الأراضي المقدّسة
08 كانون الأول 2020, 14:30

بيتسابالا في قدّاسه الأوّل: لكنيسة "تنظر دائمًا إلى الخارج"

تيلي لوميار/ نورسات
ترأّس بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا قدّاسه الأوّل بعد تجليسه، يوم السّبت، في كنيسة القيامة، ألقى خلاله عظة قال فيها نقلاً عن موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"في بداية خدمتي الرّسميّة الجديدة، أتيت هنا إلى هذا المكان، لأطلب عطيّة الرّوح، الّذي يسندُ الكنيسة دائمًا، حتّى يُسنِدَني أنا أيضًا، ويُسنِدَكم، في بداية خدمتي هذه الجديدة.

الرّاعي هو صورة القطيع. أيّة صورة وأيّ مثال؟

ليس من قبيل المصادفة أن تبدأ هذه الخدمة الجديدة هنا في كنيسة القيامة، وأن نقرأ معًا إنجيل القيامة. ففي ضوء هذا الإنجيل بالتّحديد، أودّ لو قرأنا معًا هذه الخدمة الجديدة، وصورة كنيستنا.

ماذا يعني أن تلتقي كنيسة القدس اليوم مع يسوع القائم من بين الأموات وأن تشهد له؟ ماذا يعني أن نكون كنيسة في القدس؟ وأيّ تفسير أعطيها أنا المدعوّ لأكون راعيها؟

يتكلّم الإنجيل عن اللّيل والظّلام، اللّذين لم يعودا مخيفَيْن، لأنّهما على وشك الزّوال أمام نور الصّباح الوشيك. يتكلّم عن حجر كبير، لكنّه دُحرِج، ولم يعد يعني شيئًا. ويتكلّم عن تلاميذ يتراكضون. وعن أكفان– علامة الموت- لكنّها لم تَعُدْ تَلُفُّ أحدًا. وعن عيون ترى، وقلوب تؤمن، وعن الكتاب المقدّس الّذي ظهر الآن مِلءُ معناه. إنّه إنجيل مملوء بالانطلاق والحياة، وهو يتكلّم عنّا.

يطلب منّا الإنجيل ألّا ننغلق على أنفسنا في معابدنا، وألّا نقيس دعوتنا الكنسيّة بمقياس مخاوفنا الشّخصيّة أو الجماعيّة، أيًّا كانت. إنّه يدعونا إلى قراءة واقعنا الكنسيّ في القدس، واقع كنيستنا، في ضوء اللّقاء مع يسوع القائم من بين الأموات.

نحن كنيسة الجلجلة، هذا صحيح. لكن على الجلجلة بالضّبط، من قلب المسيح المطعون، ولدت الكنيسة. المسيح على الصّليب ليس فقط آلامًا فادية، بل هو أيضًا محبّة ومغفرة. لذلك نحن أيضًا كنيسة المحبّة الّتي لا تنام أبدًا، السّاهرة باستمرار، والّتي تعرف أن تغفر وتمنح الحياة دائمًا وبدون شرط.

نحن كنيسة العِلِّيّة، لكنّنا لسنا كنيسة العلّيّة بأبوابها المغلقة، والّذين فيها يَشُلُّهم الخوف. يتكلّم الإنجيل عن تلاميذ هُرِعُوا للقاء يسوع القائم من بين الأموات. العلّيّة هي مكان المسيح القائم الّذي يتخطّى الأبواب المغلقة ويمنح الرّوح والسّلام. فهو يطلب منّا إذًا أن نكون كنيسة تتجاوز الجدران والأبواب المغلقة. تؤمن، وتبشّر، وتمنح السّلام، لكن "لَيسَ كَمَا يَمنَحُهُ العَالَم" (يوحنّا 14: 27). في الواقع، رأينا إعلانات كثيرة عن السّلام، ثمّ تلتها الخيانة وأُهِين السّلام. على الكنيسة أن تصنع السّلام الّذي هو ثمر الرّوح، الّذي يمنح الحياة والثّقة، دائمًا من جديد، من غير أن يتعب أبدًا.

خَلق الرّوح في يوم العنصرة كنيسة متنوّعة مكوّنة من ثقافات ولغات مختلفة، ولكنّها واحدة "قَلبٌ وَاحِدٌ وَنَفسٌ وَاحِدَةٌ" (أعمال الرّسل 4: 32). نحن اليوم أيضًا كنيسة منتشرة على مساحة واسعة، حيث تميل أحيانًا الثّقافات المختلفة واللّغات المختلفة إلى الانغلاق على نفسها. لكنّنا مدعوُّون إلى الوحدة، والوحدة لا تعني أن يكون كلّ واحد مثل الآخر. نريد أن نكون كنيسة متّحدة، بلا حدود، مضيافة، قادرة على النّموّ والمحبّة في التّنوّع: المؤمنون المحلّيّون في مختلف أجزاء الأبرشيّة، والحجّاج، والمهاجرون، والعمّال، كلّهم جميعًا جزء لا يتجزّأ من كنيستنا، كنيسة القدس بمكوِّناتها المتعدِّدة.

