أجلك، والإنسان الخاطئ هو الّذي كان من المفروض أن يصلب ولكن السّيّد المسيح حمل خطايانا وأوجاعنا على خشبة الصّليب من أجلنا فصار ذبيحة من أجلنا، تمتّع بخلاص المسيح وضع في مخدع صلاتك صليبًا تتأمّل فيه باستمرار، تمتّع بالخلاص وافرح بالخلاص الذّي قدّمه المسيح على الصّليب.

2- تلذّذ بالرّبّ في الصّلاة: الصّلاة فعل بشريّ نقوم به ونتعلّمه منذ الصّغر، تلذّذ بحضور السّيّد المسيح في صلواتك، كما نصح عالي الكاهن صموئيل أن يقول "تكلّم يا ربّ لأنّ عبدك سامع" وأنت في الصّلاة تتلذّذ بحضور الله معك، وكنيستنا متميّزة بالصّلوات الطّويلة لأنّها فرصة ليحدث اندماج بينك وبين الله فتتلذّذ بالصّلاة، ونسمع عن القدّيسين الّذين كانوا يقضون اللّيل كلّه في الصّلاة فماذا كان الآباء يرون؟! هو نوع من اللّذّة، وكلّ مرّة تصلّي قُل "تكلّم يا ربّ لأنّ عبدك سامع" ارفع قلبك بصلاة قصيرة لتتلذّذ بحضور الله في الصّلاة.

3- تلذّذ بمعرفة السّيّد المسيح من خلال الكتاب المقدّس: الكتاب المقدّس ليس كتاب تاريخ أو معلومات هو كتاب خلاص، وفيه المعرفة الرّوحيّة وهو عبارة عن دليل لطريقك للسّماء، الكتاب المقدّس هو كتاب خلاص "اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ،" (يو ٦: ٦٣). لذلك إذا أردت أن تتلذّذ بمعرفة الله تلذّذ بالوجود في الكلمة المقدّسة كلّ يوم، يقول لنا بولس الرّسول "لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ،" (في ٣: ١٠). وهنا المعرفة الشّخصيّة، يجب أن تبني علاقة شخصيّة بينك وبين مسيحك تلذّذ بهذه المعرفة، كلّنا نحبّ الصّداقة وعندما تكون مع صديقك لا تشعر بالوقت فهل السّيّد المسيح صديق لك؟ وهل عندما تجلس معه تشعر بالاندماج والانسجام الّذي يجعلك فرحًا بحضور السّيّد المسيح؟ تمتّع وتلذّذ بمعرفة مسيحك من خلال الكتاب المقدّس والقراءة والدّراسة والتّأمّل وأن تعيش بداخل الكلمة، وفي سفر الرّؤيا يقول "طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ" يقرأ كلمة ربّنا، وبولس الرّسول يقول "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ." (عب ٤: ١٢). من فضلك تمتّع وتلذّذ بمعرفة السّيّد المسيح وكلّ هذا يؤول إلى أن تصير إنسانًا حكيمًا وتفهم حياتك وتفهم تدابير الله الّتي يفعلها معك و تصير إنسانًا حكيمًا وما أبهى الحكمة كإكليل فوق رأسك.

4- تلذّذ بعمل الله في البشر: الله يدبّر حياة الإنسان وهو محبّ للبشر وهو صانع الخيرات وضابط الكلّ، لذلك تلذّذ باختبارات معرفة الله، ونقرأ سير القدّيسين لأنّ سيرهم هي عبارة عن اختبارات الله في حياتهم، الله يرسم خطّة لكلّ واحد منّا ويدبّر حياة الإنسان من يوم إلى يوم، تلذّذ بعمل الله في حياة النّاس وشجّع أولادك على كتب المذكّرات، مذكّرات المخترعين والعلماء وكيف استخدمهم الله في خدمة البشر، تمتّع وتلذّذ بأعمال الله في تدبير حياة البشر .

5- تلذّذ بجمال الرّبّ: تمتّع بالرّبّ في الطّبيعة، ولذلك نشعر بالسّعادة عندما نذهب لمنطقة خضرة ونشعر أنّنا نتلامس مع يد الله، تمتّع بجمال الطّبيعة وبكلّ شيء أوجده الله، في سفر الأمثال يقول "اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا." (أم ٦: ٦). يمكن أن تتعلّم من كلّ صغيرة وكبيرة في الطّبيعة، كلّ ما صنع الله والطّبيعة في جمالها لخدمة الإنسان، تلذّذ بالرّبّ في الطّبيعة الّتي يديرها.

