الأراضي المقدّسة
23 أيلول 2022, 07:50

بيتسابالا: الثّروات لا تدوم إلى الأبد، ما يبقى هو الحبّ

تيلي لوميار/ نورسات
يتوقّف بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا، عشيّة الأحد السّادس والعشرين من الزّمن العاديّ، عند موضوع الثّروة والأملاك، على ضوء إنجيل لوقا ١٦: ١٩– ٣١.

وفي هذا السّياق، يقول بيتسابالا بحسب إعلام البطريركيّة: "المقطع الإنجيليّ في ليتورجيّة هذا الأحد (لوقا ١٦: ١٩– ٣١) هو خاتمة الفصل السّادس عشر من إنجيل لوقا. يعود يسوع هنا، كما رأينا في قراءة الأحد الماضي، إلى موضوع أساسيّ في حياة كلّ إنسان وهو الثّروة والأملاك.

للتّعمّق في هذا المقطع، سنستعمل مفتاح القراءة الّذي رافقنا في الأحدين الأخيرين، أيّ صورة البيت. قرأنا في الأحد الماضي مثل الوكيل الخائن، الّذي حينما كُشف خداعه قام بتدبّر أمره، حتّى يقبله أحدهم في بيته عند الحاجة (لوقا ١٦: ٤). وفي الأحدين الماضيين أيضًا، كان بيت الأب هو المحور الأساسيّ، وهو بيت يجعل الابن الضّالّ يرجع إلى نفسه بعدما بدّد كلّ شيء (لوقا ١٥: ١٧).

وفي خلفيّة مَثَل اليوم أيضًا نجد صورة البيت.

إنّه بيت رجل غنيّ تملأ حياته الثّياب الفاخرة والولائم اللّذيذة. من المثير للاهتمام أنّ اسم الغنيّ غير مذكور. هنا لا يتمّ التّركيز على هويّته وشخصه، ولكن على ما يملك لأنّ حياته متمركزة على الغنى المادّيّ.

خارج هذا البيت نجد لعازر وهو رجل فقير لا يملك شيئًا ويأمل أن يحصل على الفتات الّتي تسقط من فتات مائدة الغنيّ، غير أنّه لا يحصل على أيّ شيء من ذلك البيت.

إنّه أمر غريب! من جهة لعازر قريب جدًّا من الغنيّ لأنّ ما يفصل بينهما هو باب واحد فقط. إلّا أنّه في الواقع بعيد جدًّا لأنّ الغنيّ لا يراه ولا يشعر به. لعازر موجود خارج البيت ولكن كما لم يكن.

وعليه لن نتفاجأ إن وجدنا في الجزء الثّاني من المَثَل المشهد نفسه أيّ الهوّة نفسها الّتي تفصل بين هاتين الشّخصيّتين. وهذه المرّة نرى انقلابًا في الأدوار. لم يعد الرّجل الغنيّ يجد أيّة تعزية على عكس لعازر الّذي وجد مسكنًا، في نهاية الأمر، في حِضْن إبراهيم.

وإذا استعنّا بالمقطع الإنجيليّ للأحد الماضي، نستطيع رؤية الرّسالة بوضوح.

بعد موته، يذهب الرّجل الغنيّ إلى الجحيم ليس لأنّه كان غنيًّا أو لأنّه تنعّم بأملاكه، بل لأنّه لم ير الفقير ولم يتّخذه صديقًا له (لوقا ١٦: ١٩)، لم يستعمل أملاكه ليُعزّي المحتاجين ولم يفتح بيته كي يدخل الجميع.

بالعكس من ذلك، جعل الغنيّ مسافة وهوّة بينه وبين الفقراء وبنى حدودًا وأغلق الأبواب.

في الأناجيل، عادة ما تتكرّر صورة البيت وكلّ بيت يُخبرنا بشيء عمّن يسكنه.

حيثما نجد بشرًا اختبروا الخلاص يكون البيت مفتوحًا والحواجز معدومة والوليمة معدّة للجميع. دعونا نقف مثلًا عند عتبة بيت متّى العشّار وبيت زكّا وبيت أصدقاء يسوع في بيت عنيا.

ولكن البيت الّذي لم يدخله خلاص يسوع، سيبقى مغلقًا إغلاقًا محكمًا. فيه الغريب مُدان ومُزدرى وغير مرحّب به وبالتّالي يكون منبوذًا.

إنّه بيت من لا يزال لديه شيء يدافع عنه لأنّه لم يجد الثّروة والكنز الحقيقيّين.

يُطلعنا المَثِل على ما ينتظرنا بعد الموت، وما يهمّنا هنا هو إدراكنا أنّ هذا الأمر لن يشكّل مفاجأة إذ سيكون حصيلة أعمالنا هنا.

إن كنّا قد بنينا روابط وجسور صداقة سنجدها هناك مرّة أخرى وستكون لنا خشبة خلاص.

إن كنّا قد بنينا هوّة وأبقينا الأبواب مغلقة فهذا تمامًا ما سنجده بعد الموت.

دعونا نتوقّف عند عنصر أخير. في الأحد الماضي، تحدّث الإنجيل عن الثّروات الزّائلة والمساكن الأبديّة مشيرًا بذلك إلى موضوع هامّ يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالثّروات وبموضوع الموت.

الثّروات، في الواقع، يمكن استخدامها كعلاج زائف ضدّ الموت إذ بإمكانه أن يوهم المرء بقدرته على التّغلّب على الموت وإبعاده. الرّجل الغنيّ في المَثَل يتنعّم تنعّمًا زائدًا ويُقيم الولائم كلّ يوم (لوقا ١٦: ١٩) من غير التّفكير في أيّ شيء، كما لو لم يكن ثمّة أمر آخر سوى هذا النّوع من الحياة.

إلّا أنّ الثّروات لا تدوم إلى الأبد. ما هو أبديّ، مرّة أخرى، هو الصّداقة فقط. ما يبقى هو الحبّ الّذي يملك قوّة الانتصار على الموت.

يسمح الرّجل الغنيّ للثّروة أن تخدعه إلى أن يأتي الموت ويضعه أمام حقيقة كونه رجلًا محرومًا من الخيرات، رجلاً لم يعد يملك الثّروات وبات بلا أصدقاء وبلا عائلة. ولا تستطيع عائلته على الأرض أن تساعده بأيّ شيء."