بيتسابالا في يوم المهاجر: مهمّتنا إعادة الكرامة والهويّة إلى الأشخاص غير المرئيّين
وفي هذه العظة، قال بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "يسعدني أن ألتقي بكم في هذه المناسبة المهمّة لأبرشيّتنا، إن الاحتفال بيوم المهاجرين هو فرصة لنا للتّفكير والصّلاة والشّكر، التّفكير في الوضع الحاليّ لعشرات الآلاف من الأشخاص الّذين يعيشون بيننا، أن ننصت إليكم، ونعبّر عن توقّعاتكم ومخاوفكم وصعوباتكم، ولكن أيضًا عن أفراحكم. لنصلّي من أجلكم ومعكم، ونواصل بذلك بناء جماعتنا المؤمنة في الأرض المقدّسة. لنشكر الرّبّ على وجودكم، وعلى شهادتكم لإيمان حقيقيّ وقويّ وحازم، ولنشكر من بينكم الرّهبان والرّاهبات والمتطوّعين الّذين يكرّسون حياتهم لدعم ومساعدة وتنمية هذا الجزء من كنيسة الأرض المقدّسة.
أودّ أن أتوقّف عند تعبيرين مهمّين في إنجيل اليوم: "أن يكون له اسم" و"أن يرى". لطالما أدهشني في هذه الفقرة أنّ الفقير هو الوحيد الّذي له اسم، في حين أنّ الغنيّ، الّذي يفترض أنّه يتمتّع ببعض السّلطة في مجتمعه، لا اسم له، أن يكون للمرء اسم يعني أن يكون له هويّة، تاريخ، وجه، وعائلة، وأن يكون جزءًا من المجتمع. بإختصار، يعني أن تكون موجودًا من أجل شخص ما.
في الكتاب المقدّس، في بداية سفر التّكوين، يتمّ تشكيل الخلق عندما يعطيه الله اسمًا، فتتلقّى الشّخصيّات العظيمة في الكتاب المقدّس اسمًا جديدًا عندما يعهد الله إليهم بمهمّة جديدة ويمنحهم هويّة جديدة، من إبراهيم إلى سمعان بطرس.
التّعبير الآخر هو الرّؤية. كما يقول إنجيل اليوم أنّ لعازر كان يقف خارج باب الرّجل الغنيّ، لكن الرّجل الغنيّ لا يراه، لم يكن لعازر موجودًا بالنّسبة له، رغم أنّه كان يقف على بابه، صحيح أنّنا لا نرى بأعيننا بل بقلوبنا، فعيوننا ترى وفقًا لما يسكن في قلوبنا، كان قلب الرّجل الغنيّ منشغلًا بممتلكاته وحياته، ومركّزًا على نفسه فقط، لدرجة أنّه أصبح غير قادر على رؤية ما حوله، لم يُطلب من الرّجل الغنيّ أن يتخلّى عن كلّ ما يملك، بل أن يرحم فقط، وأن يخرج من دائرة عالمه الصّغير لفترة قصيرة، لم يُطلب منه سوى أن يلقي نظرة، لكن قلبه المليء بنفسه، لم يكن فيه مكان لأيّ شيء آخر.
هذه حقيقة لا تحدث فقط في الإنجيل، للأسف إنّها تحدث أيضًا بيننا في كثير من الأحيان، حيث لا نستطيع أن نرى ما هو قريب من بابنا، ولا نستطيع أن نرى حياة من حولنا.
نرى ذلك في جميع أنحاء العالم، حيث يضطرّ ملايين النّاس إلى ترك منازلهم وعائلاتهم وبلدانهم بحثًا عن فرص أفضل لأنفسهم ولأحبّائهم، أو ببساطة لدّعم العائلات الّتي بقيت وراءهم.
ويحدث هذا للعديد من العائلات في الأرض المقدّسة الّتي، بسبب الصّراع وعواقبه، تضطرّ إلى المغادرة لتوفير فرص أفضل لأطفالها، وأعتقد أنّ هذا ينطبق على كلّ واحد منكم أيضًا - مجبرون على المغادرة من أجل إعالة عائلاتكم، الّتي غالبًا ما تبقى في وطنكم.
الهجرة أصبحت الآن ظاهرة عالميّة، موجودة في كلّ مكان، وتتطلّب استجابات عالميّة، ولا يمكن للمجتمع الدّوليّ تجاهلها. يعلّمنا التّاريخ أنّ بناء الحواجز ليس حلًّا أبدًا، لأنّ الحواجز تمثّل الخوف، وتمحو أيّ أمل للمستقبل، وتسلّط الضّوء على افتقارنا إلى الرّؤية، لكنّنا في أمسّ الحاجة إلى الرّؤية، سواء هنا أو في جميع أنحاء العالم.
