الأراضي المقدّسة
29 أيلول 2022, 09:30

بيتسابالا: إنّ إيمان الصّغار عظيم

تيلي لوميار/ نورسات
هذا ما أكّده بطريرك القدس للّاتين بييرباتيستا بيتسابالا في تأمّله بإنجيل لوقا ١٧، ٥–١٠، عشيّة الأحد السّابع والعشرين من الزّمن العاديّ، فيقول بحسب إعلام البطريركيّة:

"من بين اللّقاءات العديدة بين يسوع والجماهير، تمّ البعض منها مع أشخاص ذوي إيمان "عظيم". يسوع نفسه يُقرّ بهذا الإيمان، ويضعه، بطريقة ما، كنموذج للتّلاميذ وللجمهور.

هذا هو حال قائد المئة، في كفرناحوم (لوقا ٧: ١–١٠)، الّذي يطلب من يسوع شفاء خادمه المحبوب.

في الفصل السّابع نفسه، يبرّر يسوع امرأة كانت قد تبعته إلى بيت أحد الفرّيسيّين، واسمه سمعان، وقامت بمبادرات محبّة فائقة تجاهه؛ وهو يفعل ذلك من خلال إخبارها أنّ إيمانها نفسه هو الّذي كان سبب خلاصها (لوقا ٧، ٥٠).

نفس هذه العبارة، يقولها يسوع للمرأة المنزوفة (لوقا ٨، ٤٨)، وبإمكاننا أن نورد حالات شبيهة أخرى.

بأيّ معنى يمكن القول إنّ إيمان هؤلاء عظيم، ويحصل على المعجزة الّتي يحتاجونها؟

يبدو لي، انطلاقًا من هذه الحالات، أنّ إيمان أولئك الّذين لا يعرفون حتّى أنّ لديهم إيمان، هو إيمان عظيم، كذلك إيمان أولئك الّذين لا ينشغلون بإيمانهم، والّذين يندفعون نحو الرّبّ بفعل حاجة كبيرة، وألم كبير أو محبّة كبيرة.

إنّ إيمان الصّغار عظيم.

تتيح لنا هذه الفرضيّة الاستماع إلى المقطع الإنجيليّ لهذا اليوم (لوقا ١٧، ٥–١٠)، المأخوذ من الفصل الّذي يتمّ فيه التّعامل مع مختلف جوانب الحياة المجتمعيّة.

إنّ الأمور المطروحة اليوم هما إثنان، الإيمان والخدمة، لكن الأفق الّذي يتمّ طرحهما فيه هو فريد من نوعه، ألا وهو الجدليّة بين العظمة والصّغر.  

في الجزء الأوّل، يطلب التّلاميذ من يسوع أن يزيد إيمانهم، بحيث يكون لديهم إيمان عظيم، ويردّ يسوع عليهم بأنّه يكفيهم إيمان صغير بصغر حبّة الخردل، وهي أصغر البذور المعروفة.

وهذا من أجل الخروج من تجربة التّفكير في ديناميّات الإيمان من منظور العظمة، والقوّة، والسّلطة، والقدرة والنّجاح: الإيمان لا يجعلنا أشخاصًا عظماء، لأنّ الإيمان هو موقف الّذين يعودون ويصيرون كالأطفال باستمرار، أولئك الّذين لا يكفّون عن الاندهاش، الّذين يستفسرون، والّذين يرغبون.

ولا يتمّ تحقيق ذلك من خلال العمل على تنمية هذه الخصال، ولكن من خلال كون الإنسان صغيرًا وطاهر القلب، بروح التّطويبات.

ليس من قبيل الصّدفة أن يُلام التّلاميذ كثيرًا بسبب قلّة إيمانهم (لوقا ٨، ٢٢–٢٥): وهم يثبتون ذلك لأنّهم، في أوقات الحاجة، يدعون الخوف يتغلّب عليهم، ويشعرون بعدم كفاية قوّتهم. بينما لا يعتمد الفقراء على قواهم الشّخصيّة، ويعرفون كيف يحوّلون حاجتهم إلى صلاة، وإلى صلاة مُلحّة.  

من ناحية أخرى، عندما يكون الإيمان عظيمًا حقًّا، وينبثق من قلب مسكين، يكون حينئذ ذا نتيجة مدهشة، تتمثّل في إعادة تثبيت الإنسان في سيطرته الصّالحة على الخلق، بحيث يتمّ، بطريقة ما، تثبيت كلّ شيء مرّة أخرى تحت سلطته: يكفي أن يقول كلمة واحدة، كي تطيعه حتّى الأشجار (لوقا ١٧، ٥).  

نجد نفس الدّيناميّة، في بعض النّواحي، في الجزء الثّاني من المقطع الإنجيليّ (لوقا ١٧، ٧–١٠).

حتّى هناك يوجد شخص ما يحاول اعتبار نفسه عظيمًا، لمجرّد أنّه قام بواجبه.  

ولكن ليس هذا هو الحال: إنّ اتّباع يسوع لا يجعل التّلاميذ أشخاصًا مهمّين، يتمتّعون بالعديد من الحقوق والامتيازات، لأنّ الامتياز الوحيد هو أن يكون التّلميذ خادمًا.

عندما نعيش هكذا، كخدم راضين عن كوننا خدمًا، فإنّنا حينئذٍ نتمتّع بالسّلطة، ونملك القوّة الحقيقيّة، ألا وهي بذل الحياة.

سيعود يسوع كثيرًا إلى هذه الدّيناميّة، الّتي، بموجبها، يكون عظيمًا حقًّا فقط القادر على التّرحيب، والخدمة، واتّخاذ المركز الأخير.  

أيّ شخص يرغب في أن يبني سلطته على صلاحيّات أخرى يصبح مثل السّيّد، الّذي يقود ويأمر: ولكن لن تكون سلطته حينها مختلفة عن تلك الّتي يتمتّع بها أيّ حاكم آخر في هذا العالم."