الأراضي المقدّسة
20 نيسان 2019, 14:00

بيتسابالا: نحن عطاش إلى الله وإلى كلمته

شارك رئيس أساقفة بطريركيّة القدس اللّاتين ييرباتيستا بيتسابالا في قدّاس سبت النّور في كنيسة القيامة في القدس. وبحسب إعلام البطريركيّة ألقى عظة، جاء فيها:

"أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
سلام المسيح معكم جميعًا.
في احتفالنا في هذه العشيّة الفصحيّة نذكر تاريخ الخلاص.
في كلّ احتفالاتنا في هذا الأسبوع، وفي ما سنحتفل به اليوم وغدًا، وفي إعلان كلمة الله، تأمّلنا وسنتأمّل في كلّ مراحل تاريخ الخلاص. تأمّلنا في إله يحبّنا ولأنّه يحبّنا خلقنا. في إله يختار ويحرّر ويجتاز بنا الصّحراء، ويصبر على قساوة قلوبنا. وهو إله ينتظرنا دائما حتّى نرجع إليه، وما زال ينبّهنا بكلام الأنبياء ويلحّ علينا حتّى نرجع إليه. وأخيرًا، لم ينتظر، بل قرّر أن يأتي هو إلينا.
في هذا الاحتفال نُحْيِي ذكرى. ولكنّها ليست فقط ذكرى لمِـَا تمَّ مع آبائنا. اليوم أيضًا الله يحبّنا ويحرّرنا ويجتاز بنا الصّحراء. اليوم يتمّم الله عمل الفداء فينا.
أودّ أن أرى في عمل الله الخلاصيّ في التّاريخ الّذي تأمّلنا فيه، تاريخ خلاصنا نحن أيضًا، الّذي يتمّ لكلّ واحد منّا الآن، لي ولكم ولكنيستنا ولشعبنا.
أتوقّف عند بعض الإشارات والرّموز الّتي تأمّلنا فيها في هذه اللّيلة المقدّسة.
اللّيل
اللّيل، في الكتاب المقدّس، هو الوقت الّذي يُظهِر فيه الله نفسه، في الحلم. في اللّيل الله يعمل ويسهر ويحرس.ولكنّ اللّيل هو أيضًا وقت الخوف. اللّيلة بامتياز في الكتاب المقدّس هي ليلة الخروج، عندما خلّص الله إسرائيل من العبوديّة. وفي هذه اللّيلة اليوم، "يخلّص الله المؤمنين بيسوع المسيح في الأرض كلّها … من شرّ العالم" (النشيد الفصحيّ)..
من أيّ ليل يخلّصنا المسيح اليوم؟
أفكّر في كلّ الّذين لا يقدرون أن يروا النّور، بسبب ظلام اللّيل الّذي هم فيه. أفكّر في الظّلام الّذي يغشى عائلاتنا، المنقسمة والمنفصلة بسبب الهجرة، أو البحث عن العمل، أو بسبب إجراءات سياسة لا روح فيها ولا رحمة. أفكّر في ليل الكثيرين من الشّباب الّذين لا يرون أمامهم مستقبلًا. أفكّر في ليل انقساماتنا الدينيّة الّتي تعكر علاقاتنا، وفي أنواع العبوديّة الجديدة الّتي يتعرّض لها المهاجرون واللّاجئون ، وفي كلّ العبوديّات الكثيرة الّتي يعاني منها الإنسان.
هذه اللّيلة المقدّسة تبشّرنا أنّ لا عبوديّة بعد الآن. لقد انتهى اللّيل.
أخذنا النّور من الشّمعة الفصحيّة، من المسيح القائم من الموت. لنحمله معنا. ليضئ مسيرتنا ويمنحنا الأمل. نحن النّور. لن تأتي المعجزة من الخارج. "لنُلقِ عنّا أعمال الظّلام ولنَرتَدِّ سلاح النّور" (روما ١٣: ١٢)، النّور الّذي يضيء ليلنا في داخلنا، لنحمل النّور في كلّ ليالي هذا الزّمن. سنعرف أنّ الظّلام لا سلطان له علينا. إنّ قبلنا النّور صرنا نحن النّور.
النّار
"ولم يبرح عمود الغمام نهارًا وعمود النّار ليلًا من أمام الشّعب" (خروج ١٣: ٢٢).
مثل اللّيل، كذلك الّنور يذكِّرنا بظهور الله لنا. لنفكّر في العلّيقة المحترقة. النّار تمنحنا الدِّفء. بالنّار يُهيَّأ الطّعام، وتستدفئ العائلة.