6- تلذّذ برحمة وحنان الرّبّ: إنّ الله رحيم على الإنسان ويقبل كلّ أحد، مثلما قبل زكّا ودعاه ليقول له أكون اليوم في بيتك، زكّا أراد أن يتلذّذ بالرّبّ فينطق المسيح باسمه ويدعوه، وأيضًا المرأة الّتي أمسكت في الخطية وكيف كان السّيّد المسيح في قمّة الحنان والرّحمة وهو يتعامل مع الموقف في منتهى الهدوء ويقول لها "أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ ... "«وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا" (يو ٨: ١١). تمتّع بحنان المسيح ورحمته وطول أناته وصبره عليك تتمتّع بعمل الله الكبير معك.

7- تلذّذ بالرّبّ بخدمته: إحدى مظاهر التلّذّذ بعمل الله هي الخدمة والخدمة بها كلّ النّقاط السّابقة تتلذّذ بخلاصه وبمعرفته وعمله وبجماله وبرحمته، تلذّذ بالرّبّ من خلال خدمة النّفوس المحتاجة والّذين ليس لهم أحد يذكرهم وقطاعات الخدمة بكلّ أشكالها، وفي الخدمة يتلامس الإنسان مع الله.

لذلك أيّها الحبيب خلاصة الأمر... تلذّذ بالرّبّ فيعطيك سؤل قلبك، افرح وتمتّع وكما قلت لك هذا امتياز لك وليس واجبًا، وتتلذّذ بالعاطي وكذلك العطيّة وضعها شعارًا أمامك "لكيما تكون حكيمًا تعلم كيف تتلذّذ بالرّبّ" وكيف تخصّص وقتًا لتتلذّذ بالرّبّ، ومن التّقاليد الرّهبانيّة يوجد تقليد الصّلاة القصيرة وهي عبارة واحدة يردّدها مئات المرّات "يا ربّ يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ" وهي صلاة مؤثّرة لأنّها تعتمد على استخدام الوقت، تلذّذ بالرّبّ في كلّ عمل، تلذّذ بحياتك في المسيح وتتلذّذ بالرّبّ السّاكن بداخل بيتك وبداخل قلبك،"تَلَذَّذْ بِالرَّبِّ فَيُعْطِيَكَ سُؤْلَ قَلْبِكَ" هو بالحقيقة فرحة القلب.

ويكمل هذه الصّورة الفعل الثّاني "سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ" درس الحكمة اليوم "تلذّذ بالرّبّ وسلّم للرّبّ طريقك" وهما وجهان لعملة واحدة، "سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ" كن واضحًا أمام مسيحك، اكشف حياتك بصراحة أمام السّيّد المسيح، قدّم توبة حقيقة أمامه، ألقِ اتّكالك عليه واجعله هو يقودك واقبل كلّ شيء منه في رضا، وتخلص من همومك وقلقك، كلنا نخطئ ولكن يجب أن نقوم مثل الابن الضال قام ورجع واستقبله أبوه بالأحضان، لذلك اكشف ذاتك أمام الله وتخلص من الهموم والقلق "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." (مت ١١: ٢٨). وكما قال بولس الرّسول في اختبار جميل "سَلَّمْنَا، فَصِرْنَا نُحْمَلُ." (أع ٢٧: ١٥).

"سَلِّمْ لِلرَّبِّ طَرِيقَكَ وَاتَّكِلْ عَلَيْهِ وَهُوَ يُجْرِي، وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ" والله يظهر اسمك وحقّك ويقول نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الأَمِينُ! كُنْتَ أَمِينًا فِي الْقَلِيلِ فَأُقِيمُكَ عَلَى الْكَثِيرِ. اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ." (مت ٢٥: ٢٣) سلّم للرّبّ طريقك وكن واثقًا أنّ يد الله هي الّتي تدبّر الحياة، "وَيُخْرِجُ مِثْلَ النُّورِ بِرَّكَ، وَحَقَّكَ مِثْلَ الظَّهِيرَةِ" يظهر أمام الجميع أنّك إنسان أمين في حياتك وعملك وبيتك وخدمتك، (تلذّذ وسلّم للرّبّ طريقك) من أفعال الحكمة وهذا هو الدّرس الخامس وأضعه أمامك في دروس الحكمة الّتي يعلّمها لنا داود النّبيّ، يعطينا مسيحنا أن نمتلئ من روح الحكمة في حياتنا اليوميّة.

لإلهنا كلّ مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين."