دينيّة
30 آب 2024, 13:00

بين ثقافة الحياة والحبّ والسلام وثقافة الموت والكراهية والدمار

تيلي لوميار/ نورسات
بقلم الأب البروفسّور يوسف مونّس

 

هلّا سمعنا صوت نشيد أوغاريت "ازرعوا في كبد الأرض محبّة"

نعيش هذه الأيّام على وقع أخبار الموت والحروب والدمار لا فرح عندنا ولا سلام ولا محبّة لأنّ فرح الحياة لا يكون إلّا بالسلام والمحبّة وقبول الآخر. تحوّل مجتمعنا إلى حالة جنائزيّة وكأنّنا في مقبرة أو جبّانة دائمة واتّشحنا بالثياب السوداء من أعلى رأسنا إلى أخمص قدمينا وحجبنا جمال النور واللون عن نظرنا حتّى أنّنا فقدنا حسن الجمال philocalia esthetica  وحسّ الذوق والشعور برهافة الحياة ورقّة مخلوقاتها وجمالها وعشنا كآبة الوجود وغربته كما يقول Soren kirkegaard اللاهوتيّ الدنماركيّ أو كما ينشد بودلير Beaudelaire في Spleen "سبلين" أو كما يقول الفيلسفوف الألمانيّ الكبير Hans Georg Gadamer  فيلسوف علم الدلالة أو hermeneutique : نكون "قد نضجنا للموت لحظة نكون قد ولدنا" وكان قبله الفيلسوف Hegel قال "إنّ الإنسان رغبة للموت".

 

آذاننا لا تسمع إلّا أخبار الموت والاستشهاد والدمار والحرب والوعيد والتهديد وإرسال التعزيزات المرعبة، وأعيننا لا ترى إلّا مشاهد التوابيت وأشباح الأجسام المتحرّكة والمتّشحة بلون الظلام والعتمة ولا نسمع إلّا حوربة أو تسييف الموت والهلاك والدمار والخراب. نسينا أنّ الله قال ليكن نور فكان نور وحبّ وجمال وحياة وفرح وسلام ونموّ وازدهار وأنّ المسيح قال أتيت لتكون لهم الحياة وتكون لهم أوفر وأضاف لا تخافوا ممّن يقتلون الجسد بل خافوا ممّن يقتلون الروح ولهم سلطان أن يقتلوا الروح بعد أن يقتلوا الجسد. وصارت رسائلنا صواريخ وراجمات وقنابل وسيّارات مفخّخة وطائرات تحمل الموت والفاجعة ولم نعد نذكر، لأنانيّتنا ونرجيسيّتنا، أنّ هناك مكان على الأرض للبشر أجمعين على اختلاف دياناتهم وتنوّع معتقداتهم وسلّم قيمهم وسلوكيّاتهم وأنماط سلوكهم ولبسهم ومحرّماتهم وممنوعاتهم أو تابوهاتهم tabous يمكّنهم من أن يعيشوا بسلام وفرح ومحبّة وسعادة وبركة وخير ونعمة وأمان.  

في رسالة البابا فرنسيس "ليكن مسبّحًا" يقول قداسة البابا إنّ الأرض هي البيت المشترك للبشريّة جمعاء وفي قلب هذا البيت يمكن للجميع أن يعيشوا بمحبّة واحترام لبعضهم البعض، ومع الآخر المختلف بسلام وفرح.  

هلّا تساءلنا ماذا جنت البشريّة من حروبها إلّا الخراب والموت والدمار وماذا حصدت من تقاتلها وتطاحنها إلّا الندم ولم تقم معاهدات السلم والتفاهم والحوار والعيش بسكون وسلام من يوم قتل قايين أخاه هابيل وإلى يومنا هذا حيث يقتل الإنسان أخاه الإنسان. ماذا انتفعت البشريّة وفي الأرض مساحة كافية ومساحات شاسعة وخيرات لا تحصى للشعوب كافّة لتعيش بسلام والبحر فيه من الخيرات ما يشبع الشعوب كلّها والجياع والفقراء، فمن يعطينا جوابًا؟  

أنا أؤمن أنّ "الجواب هو وحده في شخص يسوع المسيح وفي قوله إنّ من قال إنّه يحبّ الله وهو يبغض أخاه الإنسان فهو كاذب، وأضاف مار بولس في نشيده عن المحبّة أن هذا الإنسان  نحاس يطنّ أو صنجٌ يرنّ.  

أزال يسوع العداوات من بين البشر والفواصل مع المنبوذين والمبروصين والحدود بين الإتنيّات والعرقيّات، بين السامريّين واليهود ومعه لا نقدر أن نردّ على السيف بالسيف ولا على العنف بالعنف بل بالمغفرة والمصالحة والمسامحة واللطف ونكران الذات وبذلها حتّى الموت على الصليب ولا ذنب له إلّا أنّه شفى المرضى وأطعم الجياع وبشّر بالمحبّة.

المسيح أعطانا جوابًا لشفاء بشريّتنا المعطوبة والنازفة لكي نربح الحياة والجواب هو المحبّة "أحبّوا بعضكم بعضًا كما أنا أحببتكم". نحن في المسيح جسم واحد وكلّنا أعضاء في جسد المسيح وهو يدعونا جميعًا إلى الخلاص، الخلاص لكلّ إنسان وليس فقط للمسيحيّين بل للبشر أجمعين، لأنّ البشر جميعهم هم خلائق الله ومدعوّون إلى الخلاص.