بيتسابالا: إنّ محبّة الله ومحبّة الآخر هما الوصيّة الأولى والأساس الّذي ينبع منه كلّ شيء
"نحن في أخر ثلاث محاولات من خلق الفتنة بين يسوع وأعدائه بهدف إحراجه، وليصطادوه بكلمة، فيشوّهوا سمعة النّبيّ بين الجموع، بسبب أعماله وتعاليمه.
سمعنا الأحد الماضي (متّى 22: 15-21) إنجيل أيحل دفع الجزية لقيصر أم لا: وكان جواب يسوع مختلف، إذ دعا محاوريه إلى أن يروا أبعد من ذلك، إلى النّظر بشكل أعمق، لرؤية ما تحمله الصّورة بداخلها، فيميّزوا من يحمل صورة الله ويجب إعادته إليه، وما يحمل بدلاً من ذلك بصمة الإنسان، ويجب معاملته على هذا النّحو.
أمّا الثّانية (متّى 22، 23 – 33) فتتعلّق بقيامة الأموات: هنا أيضًا غيّر يسوع المنظور، وذكّر الصّدّوقيّين بأنّ الله أمين لحياة الإنسان، وهذه الأمانة مليئة بالمحبّة، على رجاء القيامة.
اليوم (متّى 22، 34-40)، السّؤال الّذي طرحه أحد الكتبة يتعلّق بالشّريعة، ويسأل يسوع ما هي الوصيّة الكبرى؟ هنا أودّ التّركيز أوّلاً على نقطتين.
النّقطة الأولى: السّؤال مهمّ للغاية، كما كان من المهمّ يوم الأحد الماضي أن نتمكّن من رؤية وتمييز صورة قيصر المنقوشة على الدّرهم.
من الضّروريّ والمهمّ معرفة الوصيّة الكبرى الّتي تقود إلى الحياة الطّيّبة، إلى الحياة الجميلة. فالأمر لا يتعلّق بالقيام بالواجب واكتساب السّلوك الصّحيح، بل بمعرفة كيفيّة اختيار طريق الحياة.
والنّقطة الثّانية: هي أنّ طريق الحياة ترتبط بالمحبّة.
في الواقع، جواب يسوع يشير إلي أنّه لتعيش حياة جيّدة، عليك أن تعرف كيف تحبّ.
فالله يحبّ الإنسان الحيّ، كما أكّد يسوع في الجدل حول القيامة.
ويطلب منّا أن نبادله المحبّة، أن نكون محبوبين: لا أن نُخدم، لا أن نُكرم، ولا حتّى أن نُعبد. فالله يطلب أن نكون في علاقة محبّة معه.
وهنا أريد أن أركّز على بعض المصطلحات.
يسأل الكاتب: ما هي الوصيّة الكبرى؟ (متّى 22: 36).
يجيب يسوع باقتباس من سفر التّثنية (6، 4-8)، ويصحّح سؤال الكاتب: هذه ليست فقط الوصيّة الكبرى بل الأولى أيضًا.
فالكبير يعطي الشّعور بالأهمّيّة، مقارنة بما يحيطه، وخاصّة بما هو صغير.
لكن الأوّل فهو الأساس، ومنه يشتقّ كلّ شيء، ولا يبقى منعزلاً. فإن كان هناك الأوّل، فهذا يعني أنّ هناك آخرين.
وهنا يذكّر يسوع على الفور بالوصيّة الثّانية، وهو الأمر الّذي لم يسأله عنه الكاتب: إذا كانت الوصيّة الأولى هي محبّة الله، فإنّ الثّانية هي محبّة القريب، ويضيف أنّ هاتين الوصيّتين، الأولى والثّانية معًا أساس كلّ شيء: أساس الشّريعة والأنبياء والحياة.
تساعدنا دعوة الأنبياء في تاريخ الخلاص على فهم هذه الحقيقة: فالخدعة الكبرى أن تعتقد بأنّك تستطيع أن تحبّ الله دون محبّة الآخرين.
لذا أرسل الله الأنبياء العظماء ليذكّرونا بأنّ هذا غير ممكن على الإطلاق: فالله لا يقبل عبادة أو تقوى تهمل الفقراء عند بابها، ولا تعترف بحبّه وتسير في طريق الظّلم والإثم.
ولعلّ سؤال الكاتب "ما هي الوصيّة الكبرى" إلّا صدى لهذا الخداع والوهم والتّظاهر.
إنّ قانون الحياة الصّالحة لا يفشل في الحفاظ على هاتين الوصيّتين معًا: لا يمكن للمرء أن يحبّ الله دون أن يحبّ إخوته.
في الواقع، اتّخذ يسوع خطوة أخرى. إذا كنت تريد أن تحبّ الله، فالطّريقة الوحيدة هي أن تحبّ أخاك، كما سنرى في قراءات الآحاد القادمة، مع نهاية السّنة اللّيتورجيّة: في مشهد الدّينونة (متّى 25، 31- 46)، سيخبرنا يسوع أنّه في النّهاية، ستتطابق هاتان الوصيّتان، فأيّ بادرة محبّة مجّانيّة اتّجاه الآخر تُعتبر بمثابة عمل اتّجاه الله.
إنّ محبّة الله ومحبّة الآخر هما الوصيّة الأولى، الوصيّة الواحدة، والأساس الّذي ينبع منه كلّ شيء."