الأراضي المقدّسة
14 آذار 2025, 10:30

بيتسابالا: لتغيير القلب والرّجوع إلى الله بدون تأجيل أو تهاون

تيلي لوميار/ نورسات
"إنّ إنجيل هذا الأحد الثّالث من الصّوم (لوقا ١٣: ١-٩) يسلّط الضّوء على موضوع جوهريّ في مسيرة الصّوم، ألا وهو التّوبة. فالصّوم هو زمن يُمنح لنا لكي نعود ونتوب من جديد."

هكذا بدأ بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا تأمّله عشيّة الأحد الثّالث من الصّوم، داعيًا جماعة المؤمنين إلى التّواضع وعدم اعتبار أنفسهم أفضل من الآخرين، بل إلى الاعتراف بأنّهم خطأة وبحاجة إلى التّوبة.
وفي هذا السّياق، قال بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة: "يطرح يسوع هذا الموضوع في الجزء الأوّل من النّصّ (لوقا ١٣: ١-٥)، حيث يردّ على بعض الأشخاص غير المعروفين الّذين جاؤوا ليخبروه عن حدث مأساويّ: بعض الجليليين، الّذين جاؤوا إلى القدس للعبادة، قتلهم بيلاطس بينما كانوا يقدّمون ذبائحهم. كان هذا الحدث صادمًا، إذ يمكن تأويله دينيًّا على أنّه عقاب إلهيّ لخطايا ارتكبوها.ومن هذا الحدث، ينتقل يسوع إلى حادثة أخرى مشابهة، إذ يتحدّث عن ثمانية عشر شخصًا لقوا حتفهم جرّاء انهيار برج سلوام. كان الفكر الدّينيّ السّائد آنذاك يرى أنّ من يصيبه مثل هذا المصير إنّما أصابه بسبب خطيئة اقترفها، بينما من ينجو يمكنه أن يعتبر نفسه بارًّا ومقبولًا عند الله. نجد هذا التّصوّر في مواضع أخرى من الأناجيل، كما في السّؤال: "رابِّي، مَن خَطِئَ، أَهٰذا أَم والِداه، حَتَّى وُلِدَ أَعْمى؟" (يوحنّا ٩: ٢).
غير أنّ يسوع يرفض هذا التّفكير، ويطرح سؤالين يجيب عليهما بنفسه: هل كان هؤلاء أكثر خطيئة من الآخرين؟ ويجيب قائلًا: كلّا، لم يكونوا أكثر خطيئة من غيرهم. ويوضح أنّ الشّرّ يسكن قلب كلّ إنسان بالطّريقة نفسها، وأنّ لا أحد مستثنى من الحاجة إلى التّوبة. فالتّوبة ضرورة لكلّ إنسان، إذ لا بدّ له من إعادة ضبط علاقته مع الله، والرّجوع إليه بكلّ كيانه. فمن دون التّوبة، يهلك الإنسان، لأنّ الحياة الحقيقيّة لا تُوجد إلّا في الله: "ولٰكِن إِن لم تَتوبوا تَهلِكوا بِأَجمَعِكُم كذٰلِكَ" (لوقا ١٣: ٥).
في القسم الثّاني من النّصّ (لوقا ١٣: ٦-٩)، يروي يسوع مثل شجرة التّين. كان لرجل شجرة تين زرعها في كرمه، لكنّها لم تثمر. فطلب من الكرّام أن يقطعها، لأنّها تشغل الأرض عبثًا دون أن تعطي ثمرًا. لكن الكرّام يتوسّل إليه أن يتركها عامًا آخر، واعدًا بأنّه سيحرث الأرض من حولها ويضع لها السّماد (لوقا ١٣: ٨)، فيوافق صاحب الكرم على الانتظار ليرى إن كانت ستثمر.
في صميم هذا المثل، نجد فعلين في صيغة الأمر: الأوّل "اقطعها!" (لوقا ١٣: ٧)، قاله صاحب الكرم للكرّام. والثّانية: "اتركها!" (لوقا ١٣: ٨)، قاله الكرّام لصاحب الكرم.
الأوّل، هو يعكس النّظرة الدّينيّة السّائدة الّتي وردت في القسم الأوّل من النّصّ: إذا لم يكن الإنسان أمينًا في حياته الرّوحيّة، فمصيره القطع. نجد هذا الفكر أيضًا في كلمات يوحنّا المعمدان: "ها هيَ ذي الفَأسُ على أُصولِ الشَّجَر، فكُلُّ شجَرةٍ لا تُثمِرُ ثَمَرًا طَيِّبًا تُقطَعُ وتُلقى في النَّار" (لوقا ٣: ٩).
أمّا الفعل الثّاني، "اتركها!"، فهو تعبير عن قلب يسوع الرّحيم. فالتّاريخ المقدّس بأسره هو قصّة محبّة الله لشعبه. يمنح الله الإنسان مهلة، ويصبر عليه، ويمنحه الفرصة ليتغيّر ويتوب. ورغم أنّ استجابة الإنسان غالبًا ما تكون ضعيفة، إلّا أنّ الله يردّ بالمزيد من الرّحمة والرّعاية، بعطاء يفوق الحدّ، تمامًا كما أن حرث الأرض وتسميدها حول شجرة تين عقيمة يبدو عملًا يفوق الحاجة.
يدعونا هذا المقطع الإنجيليّ إلى التّواضع وعدم اعتبار أنفسنا أفضل من الآخرين، بل إلى الاعتراف بأنّنا جميعًا خطأة وبحاجة إلى التّوبة. إنّها دعوة ملحّة إلى تغيير القلب والرّجوع إلى الله، دون تأجيل أو تهاون. وفي الوقت ذاته، يكشف النّصّ عن صبر الله، الّذي يمنحنا دائمًا وقتًا وفرصة جديدة لنثمر، ويغدق علينا رحمته بلا حدود.
في كلا الجزئين من هذا النّصّ، نجد الله في حالة انتظار: ينتظر توبة القلوب، وينتظر أن تثمر شجرة الحياة فينا. إذًا، فإنّ زمن الصّوم هو زمن يُمنح لنا من جديد، حيث يُنتظر منّا أن نثمر بمحبّة وصبر، وأن نقدّم لله استجابة صادقة لدعوته إلى الحياة."