الأراضي المقدّسة
06 تشرين الأول 2023, 13:50

بيتسابالا: اللّه لا يكلّ أبدًا من توعيتنا

تيلي لوميار/ نورسات
على ضوء إنجيل متّى21، 33–43 الّذي يتحدّث عن الكرم، تأمّل بطريرك القدس للّاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا بمثل جديد ليسوع في الأحد السّابع والعشرين من الزّمن العاديّ أ.

وعن هذا الإنجيل يقول بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"نستمع هذا الأحد إلى مثل آخر يتحدّث عن الكرم (متّى21، 33–43).

السياق الذي نجد أنفسنا فيه هو حول الهيكل، بعد دخول يسوع إلى القدس (متى 21، 1-11)؛ والأمثال هي ردّ يسوع على الاعتراض الّذي أثاره قادة الشّعب بشأن سلطة يسوع والأعمال الّتي قام بها (متّى 21: 23).

من الواضح أنّ الأمثال من جانب يسوع محاولة لمسائلة قادة الشّعب عن أنفسهم: فهي ليست موجّهة إليهم فحسب، بل تتحدّث عنها أيضًا. وكأنّهم بطريقة ما أبطال المثل.

نبدأ بالآية المركزيّة للمثل: يرى الكرّامون الابن، الّذي أُرسل ليجمع الثّمار، يعبّرون بالكلمات عمّا في قلوبهم، وما يحملون من ضغينة: "هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه" (متّى 21: 38).

أن ينال ميراثه، ميراث الله، وحياته: هذه هي رغبة الإنسان منذ الآيات الأولى في تاريخ الكتاب المقدّس. والله ليس عدوًّا لهذه الرّغبة: فهو منذ البداية يهب الإنسان حياته، تمامًا مثل صاحب هذا الكرم، الّذي يهتمّ بها بمحبّة وانتباه، ويبذل كلّ ما في وسعه لكي يعطي الكرم ثمرًا.

أين المشكلة إذن؟ لماذا لا يستمتع الكرّامون بالميراث الّذي يرغبون فيه؟

لأنّ المثل يتحدّث عن مفارقة، وهي أنّ الطّريقة الوحيدة للتّمتّع بثمار الكرم، والطّريقة الوحيدة للحصول على ميراث الله، هي من خلال إعادته إليه.

نعتقد أنّه لكي نستمتع بشيء يجب علينا امتلاكه.

أمّا بالنّسبة لله فالطّريقة الوحيدة للتّمتّع بشيء هي من خلال إعادته له. لأنّه من خلال إعادة الحياة إلى الآب بالتّحديد نصبح أبناء وبالتّالي ورثة حياته.

هنا نحتاج إلى توضيح ما يعنيه بأن نعيد الثّمار إلى الآب: في الحياة الطّبيعيّة، عندما نردّ شيئًا إلى شخص ما، نخسره بشكل نهائيّ.

ليس الحال كذلك مع الله: إنّ إعادة الثّمر لله لا يعني أنّه، بطريقة استبداديّة وتعسّفيّة، يسلب منّا ما اكتسبناه بكدّ. بل العكس تمامًا، علينا الاعتراف بأنّ كلّ شيء يأتي منه، وأنّ كلّ شيء هو عطيّة، وأنّنا بفضله فقط نأتي بالثّمر؛ وهذا يعني عدم الخوف من خسارة أيّ شيء.

في الواقع، هكذا هي كلمة الله (أنظر أش 55، 10- 11): إنّها مثل المطر والثّلج، بعد أن روت الأرض وأنبتتها، تعود إلى الآب، لأنّ كلّ شيء يأتي من هناك، وكلّ شيء يعود إليه.

إنّ ردّ الجميل في النّهاية هي أن نجعل حياتنا تزدهر بامتنان.

عندما لا ندرك علاقتنا كأطفال، عندما لا نكون ممتنّين لله على ما نحن عليه وعلى ما نملك، فإنّنا نحاول أن نمتلك الحياة، ونصبح أسيادها، مثل الكرّامين؛ لكن الله لا يكلّ أبدًا من توعيتنا مرسلاً إلينا بثقة خدّامه، ليذكّرونا بأنّ الحياة ليست ملكنا.

وحتّى عندما يبدو أنّ محاولته الأخيرة قد انتهت، في الواقع، فإنّ رغبة الله الأبديّة في استعادة حياة الإنسان من خلال الشّكر قد تحقّقت هناك على الفور.

في هذا الصّدد، مثل الإنجيل مثيرة جدًّا للاهتمام: بعد انتهاء المثل بموت الابن، يسأل يسوع القادة ويطلب منهم استخلاص النّتائج. ماذا سيفعل ربّ الكرم بالكرّامين (متّى 21: 41)؟

إنّ ردّهم سيكون المعاقبة بالموت (متّى 21، 41)، لكن يسوع يجيب بطريقة أخرى مقتبسًا من المزمور 118 "الحَجَرُ الَّذي رذَلَهُ البنَّاؤُونَ، هو الَّذي صارَ رَأسَ الزَّاوِيَة. ذاكَ صُنعُ الرَّبّ، وهو عَجَبٌ لِأَبْصارِنا"، وهو مزمور فصحيّ يدعونا إلى الفرح بما صنعه الرّبّ.

ماذا فعل؟ حوّل الموت إلى حياة، لأنّ ذبيحة الابن أصبحت أوّل حياة حقيقيّة تعود في محبّة للآب، غنيّة بذلك الثّمر الصّالح الّذي هو أمانة متبادلة في النّهاية.

الحجر الّذي رفضه البنّاؤون، أصبح هو الإفخارستيّا الأولى، والباكورة المقدّمة بلا خوف، والميراث الأوّل المقبول في الشّكر".