الأراضي المقدّسة
01 تشرين الثاني 2021, 12:15

بيتسابالا: كلمة الله تمنحنا قوّة إن قرأناها مع يسوع

تيلي لوميار/ نورسات
إفتتح بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا المرحلة الأبرشيّة للسّينودس العامّ للكنيسة الكاثوليكيّة، في احتفال ترأسه في عيد سيّدة فلسطين، في دير رافات.

وللمناسبة ألقى عظة قال فيها بحسب موقع بطريركيّة القدس للّاتين: "أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

نحن اليوم مجتمعون في هذا المزار المقدّس في دير رافات، في يوم الاحتفال بعيد سيّدتنا مريم العذراء، سيّدة فلسطين، لنفتتح رسميًّا مسيرة السّينودس في أبرشيّاتنا الكاثوليكيّة في الأرض المقدّسة، ضمن الإطار الأوسع للسّينودس العامّ للكنيسة الكاثوليكيّة، الّذي افتتحه قداسة البابا فرنسيس في التّاسع من هذا الشّهر تشرين الأوّل/ أكتوبر.

نذكرُ أنَّ إحدى المراحل وأكثرَها حيويّةً في كنيستِنا، في الأرض المقدّسة، كانت سينودس الكنائس الكاثوليكيّة في الأرض المقدّسة والّذي  تمّ اختتامه في بيت لحم ستة 2000 باشتراك كلّ الكنائس الكاثوليكيّة في الأرض المقدّسة. فهذه الإفخارستيّا الّتي نحتفل بها اليوم لها أهمّيّة تاريخيّة، ونحن نشعر بأنفسنا مثل التّلاميذ المجتمعين في العِلّيّة مع مريم، سيّدة فلسطين، وأمِّ الكنيسة الجامعة، وأُمِّ كنيستِنا، كنيسة القدس، أُمِّ الكنائس. وكأنّنا اليوم نريد، على حَياء، أن نعود إلى الخطاب الّذي يقيَ مفتوحًا قبل عشرين سنة، مع سينودس كنائسنا. نحن نحتاج بالطّبع إلى وقت كثير كي نعود ونكمِّل الخطابات الكثيرة الّتي بقيَتْ مفتوحة قبل عشرين سنة. لكنَّا نعتبر هذه اللّحظة الآن بمثابةِ خطوةٍ أُولى نحو الهدف.

قداسة البابا فرنسيس نفسه هو الّذي دعانا إلى "السّير معًا" (وهذا هو أصلًا معنى كلمة سينودس) ككنيسة جامعة، في كلّ مكان في الأرض. هنا في الأرض المقدّسة، اختَرْنا قصّةَ التّلميذَيْن اللّذَيْن كانا يسيران إلى عمواس، ثم معًا عادا إلى أورشليم (لوقا ٢٤: ١٣-٣٣)، أيقونةً، دليلًا ومصدرَ إلهام، لكلّ المسيرة السّينودسيّة الّتي تنتظرنا.  

في بدء هذه المسيرة السّينودسيّة، أوَدُّ أن أوضِّح أمرَيْن. أوّلًا، نريد أن نبدأ مسيرة. لعلَّنا كنَّا متوقِّفِين، منذ زمن، كأنّنا ننتظر... والآن نريد أن نعود إلى السّير. والآن نريد أن نعود إلى السّير، كما نحن، في الحالة الّتي نحن فيها، مع كلّ جراحِنا، تمامًا مثلَ تلميذَيْ عمّاوس. ثانيًا، نريد أن نسير معًا، كنيسةً وجماعة. ليس من السّهل غالبًا لأبرشيّاتنا أن نكون معًا، بسبب الحدود السّياسيّة، والمسافات الثّقافيّة، وصعوبات الحصول على التّصاريح للّتنقّل من منطقة إلى أخرى في أبرشيّاتنا: وكأنَّ كلَّ شيء يريد أن يبقينا متباعدين. لهذا أرى جميلًا ومعبِّرًا أنّنا نحن الآن، في هذه اللّحظة، مجتمعون، كلُّنا، في كلّ أقسام أبرشيّاتنا (فلسطين، وإسرائيل، والأردنّ، وقبرص). ومن ثمّ أحيِّي كنائسنا في الأردنّ وقبرص المتحِّدِين اليوم معنا في الصّلاة.