كوننا نعيش باستمرار مع آخَرَ مختلف عنّا، والموجود بالفعل معنا داخل بيتنا الكنيسة، يجب أن نتدرّب لنصبح قادرين على الإصغاء أيضًا إلى الآخر الموجود خارج بيتنا. بإختصار، إنّ طابع كنيسة القدس المتعدّد يتطلّب منّا أن نكون كنيسة "تنظر دائمًا إلى الخارج"، أكثر من أيّ وقت مضى، مضيافة، ومنفتحة على الآخرين.

نحن كنيسة صغيرة من حيث العدد. هذا جزء من هويّتنا ويجب ألّا نرى فيه ما يخيفنا. تذكّرنا هذه الحال أنّنا لسنا موجودين لأنفسنا، بل للدّخول في علاقة مع كلّ الّذين نلتقيهم، وعلى أن نكون سبَّاقين ومبادرين، مع كلّ سكّان أرضنا، وكلّ الأديان فيها، مسيحيّين ويهودًا ومسلمين ودروزًا.

نحن الكنيسة الأمّ. الأمّ هي الّتي تلد. المثل يقول: أُمٌّ مرّة واحدة، هي دائمًا أُمّ ووالدة. تتولّد الحياة باستمرار في كلّ عمل، في كلّ عطاء، وتقدمة وشفاعة. الوالدة لا تحتفظ بشيء لنفسها، إنّها تعيش من أجل مَن وَلَدَت. لتكن كنيستنا كذلك: لا تنغلق على نفسها وعلى جروحها، ولا تنسى أبدًا أنّنا خُلِقْنا للحياة الأبديّة. بهذه الطّريقة فقط سنتمكّن أيضًا من أن نكون كنيسة تحمل ثمرًا وقادرةً على الشّفاعة، حين نضع الآخر في مركز اهتمامنا، ونكون على استعداد دائمًا لنقول له كلمة رجاء وعزاء حتّى في أصعب الظّروف، ونكون عازمين على الدّفاع عن حقوق الله والإنسان، منتبهين إلى أكثر النّاس احتياجًا، وملتزمين ببناء جماعة متضامنة. سنرى إذَّاك، ومن دون أن ننتبه، أنّنا إذا رفعنا نظرنا إلى السّماء ونظَرْنا أبعد من ذاتنا، سنجد في أنفسنا معنًى وانطلاقًا وحماسًا وقوّة لبناء بيتنا.

"لَم يَفهَمُوا الكِتَابَ بَعدُ" (يوحنّا 20: 9). كنيستنا مدعُوَّة أوّلاً إلى العيش في نور كلمة الله الّتي يجب أن تغذِّي، مع الأسرار، ليس إيماننا فحسب، بل حياتنا كلَّها. فَهمُ الكتاب المقدّس يغيِّر الحياة ويوجِّهُها ويفتح القلب. في كلمة الله نجد السَّنَدَ والمعنى والحافز لخدمتنا الكنسيّة. كلمة الله هي الّتي توجِّه الخدمة الرّعويّة وليس العكس.

يتكلّم الإنجيل عن الحجر المدحرج. ولو كثرت المشاكل والصّعوبات الّتي تُلِمُّ بنا، نريد أن نعلن أنّ لا شيء يبقينا منغلقين في قبورنا، وأنّنا كنيسة حيّة، ولا صخر يوقفنا أو يعيقنا. يدعونا الإنجيل إلى الانفتاح، والنّظر دائمًا إلى الأبعد وإلى أن نركض، مثل النّساء والتّلاميذ، لنعلن أنّه لا يوجد شيء أجمل من العيش من أجل إنجيل المسيح.

نريد إذًا أن نتحرّك باستمرار ونسير مع المسيح، دون أن نتوقّف، دون أن ننغلق على أنفسنا في وسائل راحتنا... ولا تعيش الكنيسة من البكاء على الماضي، ولا تَضِيعُ في التّحليل المستمرّ لتسأل نفسها كيف يجب أن تكون اليوم، بل تعيش الحاضر بهدوء وبدون خوف. إذا أردنا أن نتبع يسوع، يجب أن نكون في حالة حركة دائمة معه. شكوانا المستمرّة من الأوضاع، أو بسبب الصّعاب الّتي نواجهها، أو الإرهاق الّذي يصيبنا، قد يكون مفهومًا، لكنّها عقبة أمام سيرنا مع يسوع القائم من بين الأموات.

وأخيرًا نريد أن نسير معًا. لا يوجد شخص، ولا جماعة، ولا مؤسّسة لديها كلّ ما تحتاج إليه الكنيسة، ولكن في نفس الوقت كلّ شخص ضروريّ. فقط معًا يمكننا أن نُسنِدَ بعضُنا بعضًا، كلّ واحد بحسب موقعه، ومهمّته، وخدمته، وهويّته الخاصّة، لكن جميعُنا معًا في خدمة الملكوت..

إنّنا نَكِلُ هذه الخدمة الجديدة إلى سيّدتنا مريم العذراء القدّيسة، المرأة القويّة والكاملة، الواقفة عند الصّليب، والحاملةِ فرحَ اللّقاء مع المسيح القائم من بين الأموات. على مثالها، نقدر أن نقف أمام التّجربة، وأن نعيش بقوّة الرّوح وبملء الفرح، لأنّنا نعرف أنّ الله يحبّنا."