الهجرة هي حقيقة نادرًا ما تُناقش هنا في الأرض المقدّسة، إلّا في اللّحظات الدّراميّة بشكل خاصّ؛ فهي تظلّ مخفيّة عن معظم السّكّان، ولكن مهما حاولنا التّكتّم عليها، فإنّها واضحة لأيّ شخص ينتبه لما يحدث من حوله، إنّها تخصّ آلاف الأشخاص الّذين لا يمكن أن يظلّوا غير مرئيّين.
بالنّسبة للكثيرين- الكثيرين منكم- هذه الحقيقة، وكلّ واحد منكم، ليس له اسم أو وجه، أنتم غير مرئيّين، كما في إنجيل اليوم. في حياتكم، غالبًا ما تحدث مآسٍ عائليّة أو شخصيّة تترك أثرًا عميقًا في حياتكم.
أفكّر في مسألة التّرحيل الّتي لا تزال تؤثّر على العديد من عائلاتكم، خصوصًا الأطفال والشّباب الّذين ولدوا ونشأوا هنا، يُجبرون بعد كلّ هذه السّنوات على المغادرة إلى وطن لم يعرفوه قط، ليصبحوا مهاجرين في ما ينبغي أن يكون بلدهم الأمّ، كما أفكّر في الكثيرين الّذين يعيشون بيننا دون أيّ ضمانات قانونيّة، معرّضين لخطر الإجبار على المغادرة في أيّ وقت، دون وسائل ودون إمكانيّة الحصول على هذه الضّمانات، مجبرين- مثل لعازر في الإنجيل- على العيش على الفتات.
كما أفكّر في أولئك الّذين يعيشون في ظروف عمل مهينة، وخاصّة في الأطفال الّذين لا تتاح لهم فرصة العيش مثل الأسر الأخرى، مع والديهم، وفي منزل، وفي بيئة سلميّة؛ كالّذين أجبروا على المغادرة إلى بلد أجنبيّ، ليتمّ فصلهم عن بعضهم البعض بسبب نقص الموارد، ويعيشون في خوف من الاضطرار فجأة إلى المغادرة إلى مستقبل غير مؤكّد.
أفكّر في أولئك الّذين عانوا خلال العامين الماضيين من أهوال الصّراع بشكل مأساويّ للغاية والّذين كانوا ضحايا هذه الحرب.
غالبًا ما لا يكون لكم اسم ولا يُرى أحدكم، كما قلت، ومع ذلك فأنتم جزء من حياة هذه الأرض المقدّسة، وتساهمون في تنميتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وتشاركونها نفس واقع العنف، الّذي يصل أحيانًا إلى حد الموت.
لا تستطيع كنيستنا التّأثير على هذه العمليّات الهائلة، ولكنّها تستطيع الاستماع إلى أصواتكم وإعطاء وجه واسم لكلّ واحد منكم. هذه هي مهمّتنا: إعادة الكرامة والهويّة إلى أشخاص يفضّل الكثيرون عدم رؤيتهم أو مقابلتهم، ولكنّهم موجودون وحقيقيّون وينتظرون ردّنا. لأنّ الرّبّ نفسه، من خلالكم، هو الّذي يطرق بابنا، ويلقي بنظره علينا، ويتحدّى ضميرنا. لا يمكننا تجاهل هذا. لا يمكننا أن نبقى صامتين.
في هذه المناسبة، أودّ أن أشكر العديد من أفراد المجتمع الّذين يعملون على مساعدة ودعم حقوق العديد من الّذين يعيشون هنا، وكذلك أولئك الّذين يرحّبون بكم باحترام في منازلهم للعمل، ويعاملونكم بكرامة.
أخيرًا، أشكر نيابة المهاجرين، الأب ماثيو كوتينو، وجميع الموظّفين، الكهنة والعلمانيّين، الّذين يسعون كلّ يوم ليكونوا صوت الكنيسة في هذا المجال الرّعويّ، وليذكّروا الكنيسة بأكملها في الأرض المقدّسة بواجبها أن تكون، هنا والآن، صوتًا حرًّا وواضحًا لإنجيل لعازر: أن تعطي اسمًا ووجهًا للمسيح الّذي يطرق بابنا."