الأراضي المقدّسة
07 شباط 2025, 11:20

بيتسابالا: الله لا يطلب استرداد النِّعم لكنّه يطلب أن يتمّ مشاركتها بين الإخوة

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الخامس من الزّمن العاديّ- يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا بحادثة الصّيد العجيب.

وفي هذا السّياق، قال بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ: "يرتبط سرد دعوة التّلاميذ الأوائل في إنجيل لوقا بحادثة الصّيد العجيب (لوقا 5: 1- 11).نرى في إنجيلي مرقس ومتّى أنّ بطرس ورفاقه كانوا يصلحون الشّباك والقوارب بعد ليلة صيد عندما دعاهم يسوع، لكن وحده لوقا يذكر أنّ هذا الصّيد لم يحقّق أيّ نتيجة، وأنّ يسوع طلب منهم أن يسيروا في العمق ليجرّبوا مرّة أخرى. وحده لوقا يخبرنا أنّ هذا الصّيد الثّاني، الّذي تمّ في وضح النّهار، ملأ الشّباك بالأسماك (لوقا 5: 5-7).

لم يملأ الشّباك بالأسماك وحسب، بل ملأ قلب بطرس بالرّهبة، وأدهش جميع الحاضرين (لوقا 5: 9-10) يمكننا الدّخول إلى عمق هذا النّصّ من خلال الآية 8، حيث يطلب بطرس، بعدما رأى الصّيد الغزير وغير المبرّر، من يسوع أن يبتعد عنه: "فلَمَّا رأَى سِمعانُ بُطرُسُ ذٰلك، اِرتَمى عِندَ رُكبَتَي يَسوعَ وقال: "يا ربّ، تَباعَدْ عَنِّي، إِنِّي رَجُلٌ خاطِئ". (لوقا 5: 8)تكشف هذه العبارة عن طريقة تفكير محدّدة بشأن الله وعلاقته بالإنسان.  

فوفقًا لهذا الفهم، لا يمكن أن تجتمع قداسة الله مع خطيئة الإنسان، إذ يستبعد أحدهما الآخر. لذا، حيث حضور الله لا يمكن أن يكون هناك إنسان خاطئ، وحيث يوجد الإنسان الخاطئ لا يمكن أن يكون الله حاضرًا. وبناءً على هذا المنطق، يجب على الإنسان أن يتوب أوّلًا، ليتمكّن بعد ذلك من لقاء الله.  

إلّا أنّ هذا النّصّ يصوّر بشكل واضح مأساة الإنسان، فهو غير قادر بمفرده على أن يكون على مستوى العلاقة مع الله. لا يستطيع أن يتوب أو يتطهّر أو يستعدّ لهذا اللّقاء من تلقاء ذاته. إنّ الشّباك الفارغة بعد ليلة كاملة من الصّيد تعكس هذه الحقيقة: مجهود كبير، لكن بلا نتيجة: "يا مُعَلِّم، تَعِبْنا طَوالَ اللَّيلِ ولَم نُصِبْ شَيئًا، ولكِنِّي بِناءً على قَولِكَ أُرسِلُ الشِّباكَ." (لوقا 5: 5).

يرى يسوع هذا العناء العظيم الّذي يعانيه الإنسان، ويريد تحريره منه، لأنّه ليس مجرّد عناء عقيم، بل هو أيضًا عناء غير مُجدٍ.  

في إنجيل متّى (متّى 11: 28-30)، نسمع يسوع يدعو جميع المتعبين والمثقلين ليمنحهم الرّاحة والطّمأنينة. المسألة إذن ليست في الابتعاد عنه، بل على العكس، في الاقتراب منه.  

وجود يسوع يمنح بطرس فرصة ليدرك حقيقته: إنّه خاطئ، عاجز عن التّوبة والاقتراب من الله (لوقا 5:8).لكن هذا الإدراك لا يؤدّي إلى اليأس، بل على العكس، هو الخطوة الأولى للانفتاح على نِعَم الله، الّتي تسبق دائمًا استجابة الإنسان، تمامًا كما سبق الصّيد العجيب دعوة بطرس وتلاميذه. إنّها الخطوة الأولى لسماع الكلمة من جديد، ولكن هذه المرّة بعمق أكبر.لذلك، لا ينبغي لأحد بعد الآن أن يبتعد.

يتكرّر فعل "الابتعاد" كثيرًا في إنجيل لوقا، لكن يسوع لا يبتعد أبدًا عن أحد إلّا بعد أن يشفيه ويخلّصه. وعندما يبتعد، فإنّه يفعل ذلك ليبحث عن أشخاص آخرين متعبين، مثل بطرس، الّذي أجهدته ليلة طويلة من الفشل، ولم يستطع أحد إلى ذلك الحين أن يحرّره منها.  

في البداية، إذن، هناك نِعَم الله، كلمته المليئة بالرّحمة.  

وسنرى، مع استمرار قراءة الإنجيل، أنّ هذه النِّعَم ليس لها ثمن، لكن لها شرطًا واحدًا: أن يتمّ مشاركتها. فالله لا يطلب استردادها، لكنّه يطلب أن يتمّ مشاركتها بين الإخوة.

وفي إنجيل اليوم، يتجلّى دور هؤلاء "الإخوة" منذ اللّحظات الأولى، وفي موضعين بارزين:

المرّة الأولى عندما خرج بطرس للصّيد، لم يستطع بمفرده حمل الشّباك، إذ كان العطاء الإلهيّ أكبر من أن يكون له وحده، ولم يستطع قبوله إلّا بمشاركته مع الآخرين: "فأَشاروا إِلى شُرَكائِهم في السَّفينَةِ الأُخرى أَن يَأتوا ويُعاوِنوهم. فأَتَوا، ومَلأُوا كِلْتا السَّفينَتَينِ حتَّى كادَتا تَغرَقان" (لوقا 5: 7). أمّا المرّة الثّانية، فتتجلّى في كلمات يسوع، الّذي طمأن بطرس ثمّ فتح أمامه أفقًا جديدًا للحياة، وأرسله لينقل للجميع الرّجاء الّذي اختبره ذلك الصّباح على ضفاف بحيرة الجليل، ممّا غيّر نظرته إلى الله، وبالتّالي، غيّر حياته بالكامل: "لا تَخَفْ! سَتَكونُ بَعدَ اليَومِ لِلبَشَرِ صَيَّادًا" (لوقا 5: 11)."