الأراضي المقدّسة
15 أيلول 2023, 12:30

بيتسابالا: مشكلة الإنسان هي القدرة على السّماح لأنفسنا بأن نكون محبوبين بحرّيّة

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الرّابع والعشرين من الزّمن العاديّ، تأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بالمثل الّذي يرويه إنجيل متّى 18، 21- 35.

وفي تفصيل تأمّله يقول بيتسابالا بحسب إعلام البطريركيّة: "في قلب المثل الّذي يرويه إنجيل اليوم (متّى 18، 21- 35) هناك بادرة سخاء عظيمة: سيّد لديه خادم مدين له بمبلغ كبير من المال؛ إنّه يدرك أنّ هذا الرّجل لن يستطيع أبدًا أن يعيد له كلّ شيء، وعندما يتوسل إليه الخادم، يحرّره من عبء هذا الدّين ويتركه يعيش.

فهو لا يمهله فترة طويلة للدّفع، ولا يتفاوض معه على مقدار الدّين، ولا يمنحه خصمًا فحسب، ولا يؤجّل يوم التّسوية، لكنّه يعفه من كلّ شيء. إنّه يعطي أكثر بكثير ممّا كان المدين يجرؤ على أن يأمل.

لسداد هذا الدّين الكبير، لم يكن هناك طريقة أخرى سوى بيع الخادم وامرأته وأولاده وكلّ ما يملكون (متّى 18: 25): لأنّ العبد كان مدينًا بحياته وبكلّ ما يملك لسيّده.

لا يطلب العبد إعفاؤه من الدّين، بل إعطاؤه مزيدًا من الوقت: من الواضح أنّه لا يجرؤ على طلب مثل هذا الإعفاء. لكن ربّما تكمن المشكلة هنا بالتّحديد، لأنّ العبد لا يزال يتوهّم أنّه قادر على سداد دينه: " أَمهِلني أُؤَدِّ لَكَ كُلَّ شَيء." (متّى 18، 26).

بالنّسبة للعبد، إنّها مسألة وقت وصبر فقط، فهو يعتقد أنّه بإمكانه حلّ المشكلة، ومن المؤكّد أنّه سيستعين بقوّته.

كان بإمكانه أن يعترف ببساطة وتواضع أنّه لم يتمكّن من ذلك، وأنّه لم يكن قادرًا على الدّفع، وكان بإمكانه أن يثق، ويؤمن، ويسأل، لكنّه لم يفعل. يريد أن يدفع.

وهنا المراوغة، فنحن نولد بالدّين، وهذا الدّين ينمو مع مرور الوقت: نحن مدينون للحياة، نحن مدينون للحبّ الّذي تلقيناه، نحن مدينون تجاه الآخرين. العديد من الأشخاص الّذين، بطرق مختلفة، جعلونا نصل إلى ما نحن عليه. نحن مدينون لإله مات من أجلنا: لا يمكننا أن نعيش معتقدين أنّه يمكننا إعادة ما نتلقّاه كلّ يوم والّذي حتّى الله لا يطلب منّا إعادته. وبدلاً من ذلك، فإنّ الأمر يتعلّق بقبول حالتنا كمدينين معسّرين، دون خجل أوخوف. أيّ أنّ الأمر يتعلّق بتعلّم العيش بحرّيّة، حيث لا يكون لما يُعطى أيّ ثمن، لأنّه تعبير عن حبّ لا يطلب شيئًا.

ولذلك فإنّ السّيّد يغفر للعبد تمامًا، لأنّه لا يستطيع أن يفعل شيئًا آخر ولا يعرف كيف يفعل أيّ شيء آخر.

يقول النّصّ إنّ السّيّد أشفق (متّى 18: 27): ويمكننا الاعتقاد أنّ الرّحمة في هذه الحالة تتمثّل في الاعتراف بأنّ العبد لن يتمكّن أبدًا من سداد دينه، وأنّه على الرّغم من عجزه، فهو موضوع ترحيب لدى سيّده. يشعر السّيّد في قلبه بالمحدوديّة الجذريّة لخادمه، فيرحّب به كما هو، ويبقيه في بيته. ولا يطلب منه ما لا يستطيع أن يفعله. وهو ما لا يستطيع العبد أن يقبله ويدركه بنفسه.

يمكن أن يتوقّف المثل هنا، ويكون لدينا صورة عن وجه الآب، ولمحة عن حياة الملكوت: هكذا يحبّ الله.

لكن المثل يستمرّ، ويقدّم لمحة عن حالة الإنسان.

لأنّه بمجرّد أن يغادر العبد سيّده، يبدو أنّ المثل يبدأ من جديد، وكأنّ الجزء الأوّل لم يكن موجودًا: ينسى العبد ما تلقّاه من سيّده، ويتصرّف بقسوة مع رفيق، عبد مثله. الّذي يدين له بمبلغ زهيد. وما لم يتمكّن من الاعتراف به لنفسه، لا يستطيع أن يقبله للآخرين.

بإختصار، هذا الرّجل لم يقبل أبدًا النّعمة، ولم يجعلها خاصّة به، ولم يشعر أبدًا بالخلاص، ولم يكن ممتنًّا لسيّده، وبالتّالي لم يسمح لقلبه بالتّحوّل.

النّعمة الّتي تلقّاها، يحتفظ بها لنفسه، وبالتّالي يخسرها.

لأنّ الله لا يطلب منّا أن نرد له شيئًا ممّا يعطينا إيّاه كلّ يوم، بل يطلب منّا أن نتقاسمه فيما بيننا، ونتداول الرّحمة والنّعمة الّتي أعطانا إيّاها.

ولكن إذا كنّا مثل العبد، لا نشعر بالخلاص، فقد فقدنا النّعمة، ولا فائدة من الحبّ والمسامحة: فنحن لسنا قادرين على ذلك. وستصبح الحياة جهدًا متواصلًا، ولن نستطيع الاستمرار فيها.

الجواب الوحيد على مغفرة الله هو أن ندرك هذه المغفرة ونقبلها، فنصبح بدورنا قادرين على أن نغفر بأنفسنا.

اللّحظات الصّعبة في الحياة الّتي نختبر فيها حدودنا وضعفنا يمكن أن تكون أيضًا درسًا جيّدًا، لأنّها تذكّرنا بأنّنا لم نصنع أنفسنا وأنّ ما نحن عليه هو إلى حدّ كبير نعمة مجّانيّة من أولئك الّذين يحبّوننا، والّذين أيضًا يكشفون لنا عن وجه الله الحقيقيّ.

إنّ مشكلة الإنسان ليست في محدوديّته الجذريّة، أو في دينه؛ المشكلة بالأحرى هي القدرة على السّماح لأنفسنا بأن نكون محبوبين بحرّيّة والتّأكّد من أنّ طريقة الحبّ هذه تصبح أيضًا أسلوب حياة وطريقتنا في الوجود ضمن العالم."