من النّار المقّدسة، استخرجنا اليوم النّور الّذي أضاء ظلماتنا. ولكنّ النّار هي أيضًا حكم وقضاء، وقرار وتنقية: "فإنّه مثل نار السّباك وكمسحوق منظّف للثياب" (ملاخي ٣: ٢).  
أيّ خلاصّ تحمل إلينا النّار المقدّسة في هذه اللّيلة؟ بِمَ تحكم علينا ومِمَّ بنقِّينا؟
من أحكامنا غير الصّحيحة والمتسرّعة، ومن عجزنا عن رؤية الخير وتقديره ومعرفة الجميل، تنقينا من حسد فينا وغيرة.
وأفكّر أيضًا في الّذين حكم عليهم النّاس، وسُجِنوا وصدرت في حقّهم أحكام بشريّة ظالمة، مناقضة للعدل. أفكّر في الّذين يبرّرون الأحكام الظّالمة لأنّهم يؤمنون بقضيّة يحسبونها هي الحقّ الوحيد، ويصدرون أحكامًا ظالمة في حقّ من لا دفاع لهم.
هذه اللّيلة هي لهؤلاء أيضًا. انتهى الحكم على المظلومين واستقرّ العدل. " اليوم دينونة هذا العالم. اليوم يُطرَدُ سيّد هذا العالم إلى الخارج" (يوحنا ١٢: ٣١).
الماء
الماء، مثل الّنار، علامة الرّوح المنقّي: "وأرشّ عليكم ماء طاهرًا، فتطهرون من كلّ نجاستكم، وأطهركم من جميع قذاراتكم" (حزقيال ٣٦: ٢٥). "من شرب من هذا الماء الّذي أعطيه أنا لن يعطش أبدًا" (يوحنا  ٤: ٧–١٠).
الماء ينقّي ويطهّر. الماء يمنح الحياة. إلى ماذا وإلى من نحن عطاش؟ إنّنا نشبه أحيانًا أناسًا مرضى ضالّين يبحثون عن ماء بعيدة وغير ممكنة، بينما الينبوع هو بيننا.
نحن عطاش إلى الله وإلى كلمته. أين نستقي الماء الّذي يروي عطشنا؟ عن أي حياة نبحث؟  
في هذه اللّيلة صارت ينابيعنا صافية. مياهنا نقيّة من جديد وباردة تروي كلّ حروقنا.
في هذه اللّيلة نعلن ونبشّر أنّنا تركنا كلّ ماء، غير الماء الّذي يتدفّق من جنب المسيح.
الخبز
"يا ربّ أعطنا من هذا الخبز دائمًا" (يوحنا ٦: ٣٤).
الإفخارستيّة هي العلامة بامتياز الّتي تُجمِل كلّ العلامات والرّموز. هي ذبيحة، وعطاء، وتسبيح، ووليمة، ومشاركة، وعيد. "أعطنا دائمًا من هذا الخبز". نحن بحاجة إليه دائمًا، لا نشبع منه أبدًا. في كلّ يوم أعطنا إيّاه.
أفكّر في الّذين لا يشعرون بالحاجة إلى الله، ولا يريدون هذا الخبز الخاصّ. يعانون من اعتلال في غذاء الرّوح. أفكّر في الّذين يعيشون شباعى منغلقين على شِبَعِهم لا يريدون أن يجوعوا، وفي الكثيرين الّذين يعيشون في الجوع ولا يقدرون أن يشبعوا.
نحن لا نحتاج فقط إلى خبز الجسد. نحن نحتاج أيضًا إلى خبز الرّوح، الّذي يشبع جوعنا لنفهم، وجوعنا إلى العدل، والمساواة، والحقوق، والحياة الوافرة الكريمة.
أعطنا يا ربّ من هذا الخبز.
والآن نحن الخبز. يسوع جعل نفسه خبزًا، حتّى نصنع نحن ما صنعه هو.
في هذه الليّلة نريد أن نكون نحن الخبز الذي يُكسَر لأجلنا ولأجل الجميع، حتّى إنّ الحياة الّتي أعطانا إيّاها يسوع المسيح، خبز الحياة، تسدّ كلّ جوع فينا إلى خبز الجسد، وإلى العدل وإلى حياة الرّوح.
لن نصنع نحن هذه المعجزة. ها هي أمامنا صنعها الله. هي في هذا القبر الفارغ. من هنا أصبح كلّ شيء ممكنًا.
أتمنّى لكم ولنا جميعًا أن نخرج من هذا المكان نحمل الحياة والنّور، مستضيئين ومُضّطرمين بنور الّروح القدس، لنضيء ونضرم من جديد نار الحبّ الّذي بدَّل هذه الليلة.
كلّ عام وأنتم بخير".