في الكنيسة لا يرحل ولا يسير أحد وحدَه، يرحلُ أو يسيرُ دائمًا مع غيره، مع الجماعة في الشّركة (...)

الشّركة هي لذلك أمر رئيسيّ في هذه المسيرة! والشّركة تبدأ من الدّاخل طبعًا، أيّ عائلاتنا، والأديرة الرّهبانيّة، والرّعايا، والحركات، وكلّ الهيئات الكنسيّة. ثمّ نخرج إلى الخارج لنلتقي بكلّ الجماعة الكاثوليكيّة والمسيحيّة، وأبعدَ من ذلك، أيضَا، بقدر الإمكان.

الشّركة في الأرض المقدّسة لها عدّة وجوه: بين المسيحيّين من مختلف الكنائس، وبين الجماعات الرّهبانيّة بأنواعها المختلفة، ومع أشخاص من معتقدات وديانات أخرى (...) نحن مدعوُّون في هذه الفترة إلى أن نحمل في مسيرة السّينودس نظرةً رَحْبَة، ومَذاقَ الإنجيل والأخُوّة، والانفتاح على الكثيرين، على الجميع. تقدِرُ جماعاتنا أن تكون مختبرَ شركة وأخُوّة وحوار، فتعطي أرضَنا المباركة والجريحة بانقسامات كثيرة، سياسيّة واجتماعيّة ودينيّة، طعم الشّركة.

(...)

مِثلَ التّلميذَيْن على طريق عمّاوس، نريد أن ننفتح ونتقاسم المسيرة، أن نتقاسم همومنا، ومشاعرنا، وجراحنا. الأزمات الّتي نواجهها كثيرة، سواء في الكنيسة أم في العالم، والتّحدّيات الّتي تنتظرنا هائلة، والرّسالة الّتي نُدعَى إليها ثقيلة.

مثلَ تلميذَيْ عمّاوس، يسوع يبحث عنّا طول الطّريق. ويأتي ليُصغِي إلينا. إنّه العمّانوئيل معنا، "الله معنا" (راجع أشعيا ٧:١٤؛ متّى ١: ٢٣)، لكنَّا في البداية لا نعرفه. مسيرة السّينودس تريد أن تكون أداةً لفتحِ عيوننا، وآذاننا، وقلوبنا، حتّى نراه في وسطنا. إنّه يسير معنا. وإنّا نلتقيه بانتظام في الإفخارستيّا وفي الأسرار. ونعرف أنّه يأتي إلينا أيضًا في إخوتنا وأخواتنا الّذين يسيرون معنا، بل وفي الّذين هم على هامش جماعاتنا. نريد أن نجدِّدَ وَعيَنا فنراهم جميعًا، ليس فقط الّذين يتكلَّمون بوضوح وصوتٍ مرتفع، لكن أيضًا الّذين نجدهم مرارًا كثيرة ساكتين، ونريد أن نرى الغائبين أيضًا.

المشاركة هي أيضًا أمر رئيسيّ في هذه المسيرة. (...)  في الإصغاء بانتباه إلى إخوتنا وأخواتنا، في فتح قلبنا حتّى نُدخِلَهم فيه، يسوع أيضًا يدنو منّا ويُشعِرنا بقربه، ويملأ قلبنا بنار متّقِدة (راجع لوقا ٢٤: ٣٢). اللّقاءات والمبادرات المبرمجة، لها هذا الهدف بالتّحديد، خلق المناسبة للإصغاء على كلّ المستويات. ومن المهمّ مع ذلك، كما أكَّدتُ ذلك مرارًا، أن يكون الإصغاءُ مضاءًا بحضور الرّبّ، حتّى لا نبقى أمام تَكرارِ شَكَاوى ورثاء.

