الأراضي المقدّسة
22 أيلول 2023, 07:50

بيتسابالا: إنّ "الأخيرين" في مجتمعاتنا هم عطيّة، إنّهم معلّمونا

تيلي لوميار/ نورسات
عشيّة الأحد الخامس والعشرين من الزّمن العاديّ، يتأمّل بطريرك القدس للّاتين بإنجيل متّى 20: 1- 16 والّذي بتعبيره يروي مثلاً "من أغرب الأمثال الّتي قالها يسوع".

وهذا النّصّ هو مقسّم إلى قسمين، ويقول بيتسابالا في هذا السّياق بحسب موقع البطريركيّة الرّسميّ:

"في الآيات الأولى (الآيات ١-٧) نرى صاحب الكرم يخرج عدّة مرّات خلال النّهار ليبحث عن عملة يرسلهم للعمل في كرمه.

صاحب الكرم رجل أصيل بامتياز: فقد ذُكر أربع مرّات عن تركه لمنزله بحثًا عن عمالة، وفي نهاية اليوم، لم يبق أحد ممّن التقى بهم، أو دعاهم، من دون وظيفة، أو من دون أيّ شيء ليقوموا به.

يبدو أنّه لا يهتمّ كثيرًا أو ليس فقط بكرمه الخاصّ، بل بالعمّال، بحيث يكون لكلّ فرد عمل وبالتّالي دخلًا لحياتهم أيضًا.

في الجزء الثّاني من المثل، جاء وقت الحساب، ويبدأ المقطع بآية ذات مغزى كبير: يأمر صاحب الكرم عبده أن يدفع للعملة "ابتداءً من الآخرين إلى الأوّلين" (الآية 8).

هنا نجد الغرابة الأولى، إذ لا يحترم ترتيب أوقات العمل: لذا يدفع الأجر أوّلاً لمن ذهب آخرًا إلى العمل.

ليس هذا فحسب: بل إنّ الأمر الأكثر خطورة هو أنّه حتّى الأخيرين يُعطون نفس الأجر الّذي تمّ الاتّفاق عليه مع الأوّلين (الآية ٩)، وهو دينارًا في اليوم (الآية ٢).

فالّذين عملوا اليوم كلّه في الكرم والّذين عملوا ساعة واحدة فقط، يأخذون نفس الأجر.

علاوة على ذلك، من الواضح أنّ صاحب الكرم خطّط لكلّ شيء حتّى يتمكّن الأوائل من رؤية أنّ الأخيرين حصلوا على نفس الأجر أيضًا.

لماذا كلّ هذا؟

ربّما لأنّه يتعيّن على الأوّلين أن يتعلّموا شيئًا لم تتمكّن أعينهم من رؤيته بعد.

نستنتج من المثل ما يلي: من جاء آخرًا يُعلِّم من جاء أوّلاً شيئًا بسيطًا وجوهريًّا، لا يمكن إدراكه ببساطة، وهو أنّ الله صالح. فمن جاء آخرًا يُعلِّم من جاء أوّلاً أنّ الله ليس عادلًا فحسب، بل من خلال النّظر إلى من جاء آخرًا، يعلم أنّ الله عادل وصالح.

لذا، في قلب المثل هناك سؤال أساسيّ، سؤال استفزازيّ حاسم، نحن مدعوّون من خلاله لنسأل أنفسنا: كيف يقف كلّ واحد منّا في وجه صلاح الله: إنّه سؤال لا يمكن تجنّبه.

لأنّ الحقيقة هي أنّ الله صالح، ويعطي كلّ شيء للجميع، بدون شروط، وبدون حسابات: لقد رأينا هذا الأحد الماضي، مع مثل العبد الّذي لا يرحم (متّى 18، 23-34). إلتقينا بصورة الله الّذي يعطي بلا حساب، ويشترط ألّا نعيد له عطيّته، بل أن نتقاسمها فيما بيننا.

إنّ مثل اليوم يأخذنا خطوة أخرى إلى الأمام: فهو لا يتعلّق فقط بمشاركة عطيّة الله مع إخوتنا، بل أيضًا بالتّمتّع بما يناله الآخر، دون أن ننظر إليه على أنّه شيء مأخوذ منّا.

في الواقع، يشعر عمّال السّاعة الأولى بالسّوء عندما يرون الخير، ويحسدون لأنّ صاحب الكرم كان صالحًا (متّى 21: 15).

يحدث هذا عندما نتوقّف عن رؤية ما نناله كعطيّة مجّانيّة وليس كحقّ مكتسب، تمامًا مثل العبد الّذي لا يرحم في إنجيل الأحد الماضي، والّذي كان مقتنعًا بأنّه يستطيع أن يردّ كلّ شيء (متّى 18: 26). الأوّلون، الّذين لا يتعلّمون درس الأخير، والّذين لا يتركون الأخير يتجاوزهم (انظر الآية 8)، هم أناس يرون حقوقهم، لكنّهم لا يرون صلاح الله، وهكذا، في النّهاية فإنّهم يستبدلون الحسنة بالسّيّئة.

لهذا السّبب، فإنّ "الأخيرين" في مجتمعاتنا هم عطيّة، إنّهم معلّمونا، أولئك الّذين هم قبلنا: أولئك الّذين يخطئون، أولئك الّذين يعانون، أولئك الّذين لا يستطيعون التّأقلم، يذكّروننا أنّ محبّة الله هي للجميع، وأنّه يمنحنا إيّاها على غير استحقاق منّا.

إنّ الطّريقة الوحيدة لعدم استحقاقنا لها هي أن نعتقد أنّنا نستحقّها، ثم نشعر بالغيرة إذا أعطى الله كلّ شيء حتّى لأولئك الّذين في رأينا لا يستحقّون."