بيتسابالا: العلاقة مع الله لا تنقص من واجب التزامنا في العالم
وفي شرحه لأبعاد هذا النّصّ الإنيجيليّ، يقول الكاردينال بيتسابالا بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:
"نُبحر الآن في الفصل 22 من إنجيل متّى: فبعد الأمثال الّتي سمعناها الآحاد الماضية، يقدّم الإنجيليّ سلسلة من الخطبات القويّة، الّتي طُرحت على يسوع من قبل أكبر وأهمّ مجموعتين يهوديّتين: الفرّيسيّون والصّدّوقيّون.
تدور الأسئلة حول قضايا ساخنة تتعلّق بالسّياسة والدّين، ولكن نيّة المتحاورين ليست صادقة: فهم لا يرغبون في التّعمّق أكثر في هذه المواضيع، بل في وضع يسوع في موقف صعب، وهذا ما يوضحه متّى منذ البداية في الآية 15.
الكلمة الرّئيسيّة لإنجيل اليوم (متّى 22، 15–21) هي كلمة "النّظر" المصطلح الّذي يدور حول الرّؤية والعرض والّذي يتكرّر عدّة مرّات.
يتحاور يسوع مع تلاميذ الفرّيسيّين والهيرودسيّين الّذين يحاولون الإيقاع به، وبدأوا حديثهم بكلمات تقدير زائفة، يخاطبونه فيها كشخص "لا تبالي أحد" (الآية 16)، أو كشخص حرّ لا يخفي ما يعتقده.
في مواجهة سؤال تلاميذ الفرّيسيّين والهيروديّين، طلب يسوع أن يعطوه قطعة نقد (الآية ١٩). ينظر يسوع إليها، ثمّ يدعو محاوريه بطريقة ما إلى فعل الشّيء نفسه، للإجابة على سؤاله حول لمن الصّورة والكتابة.
يبدو لي أنّ السّؤال هو سؤال "للنّظر".
أوّلاً، هناك القادة والمتديّنون الّذين ينظرون إلى يسوع وهم غير قادرين على رؤية أبعد ممّا يعتقدونه حول شخص يسوع: فهو شخص مزعج ويجب التّخلّص منه.
ثمّ هناك نظرة يسوع: نظرته هي نظرة عميقة. يرى النّاس أمامه ويفهم أنّهم في الواقع لا ينظرون إليه: إنّهم يحاولون فقط أن يضعوه في موقف حرج.
علاوة على ذلك، يرى يسوع بوضوح ماهيّة هذه الصّعوبة، وأين يكمن الفخّ: بالنّسبة لمحاوريه، فإنّ دفع الجزية لقيصر يعني قبول سيطرة العدوّ، ويعني إعطاء قيصر شيئًا ليس له، وهو ملك لله وحده. . .
بالنّسبة ليسوع، لم يتمّ طرح المشكلة بهذه المصطلحات.
إنّها بالأحرى مسألة معرفة كيف تنظر، لترى أنّ كلّ شيء يحمل في داخله صورة وكتابة: هناك أشياء تحمل صورة قيصر وأخرى تحمل صورة الله.
المهمّ هو ببساطة أن نميّز أحدهما عن الآخر، ولهذا السّبب يجب أن نعرف كيف ننظر إليهما بعناية، بتلك النّظرة الحرّة الّتي اعتبرها الفرّيسيّون والصّدّوقيّون نظرة يسوع.
عندئذٍ سيتبيّن أنّ العلاقة مع الله لا تنقص من واجب التزامنا في العالم، ولا تسمح لنا بالهروب من تاريخنا: بل يجب علينا وقتها أن نعطي ما لقيصر لقيصر (متّى 22: 21). .
وإنّه لقول حقّ أنّ واقع الإنسان لا يختزل في تاريخه: فهناك الله، وهو الله نفسه الحاضر في التّاريخ، الحاضر في قلب الإنسان؛ وهذا القلب ملك له وحده، ولا يجب أن يكون لأيّ صنم آخر سلطة على حرّيّة الإنسان، ولا يمكن أبدًا تأليه السّلطة الدّنيويّة والسّياسيّة أو تقديسها أو أن تصبح مطلقة.
لذلك، فقط من خلال إعطاء لله ما لله، سيكون لدينا نظرة واضحة ونتعرّف على ما هو لقيصر: الشّيء المهمّ هو عدم إرباكهم.
المشكلة، إذا جاز لنا أن نقول ذلك، هي أنّ الطّريقة الّتي ننظر بها لا تعتمد كثيرًا على الخارج، بل على ما بداخلنا، وعلى وجه الخصوص، على ما نريده: إنّه يعتمد على حرّيّتنا.
الرّسل أنفسهم يقدّمون لنا مثالاً على عدم القدرة على الرّؤية، ولهذا السّبب يخاطبهم يسوع بكلمة: منافقون (متّى 22: 18) هم أناس يعيشون تحت عتبة الدّينونة، غير قادرين على الرّؤية والتّمييز بين ما هو لقيصر وما هو لله.
فيضيعون في نقاشات عقيمة، دون أن يصلوا إلى الهدف، وهو أن يردّوا لله أوّلاً ما لله، وهو ما لم يفعله صانعو الخمر قبل أحدين (متّى 21: 33-43)، أو الضّيوف في عرس الأحد الماضي (متّى 22 1- 14)."