الأراضي المقدّسة
03 آذار 2023, 11:20

بيتسابالا: ليس لدى يسوع شيء لا يقترن بالآب

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الثّاني من الزّمن الأربعينيّ، تأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بإنجيل متّى 17: 1- 9، فقال بحسب موقع بطريركيّة القدس للّاتين:

"تأخذنا المرحلة الثّانية من مسيرة الصّوم، مثل كلّ عام، إلى جبل عال (متّى ١٧: ١)، يحدّده التّقليد على أنّه جبل طابور. إليه يصعد يسوع مع بطرس ويعقوب ويوحنّا.

تشير قمّة الجبال فورًا إلى مكان التّلاقي مع الله حيث يكشف عن نفسه.

وفي نصّ اليوم أيضًا يكشف الله عن نفسه، غير أنّه في هذه الحالة يقوم به بطريقة جديدة كلّيًّا. في الواقع، لا يكشف الله عن نفسه هنا من خلال قوى الطّبيعة، ولا بالتّلويح بجبروته، بل في يسوع الإنسان.

في سعيه وراء الخطيئة، أصبح الإنسان غير قادر على إظهار مجد الله. في انغلاقه وانطوائه على ذاته، يستطيع الإنسان الكشف فقط عن ذاته وأعماله ومحدوديّته. أمّا بالنّسبة ليسوع، فهو يشارك في حياة الآب ويمتلئ بحبّه، كما رأينا في معموديّته، ويعيش طاعة كاملة له كما ورد في قراءة الأحد الماضي. ليس لدى يسوع شيء لا يقترن بالآب. وعليه، تستطيع إنسانيّته أن تكشف وتُظهر مجد الآب وجماله وحياته من دون أن يُبقي أيّ شيء لنفسه.

وفي وصفه لمظهر يسوع الخارجيّ لحظة التّجلّي، يشير الإنجيليّ متّى إلى وجهه وثيابه (متّى ١٧: ٢). نستطيع القول إنّ في أعماق يسوع نورًا يشعّ في الخارج ويُضيء كلّ شيء حوله. يوجد في يسوع حياة وهذه الحياة هي نور (راجع يوحنّا ١: ٤).

لنتوقّف عند عنصرين فقط.

يتعلّق الأوّل بالاقتراح الّذي قدّمه بطرس حينما رأى بهاء وجه يسوع وثيابه. تمنّى إطالة هذه اللّحظة قدر المستطاع. إقترح بطرس نصب ثلاث خيم (متّى ١٧: ٤). ويبدو أنّ الآب ردّ على ما قاله بطرس بهذه الطّريقة: للبقاء مع يسوع لا ينفع نصب ثلاث خيم، بل يتمّ بالإصغاء المستمرّ إليه. (متّى ١٧: ٥).

يشير الآب هنا بوضوح إلى حدث العماد حينما سُمع صوته. في نهر الأردنّ قال الآب كلمة حبّ وتقدير في يسوع ("هذا هو ابني الحبيب الّذي عنه رضيت" متّى ٣: ١٧) وهذه الكلمة غذّت حياة الابن، أوّلًا في الفترة الطّويلة للصّوم في الصّحراء ومن ثمّ في مسيرة رسالته بين البشر.

الآن تستنير هذه الحياة على جبل طابور، ويدعو الآب الجميع للإصغاء إلى الابن الّذي يحمل كلمة الحبّ الّتي سمعها بنفسه أوّلًا ("هذا هو ابني الحبيب الّذي عنه رضيت، فله اسمعوا" متّى ١٧: ٥).

الأحد الماضي، في حدث التّجربة، خضعت هذه الكلمة للتّجربة. عرض الشّيطان على يسوع ألّا يؤمن بها وألّا يعيش كابن. إلّا أنّ يسوع، على خلاف آدم، لم يستسلم للتّجربة وواصل الإصغاء إلى الكلمة الّتي سمعها لحظة معموديّته.

أمّا العنصر الثّاني فيضعه الإنجيليّ متّى قبل حدث التّجلّي. بعد الإعلان الأوّل للآلام يُبدي بطرس ردّ فعل حادّ، ويأخذ يسوع جانبًا ("فانفرد به بطرس وجعل يعاتبه فيقول: ((حاش لك يا ربّ! لن يصيبك هذا!)) (متّى ١٦: ٢٢) تمامًا مثلما انفرد يسوع ببطرس والتّلميذين الآخرين على الجبل (متّى ١٧: ١) وعاتبهم على ما قاله ("انسحب ورائي! يا شيطان، فأنت لي حجر عثرة" متّى ١٦: ٢٣). عندما وصف يسوع بطرس بالشّيطان، يستشفّ تجربة مماثلة لتلك الّتي عاشها في الصّحراء، ويُدرك أنّ ما قاله التّلميذ ليست كلمات الله بل كلمات بشر: "لأنّ أفكارك ليست أفكار الله، بل أفكار البشر" (متّى ١٦: ٢٣).

على الجبل، يدعو الآب بطرس والتّلميذين الآخرين أن يلبسوا ثوب التّلميذ المصغي إلى كلمة الرّبّ.

سيُصغي بطرس إلى هذه الكلمة حتّى ولو قست عندما أشارت إلى المعاناة والموت والصّلب. يُصغي لها وهو يتأمّل وجه وثياب يسوع الّذي، من خلال بذله لذاته، يكشف تمامًا عن مجد أبيه."