الأراضي المقدّسة
20 نيسان 2023, 12:30

بيتسابالا: كيف يتمّ التّعرّف على يسوع؟ ومتى يكون التّعرّف ممكنًا؟

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الثّالث من الزّمن الفصحيّ، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بإنجيل لوقا ٢٤، ١٣-٣٥، يكشف فيها عن النّظرة الجديدة الّتي يعطيها يسوع المسيح القائم من الموت إلى تلميذي عمّاوس من أجل رؤيته داخل حياتهما.

ويقول بيتسابالا في هذا السّياق بحسب موقع البطريركيّة: "في الأيّام الّتي أعقبت قيامته من الموت، عاد يسوع إلى حياة تلاميذه، ووجدهم جميعًا، بشكل أو بآخر، غير قادرين على الالتقاء به. وتُبرز البشارات الأربع نقص إيمانهم.

رأينا، في الأسبوع الماضي، عدم إيمان توما. غير أنّ الأمر ينطبق على الآخرين (راجع مرقس ١٦، ١١و١٣ ومتّى ٢٨، ١ ٧...): حتّى بالنّسبة للّذين شاركوا في حياة يسوع العلنيّة عن قرب لم يكن الالتقاء بالرّبّ القائم أمرًا سلسًا.

ولهذا السّبب وضع يسوع "استراتيجيّة" للتّعامل معهم، تجعلهم قادرين على التّعرّف عليه، وبالتّالي، قادرين على الدّخول في علاقة معه مرّة أخرى؛ ويمكننا القول إنّها تجعلهم مؤهّلين لإقامة علاقة جديدة معه. تتمّ القيامة، في الواقع، بشكل كامل، ليس فقط عندما يخرج يسوع حيًّا من القبر، ولكن عندما يعود حيًّا إلى تلاميذه وإلى حياة المؤمنين أفرادًا وجماعات.

نرى، في المقطع الإنجيليّ الخاصّ بتلميذي عمّاوس (لوقا ٢٤، ١٣-٣٥)، والّذي نستمع إليه اليوم، أن يسوع يعطي التّلميذين نظرة جديدة وقدرة جديدة على الرّؤية.

نقرأ في الآيات ١٥-١٦ أنّ يسوع يقترب منهما وهما سائران في الطّريق، لكنّهما لا يعرفانه، لأنّ أعينهما "أُمسكت" عن معرفته. ويشدّد الإنجيلي لوقا على أن نظرتهما كانت حزينة ("فتوقّفا واجمين"، الآية ١٧). فروايتهما وإدراكهما للأمور الّتي حدّثت تقف عند آلام يسوع وموته فقط، وليست قادرة على تخطّي ذلك. لم يعودا يتوقّعان شيئًا، ولم يعتقدا أنّ هناك أمرا جديدًا يمكن أن يحدث.

صحيح أنّهما أشارا إلى علامات لشيء ما يتجاوز الموت: ذهبت النّساء إلى القبر، ولم يعثرن على الجثمان، واختبرن رؤيا لملائكة (لوقا ٢٤، ٢٢-٢٣)، غير أنّ كلمة "لكن" الّتي تبعت، أغلقت كلّ إمكانيّة لمتابعة القصّة.

نتساءل: ماذا يفعل يسوع، وكيف يتمّ التّعرّف عليه؟ ومتى يكون التّعرّف ممكنًا؟

لم يفعل يسوع أيّ شيء سوى استعادة الذّاكرة الّتي فقدها التّلميذان، ذاكرة الكتاب المقدّس. وهذه الذّاكرة هي الّتي تمكّننا من إعادة قراءة نفس الأحداث بنور جديد، ذلك النّور الّذي يعيد الصّلة بين الأحداث وتاريخ الخلاص أيّ مخطّط الرّبّ. إنّها ليست عمليّة فكريّة، ولكنّها شيء يستيقظ في القلب، مثل الضّباب الّذي يتلاشى ببطء، فيعود النّور والدّفء.

ثمّ يحدث أن ينفتح ذهن التّلميذين، ويتطلّعان مرّة أخرى إلى شيء ما. إنّهما يرغبان في مواصلة الاستماع إلى قصّة تُروى بهذا الشّكل، بطريقة جديدة. ولم يكن باستطاعتهما القيام بها وحدهما.

يتمّ التّعرّف على الرّبّ القائم بشكل تدريجيّ، ولا يحدث، في هذه الحالة، دون رغبة التّلميذين، لا بل أرادا المزيد.

في الواقع، عندما يبدي رفيق الدّرب العجيب رغبته في مواصلة الطّريق بمفرده، ويعبّر عن نيّته تركهما، فإنّهما يدركان حينها أنّ العلاقة مع رفيق الدّرب هذا يجب ألّا تنقطع. لم يتعرّفا عليه بعد، ولكنّهما فتحا قلبيهما في اللّقاء، وفتحا ذهنهما على شيء آخر، غيّر قصّتهما وغيّر منظورهما الخاصّ. ويصرّان: "أمكث معنا" (لوقا ٢٤ ، ٢٩).

وتنفتح أعينهما أخيرًا، عندما يقوم يسوع بحركة مألوفة لهما، وهي كسر الخبز (لوقا ٢٤ ، ٣٠-٣١).

كنّا نتوقّع أنّه حال معرفتهما ليسوع، كان سيعقد معهما لقاءً أو حوارًا، ولكن ذلك لم يحدث. فبمجرّد أن عرفاه، غاب عن أعينهما (لوقا ٢٤، ٣١). بإمكاننا القول إنّ يسوع حقّق غرضه، وهو إعطاء تلاميذه نظرة جديدة، قادرة على رؤيته داخل حياتهما، وداخل تاريخهما.

وهكذا، لم يعد وجوده "الجسديّ" ضروريًّا، وكان بإمكانه تركهما.

عندما يغيب يسوع، تعود الجماعة لتظهر من جديد: يقوم تلميذا عمّاوس بالرّجوع إلى أورشليم، إلى جماعة التّلاميذ، الّتي التمّ شملها بدءًا من الخبرة المشتركة المتمثّلة في الالتقاء بالشّخص الحيّ حقًّا، والحاضر في حياة تلاميذه."