بيتسابالا: في الثّالوث، كلّ شيء مشترك بين الجميع
وفي تفاصيل تأمّله يقول بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:
"كي تُساعدنا على الدّخول في سرّ الثّالوث الأقدس، تًقدّم لنا ليتورجية قدّاس هذا الأحد مقطعًا من بشارة يوحنّا (١٦، ١٢–١٥) يتحدّث فيها يسوع، بشكل أساسيّ، عن الرّوح القدس.
لكن في حديثه عن الرّوح، يفتح يسوع نافذة خاصّة على العلاقات الّتي تعيشها الأقانيم داخل الثّالوث؛ لذلك هو لا يتكلّم فقط عن الرّوح، ولكنّه يقول أيضًا شيئًا ما عن نفسه وعن الآب.
وفي هذا الصّدد، أوّل ما نتعرّف عليه هو أنّ الرّوح لا يتحدّث عن نفسه، بل يقول ويذكّر بكلّ ما سمعه (يوحنّا ١٦، ١٣). وهذا مؤشّر مهمّ.
داخل العلاقات الثّالوثيّة، يتمّ العيش هكذا: ليس الأقنوم فردًا وحيدًا، يضع نفسه في عالمه الشّخصيّ. ولا يتحدّث أيّ منهم عن نفسه ولا يتحدّث من نفسه، ولا عمّا يقرّره هو، أو ما يفكر به، أو ما يريده.
بل على العكس من ذلك، فإنّ كلًّا منهم لا يشارك ولا يعطي، سوى ما كان قد تلقّاه من غيره.
لا بدّ وأن يكون العيش على هذا النّحو جميلاً جدًّا: أن يكون الأشخاص الثّلاثة قادرين هكذا على الإخبار ليس عن أنفسهم، بل عن شخص آخر: قادرين على التّكلّم عن شخص آخر، وعلى قول ما يُفكّر به الآخر، وما يقوله وما يريده الآخر.
هذه هي حياة الثّالوث: حياة لا يحتاج فيها أيّ شخص إلى فرض ذاته، لأنّ الآخر هو الّذي يفعل ذلك لي، ويرعى وجودي ويضمنه.
العنصر الثّاني نجده في ضمير التّملّك "لي"، الّذي يتكرّر عدّة مرّات في هذه الآيات القليلة.
وهذا أيضًا مؤشّر مثير للاهتمام وكأنّ يسوع يقول إنّه داخل الثّالوث لا يتمّ امتلاك أيّ شيء بشكل قطعيّ من قِبل أحد. لا يوجد أيّ شيء "لي" أو "لك" بشكل قطعيّ.
وبالتّالي يقول يسوع إنّ ما هو للآب هو أيضًا للابن: وما هو للابن "يُؤخذ" من قِبل الرّوح القدس كي يُصبح خاصًّا بالجميع، ويصبح خاصًّا بالتّلاميذ.
يتكرّر هذا المفهوم مرارًا في بشارة يوحنّا.
يقول يسوع على سبيل المثال: "ليس تعليمي من عندي، بل من عند الّذي أرسلني" (يوحنّا ٧، ١٦)؛ ولاحقًا يقول "ليس كلامي من عندي، بل من عند الّذي أرسلني" (يوحنّا ١٤، ٢٤).
أيّ أنّنا، في كثير من الأحيان، نلتقي بهذا الانتماء المتبادل، الأخذ والعطاء، الّذي بسببه يصعب تحديد ما يخصّ الواحد أو الآخر.
أو بالأحرى، من خلال كلمات يسوع، يتّضح بشكل متزايد أنّ الآب والابن متّحدان بحياة واحدة، من خلال مخطّط واحد لخلاص الإنسان.
وهكذا يستطيع يسوع أن يصل إلى حدّ القول إنّ من رآه، يكون قد رأى الآب بالفعل (يوحنّا ١٤، ٩).
كلّ هذا يعني، ببساطة، إنّ الحياة داخل الثّالوث هي في الأساس حياة شركة ومحبّة، ولا شيء غير ذلك.
وفي الحبّ لا يوجد تملّك شخصيّ يستبعد الآخر، ولا توجد مُلكيّة خاصّة تثري أحدهم أكثر من الآخر. وإلّا لن يكون هناك محبّة.
في الثّالوث، كلّ شيء مشترك بين الجميع. وأكثر من ذلك كلّ أقنوم يخصّ الآخر كلّيًّا ويحيا به.
إنّ البشرى السّارّة هي أنّ أسلوب الحياة هذا ليس فقط داخل الثّالوث: فالرّوح يريد أن يعيش فينا كأساس لحياة مُعاشة في الحبّ والعطاء المتبادل بالتّساوي، حيث لا تعود فينا حاجة لامتلاك أيّ شيء، لأنّنا جميعًا نكون أغنياء بالتّساوي من هبة الآخر، ممّا نتلقّاه وممّا نقدّمه."