المسيرة السّينودسيّة، تمامًا مثل مسيرة تلميذي عمّاوس، ليست فقط حدثًا يحدث، بقدر ما هي طريقة وأسلوب حياة. تَغلِبُ علينا عادةً عقليّة ترُكِّز على ما ينقصنا، وهذا صحيح ومُلِحّ، لكنّه يمكن أن يؤدّي إلى اليأس. أرجو من مسيرتنا هذه أن تسمح شيئًا فشيئًا لأعيننا بأن ترى ولآذاننا بأن تسمع، وأن تتنبَّهَ ليس فقط لما ينقصنا، ولكن أيضًا لما نَملِك: أيّ الرّبّ يسوع وهبةُ الرّوح الّتي يمنحُنا إيّاها، يسوع وهبةُ إخوتنا وأخواتنا الّذين يسيرون معنا على الطّريق نفسها.

ونريد خصوصًا، كما حدث على طريق عمّاوس، أن نعيد قراءة الكتب المقدّسة. كلمة الله تمنحنا قوّة إن قرأناها مع يسوع. فهو يفتح لنا الكتب، ويحوِّلُ الحرفَ الميِّت إلى روح نابض بالحياة يُضرِمُ قلوبنا. إنّه ينضمُّ إلينا في أثناء المسيرة، كما حدث للتّلميذَيْن على طريق عمّاوس. والمسيح القائم يساعدُنا لتفسيرِ الأحداثِ الماضية، في ضوءِ الإيمان، ويُلقِي الضّوءَ على أحداث تاريخِنا، وأَشَدِّها إيلامًا أيضًا، فتصير أحداثًا نرى فيها عناية الله، وأحداثَ نعمة (راجع لوقا ٢٤: ٢٥-٢٧).

(...)

تلميذا عمّاوس، اللّذان ابتعدا عن أورشليم مكتئبَيْن (لوقا ٢٤: ١٧)، مُحبَطَيْن، فاشلَيْن وجريحَيْن، رأيَا جراح المسيح المجيدة، فأدركا، في نورها، معنى جراحِهما (...)

ونحن، مثلَ تلميذَيْ عمّاوس، مدعوُّون لنعيش معًا هذه القوّة الدّيناميّة الدّافعة. نحن أيضًا، مثلُهما، يمكن أن نعود مسرعِين إلى أورشليم، إلى ينابيع إيماننا، إلى العِلِّيّة، إلى بطرس وجماعة الرّسل، لنعود من هناك ونبدأ مسيرتنا نحو العالم، معلنِين مع كلّ الكنيسة، أنّ المسيح قام حقًّا، وهو الطّبيب السّماويّ للكون كلِّه. هذه إذًا مسيرة سينودسيّة توحِّدُنا لنُصغِيَ بعضُنا إلى بعض، ونفتح أنفسنا على الرّوح الّذي حَلَّ علينا يوم العنصرة. هذا الرّوح هو أساس الأمر الثّالث الرّئيسيّ في السّينودس، أيّ الرّسالة وشهادة البشارة بالخبر السّارّ.

لنَسِرْ إذًا نحو أفُقٍ نجهلُه، واثقين بالرّبِّ المخلِّص الّذي نعرِفُه. وهنا في دير رافات، في هذا المزار المقدَّس، نضع أنفسنا تحت حماية سيّدة فلسطين. ولْنطلُبْ شفاعتها لِنبدأَ معًا هذه المسيرة لنجدِّدَ أنفسنا. لننظُرْ إليها، إنّها نجمة البشارة الجديدة، ولنسأَلْها أن تبقى معنا، مع ابنِها وتلميذَيْ عمّاوس، في مسيرتنا السّينودسيّة، لتوجِّه خُطانا."