الأراضي المقدّسة
08 تموز 2022, 05:00

بيتسابالا: فقط من خلال إلغاء هذه الحدود نكتشف الوجه الحقيقيّ للرّبّ

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الخامس عشر للزّمن العاديّ، تأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بإنجيل لوقا 10، 25- 37، فقال بحسب موقع بطريركيّة القدس للّاتين:

"هناك عبارتان تمكّناننا من فهم المقطع الإنجيليّ لهذا اليوم (لوقا ١٠، 25– 37).

العبارة الأولى في البداية، عندما يقول الإنجيليّ لوقا أنّ أحد علماء الشّريعة قام ليُحرج أو ليُجرّب يسوع.

هذا الفعل هو نفس الفعل الّذي يستخدمه لوقا في الفصل 4، حيث يجرّب الشّيطان يسوع في الصّحراء (لوقا4، 2). إنّها عبارة قويّة تخبرنا أنّه، وراء كلمات عالم الشّريعة وداخلها، تكمن تجربة تعطي صورة كاذبة عن الرّبّ.

ونجد العبارة الثّانية في الآية 29. بعد ردّ يسوع على سؤال عالم الشّريعة، حول ما هو ضروريّ القيام به ليرث الحياة الأبديّة، وفي محاولة "لتبرير نفسه"، يطرح العالم سؤالاً آخر، حول من يكون قريبه ("فأراد معلّم الشّريعة أن يبرّر نفسه، فقال ليسوع: ومن هو قريبي؟").

وبالتّالي، فإنّ عالم الشّريعة يجرّب يسوع أوّلاً، ومن ثمّ يحاول تبرير نفسه. ولكن ما هو بيت القصيد؟ وما هي التّجربة؟ ومن أيّ شيء يريد أن يبرّر نفسه؟

وراء أسئلة هذا المعلّم، هناك تجربة كبيرة للإنسان المتديّن، ألا وهي حشر الرّبّ في حدود المنطق البشريّ الضّيّق، ومحاولة السّيطرة عليه، وجعله على صورته: إله متعال، مقزّم، بعيد، لا يتدخّل في حياتنا، ولا يتواجد في التّاريخ، مع خطر تحويله إلى إيديولوجية، لا تبرِّر في نهاية الأمر سوى أنانيّتها.

وبإختصار، يذهب بطل قصّتنا إلى يسوع بحثًا عن تحديد معنى الحبّ وعمّن هو بحاجة إلى الحبّ، على أمل أن ترسم هذه "الرّؤية" الحدود الّتي يستطيع هو أيضًا أن يتحرّك داخلها دون الوقوع في الكثير من المآزق غير المنظورة، بحيث يبقى حرًّا داخل هذه الحدود ومعفيًّا من تعب الموت والولادة الجديدة. يبحث بطلنا عن إجابة تمنحه اليقين بأنّه بارّ ومبرّر.

يتجنّب يسوع الدّخول في منطق معلّم الشّريعة، ولا يقدّم إجابات مباشرة. على السّؤال الأوّل ("ماذا أعمل حتّى أرث الحياة الأبديّة؟"، 25) يدعو السّائل إلى الإجابة بنفسه، أيّ يحيله إلى ذاته، إلى البحث في هذه الشّريعة الّتي هو معلّمها؛ وردًّا على التّساؤل الثّاني ("من هو قريبي؟"، 29)، يروي يسوع قصّة لا يدّعي أنّها ردّ، لأنّها تنتهي بسؤال آخر. وهذه المرّة السّؤال ليسوع الّذي لا ينخدع ولا يتركنا ضحيّة لخداع الآخرين.

هذا هو السّياق الّذي يولد فيه مثل السّامريّ الصّالح" (لوقا 10، 30– 35).

الإنسان المغدور، الّذي وقع في أيدي اللّصوص، يراه ثلاثة أشخاص مختلفين (لوقا 10، 32– 33): الكاهن واللّاوي والسّامريّ. يستخدم النّصّ حرفَيْ جرّ (anti-parà) يشيران إلى "حركة التفافيّة"، ويوضحان أنّ الكاهن واللّاوي يديران وجهيهما، يستديران، وبمعنى آخر، يتجنّبان الإنسان الملقى على الأرض ويستمرّان في سيرهما.

نتوقّف هنا عند مبادرات السّامريّ. على عكس الشّخصين الأوّلين، لا يكتفي برؤية المغدور، بل يتحلّى بالرّحمة والعطف (لوقا 10، 33): قبل وصوله المكان، كان قد أوجد في داخله حيّزًا لهذا الرّجل، ليس بداعي الانتماء لنفس الدّيانة، ولا حتّى لبعض التّناغم السّياسيّ، بل باسم الانتماء إلى البشريّة نفسها، هذه البشريّة الهشّة المعوزة.

إنّ الرّحمة والعطف هما اللّذان يدفعانه إلى اتّخاذ هذه الخطوة بينما لم يستطع "الإيمان" تحريك رجلَيْ الدّين الآخرَين.

يمتلك السّامريّ القدرة والحرّيّة على تجاوز تلك الحدود الّتي من شأنها أن تمنعه من الاتّصال بعوالم أخرى.

يقوم بحركات إنسانيّة شبه ليتورجيّة، مقدّسة، تجعله ينحني أمام الإنسان المريض، كما يحدث في الهيكل عندما ننحني أمام الله. تضمّ اللّيتورجيا تقادم. وها هو يقدّم الزّيت والخمر لمعالجة الجروح. يستعمل ما لديه، ولا يترك المريض. ويعتبر أنّه لم يفعل ما فيه الكفاية، بل يذهب إلى أبعد حدّ. يقوم بحمل على دابته، ويعهد به إلى شخص آخر يشركه في قصّة الرّحمة والتّعاطف الخاصّ به. ثمّ يُخرج دينارين، ويدفعهما لصاحب الفندق على أن يعود لاحقًا.

بعد هذا المثل، يُعيد يسوع السّؤال حول "ما هو قريبي" إلى معلّم الشّريعة، لكنّه يعيده مقلوبًا رأسًا على عقب ("فأيّ واحد من هؤلاء الثّلاثة كان في رأيك قريب الّذي وقع بأيدي اللّصوص؟"، ٣٦): وبينما كان معلّم الشّريعة يريد رسم الحدود لتحديد من سيكون في داخلها ومن يكون خارجها، من يجب أن نحبّ ومن لا يجب أن نحبّ، يدعونا يسوع إلى عكس ذلك، إلى إزالة الحدود، وإلى أن نصبح نحن أنفسنا قريبين لكلّ من يصادفنا على الطّريق، دون تمييز.

فقط من خلال إلغاء هذه الحدود نكتشف الوجه الحقيقيّ للرّبّ، ونتحرّر من تجربة التّفكير في إله بعيد عن الإنسان، ونتحرّر من تجربة خبيثة تجعلنا نظنّ بإمكانيّة محبّة وخدمته دون أن نخدم الأخ الموجود بالقرب منّا".